Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 81, Ayat: 15-25)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } ، أي : " أقسم " ، و " لا " زائدة كما تقدم . " والخُنَّسُ " : جمع خانسٍ ، والخُنوسُ : الانقباضُ ، يقال : خنس بين القوم ، وانْخنسَ . وفي الحديث : " فانْخَنَسْتُ " ، أي : استخفيت . يقال : خَنَسَ عنه يَخْنسُ - بالضم - خُنُوساً . والخنسُ : تأخر الأنف عن الشَّفة مع ارتفاع الأرنبة قليلاً . ويقال : رجلٌ أخنسُ ، وامرأةٌ خنساءُ ، ومنه : الخنساءُ الشاعرةُ . والخُنَّسُ في القرآن ، قيل : الكواكب السبعة السَّيارة القمران ، وزحل ، والمشتري والمريخ ، والزهرة ، وعطارد ؛ لأنها تخنس في المغيب أو لأنها تختفي نهاراً . وعن علي رضي الله عنه : هي زُحَل ، والمشتري ، والمريخ ، والزهرة وعطارد . وفي تخصيصها بالذكر من بين سائر النجوم وجهان : أحدهما : لأنَّها تستقبل الشمس ، قاله بكر بن عبد الله المزني . الثاني : تقطع المجرة ، قاله ابن عباس . وقيل : خُنُوسُهَا : رجوعها ، وكُنُوسها : اختفاؤها تحت ضوء الشمس . قال ابن الخطيب : الأظهرُ أنَّ ذلك إشارة إلى رجوعها واستقامتها . وقال الحسن وقتادة : هي النجوم كلها ؛ لأنها تخنس بالنهار إذا غربت ، وتظهر بالليل ، وتكنس في وقت غروبها ، أي : تتأخر عن البصر لخفائها ، وتكنس أي : تستتر ، كما تكنس الظِّباء في المغارة ، وهي الكناس ، والكنس : الداخلة في الكناس ، وهي بيت الوحش ، والجواري : جمع جارية . وعن ابن مسعود : هي بقر الوحش ؛ لأن هذه صفتها . وروي عن عكرمة قال : الخُنَّسُ : البقر ، والكُنسُ : هي الظباء ، فهي خنسٌ إذا رأين الإنسان خَنَسْنَ ، وانقبضن وتأخرن ودخلن كناسهنّ . قال القرطبيُّ : " والخُنَّسُ " على هذا : من الخنس في الأنف ، وهو تأخير الأرنبة ، وقصر القصبة ، وأنوف البقر والظِّباء خنس ، والقول الأول أظهر لذكر الليل والصبح بعده . وحكي الماورديُّ : أنها الملائكة ، والكُنَّسُ : الغيبُ ، مأخوذة من الكناس ، وهو كناس الوحش الذي يختفي فيه ، والكُنَّسُ : جمع كانس وكانسة . قوله تعالى : { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } . يقال : عَسْعَسَ وسَعْسَع ، أي : أقبل . قال العجاج : [ الرجز ] @ 5123 - حَتَّى إذَا الصُّبْحُ لهَا تَنفَّسَا وانْجَابَ عَنْهَا ليْلُهَا وعِسْعَسَا @@ أي : أدبر . قال الفراء : أجمع المفسرون على أن معنى " عسعس " : أدبر حكاه الجوهري . وقيل : دَنَا من أوله وأظلم ، وكذلك السحاب إذا دنا من الأرض . وقيل : " أدْبَر " من لغة قريش خاصَّة . وقيل : أقبل ظلامُه ، ورجحه مقابلته بقوله تعالى { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } ، وهذا قريبٌ من إدباره . وقيل : هو لهما على طريق الاشتراك . قال الخليل وغيره : عسعس الليل : إذا أقبل ، أو أدبر . قال المبرد : هو من الأضداد ، والمعنيان يرجعان إلى شيء واحدٍ ، وهو ابتداء الظلام في وله ، وإدباره في آخره . قال الماورديُّ : وأصل العسِّ : الامتلاء . ومنه قيل للقدح الكبير : عُسٌّ ، لامتلائه بما فيه ، فأطلق على إقبال الليل لابتداء امتلائه ، وأطلق على إدباره لانتهاء امتلائه ، فعلى هذا يكون القسم بإقبال الليل وبإدباره ، وهو قوله تعالى : { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } لا يكون فيه تكرار . وعَسْعَس : اسم موضع البادية ، وأيضاً : هو اسم رجل . ويقال للذئب : العَسْعَسُ والعَسْعَاس ؛ لأنه يعسُّ في الليل ويطلب . ويقال للقنافذ : العَساعِس ، لكثرة ترددها بالليل ، والتَّعَسْعُس : الشم , والتَّعَسْعُس - أيضاً - : طلب الصيد . قوله تعالى : { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } ، أي امتد حتى يصير نهاراً واضحاً . يقال للنهار إذا زاد : تنفس ، ومعنى التنفس : خروج النسيم من الجوف . وفي كيفية المجاز قولان : الأول : أنه إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح ونسيم ، فجعل ذلك نفساً له على المجاز ، فقيل : تنفس الصبح . الثاني : أنه شبَّه الليل المظلم بالمكروب المحزون الذي خنس بحيث لا يتحرك ، فإذا تنفس وجد راحة ، فهاهنا لما طلع الصبح ، فكأنه تخلص من ذلك الحزن فعبر عنه بالتنفس . وقيل : { إِذَا تَنَفَّسَ } أي إذا انشق وانفلق ، ومنه تنَفَّسَتِ القوسُ : أي : تصدعت . [ وهذا آخر القسم ] . قوله تعالى : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } . قال الحسنُ وقتادةُ والضحاكُ : الرسول الكريم : جبريل . والمعنى : إنَّه لقولُ رسولٍ كريمٍ من الله كريمٍ على الله ، وأضاف الكلام إلى جبريل ، ثم عزاه عنه فقال : { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الواقعة : 80 ] ليعلم أهل التحقيق في التصديق أن الكلام لله تعالى . وقيل : هو محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن جعله جبريل ، فقوته ظاهرة ؛ لما روى الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : من قوته قلعه مدائن قوم لوط بقوادمِ جناحه . وقوله تعالى : { عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ } أي : عند الله سبحانه وتعالى . " مكين " أي : ذي منزلةٍ ومكانةٍ . وروى أبو صالح قال : يدخل سبعين سرادقاً بغير إذن . وقيل : المراد : القوة في أداء طاعة الله تعالى ، وترك الإخلال بها من أول الخلق إلى آخر زمان التكليف . وقوله تعالى : { عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ } هذه العندية ليست عندية الجهة ، بل عندية الإشراف ، والتكريم ، والتعظيم . وقوله تعالى : " أنا عند المنكسرة قلوبهم " ، وقوله سبحانه : { مَكِينٍ } : قال الكسائي : يقال : مكنَ فلانٌ عند فلانٍ - بضم الكاف - تمكُّناً ومكانة ، فعلى هذا هو ذو الجاه الذي يعطي ما يسأل . قوله تعالى : { مُّطَاعٍ ثَمَّ } ؛ أي : في السموات . قال ابن عباس رضي الله عنهما : من طاعة الملائكة جبريل - عليه السلام - أنَّه لمَّا أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قال جبريلُ لرضوان خازن الجنانِ : افتحْ له ففتحَ ، فدخلها ، فرأى ما فيها وقال لمالك خازن النار : افتح له ففتح ، فدخلها ، ورأى ما فيها . وقوله تعالى : { أَمِينٍ } ، أي : مؤتمن على الوحي الذي يجيء به . ومن قال : إن المراد محمد صلى الله عليه وسلم فقال : " ذِ قوةٍ " على تبليغ الوحي " مطاع " أي : يطيعه من أطاع الله عز وجل . { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } حتى يتَّهم في قوله ، وهو من جواب القسم والضمير في قوله : " إنَّهُ " يعود إلى القرآن الذي نزل به جبريل - عليه السلام - على محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : يعود إلى الذي أخبركم به محمد صلى الله عليه وسلم من أنّ أمر الساعة في هذه السورة ليس بكهانة ، ولا ظنَّ ، ولا افتعال ، إنما هو قول جبريل أتاه به وحياً من الله تعالى . فصل فيمن استدل بالآية على تفضيل جبريل على سيدنا محمد قال ابنُ الخطيب : احتج بهذه الآية من فضل جبريل - عليه الصلاة والسلام - على محمد صلى الله عليه وسلم فقال : إذا وازنت بين قوله سبحانه : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } ، وبين قوله تعالى : { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } ظهر التفاوت العظيم . قوله : " عند ذي " : يجوز أن يكون نعتاً لـ " رسولٍ " ، وأن يكون حالاً من " مكينٍ " ، وأصله الوصف ، فلما قدم نصب حالاً . قوله : { ثَمَّ أَمِينٍ } . العامة : على فتح الثَّاء ؛ لأنه ظرف مكان للبعد ، والعامل فيه " مطاعٍ " . وأبو البرهسم ، وأبو جعفر وأبو حيوة : بضمها ، جعلوها عاطفة ، والتراخي هنا في الرتبة ؛ لأن الثانية أعظم من الأولى . قوله تعالى : { وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } ، أي : لقد رأى جبريل في صورته في ستمائة جناح { بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } أي : حيث تطلع الشمس من قبل المشرق . وقيل : " بالأفق المبين " ؛ أقطار السماء ونواحيها . قال الماورديُّ : فعلى هذا ففيه ثلاثة أقوال : الأول : أنه رآه في الأفق الشرقيِّ . قاله سفيان . الثاني : في أفق السماء الغربي ، حكاه ابن شجرة . الثالث : أنه رآه نحو " أجياد " ، وهو مشرق " مكة " ، قاله مجاهد . وقيل : إنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه - عز وجل - بالأفق المبينِ ، وهو قول ابن مسعود وقد تقدم ذلك في سورة " والنجم " . وفي " المُبينِ " قولان : أحدهما : أنه صفة للأفق ، قاله الربيع . الثاني : أنَّه صفة لمن رآه ، قاله مجاهد . قوله تعالى : { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } . قرأ ابن كثير ، وأبو عمر ، والكسائي : بالظاء ، بمعنى متهم , من ظن بمعنى : اتهم ، فيتعدى لواحدٍ . وقيل : معناه بضعيف القوة عن التبليغ من قولهم : " بئر ظنُون " أي : قليلة الماء ، والظِّنَّة التهمة ، واختاره أبو عبيدة وفي مصحف عبد الله كذلك . والباقون : بالضاد ، بمعنى : بخيل بما يأتيه من قبل ربِّه ، من ضننت بالشيء أضنُّ ضنًّا ، يعني : لا يكتمه كما يكتم الكاهن ذلك ، ويمتنع من إعلامه حتى يأخذ عليه حلواناً ، إلا أنَّ الطبري قال : بالضاد خطوط المصاحف كلها . وليس كذلك لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها ، وهذا دليل على التمييز بين الحرفين خلافاً لمن يقول : إنه لو وقع أحدهما موقع الآخر بحال لجاز لعسر معرفته ، وقد شنَّع الزمخشريُّ على من يقول ذلك ، وذكر بعض المخارج ، وبعض الصفات بما يطول ذكره . و { عَلَى ٱلْغَيْبِ } متعلق بـ " ظنين " ، أو " ضَنِيْنٍ " . و " الغيب " : القرآن ، وخبر السماء هذا صفة محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : صفة جبريل عليه السلام . قوله تعالى : { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } ، أي : مَرْجُومٍ ، والضمير في " هو " للقرآن ، قالت قريش : إنَّ هذا القرآن يجيء به شيطان ، فيلقيه على لسانه ، فنفى الله ذلك ، يريدون بالشيطان : الأبيض الذي كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة جبريل يريد أن يفتنه . فصل في الكلام على الآية قال ابنُ الخطيب : إن قيل : إنَّه حلف على أن القرآن قول جبريل - عليه السلام - فوجب علينا أن نصدقه ، فإن لم نقطع بوجوب حمل اللفظ على الظاهر ، فلا أقلَّ من الاحتمال ، وإن كان كذلك ثبت أن هذا القرآن يحتملُ أن يكون كلام جبريل لا كلام الله تعالى ، وبتقدير أن يكون كلام جبريل لا يكون معجزاً ، ولا يمكن أن يقال بأن جبريل معصوم ؛ لأنَّ عصمته متفرعة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وصدق النبي صلى الله عليه وسلم على كون القرآن معجزاً ، وكون القرآن معجزاً متفرع على عصمة جبريل ، فيلزم دور . فالجواب : أنَّ الإعجاز ليس في الفصاحة ، بل في سلب تلك الدواعي عن القلوب ، وذلك مما لا يقدر عليه أحد إلاَّ الله تعالى ، لأن سلب القدرة عما هو مقدور لا يقدر عليه إلا الله تعالى . ثم قال في قوله تعالى : { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } : فإن قيل : القول بصحة النبوة موقوف على نفي هذا الاحتمال فكيف يمكن نفيه بالدليل السمعي ؟ . قلنا : قد بينَّا أنَّه على القول بالصرف لا يتوقف صحة النبوة على نفي هذا الاحتمال بالدليل السمعي .