Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 81, Ayat: 26-29)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } " أيْنَ " : منصوب بـ " تذهبون " ؛ لأنه ظرف مبهم . وقال أبو البقاء : أي : إلى أين ؟ فحذف حرف الجرِّ ، كقولك : ذهبت " الشام " ، ويجوز أن يحمل على المعنى ، كأنه قال : أين تؤمنون ، يعني : أنه على الحذف ، أو على التضمين ، وإليه نحا مكيٌّ أيضاً . ولا حاجة إلى ذلك ألبتَّة لأنه ظرف مبهم لا مختص . فصل في تفسير الآية قال قتادةُ : فإلى أين تعدلون عن هذا القول ، وعن طاعته . وقال الزجاج : فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بيَّنت لكم . ويقال : أين تذهب وإلى أين تذهب . وحكى الفراء عن العرب : ذهبت " الشام " ، وخرجت " العراق " ، وانطلقت السوق ، أي : إليها ؛ وأنشد لبعض بني عقيل : [ الوافر ] @ 5124 - تَصِيحُ بِنَا حنيفةُ إذْ رَأتْنَا وأيُّ الأرضِ تَذْهَبُ لِلصِّياحِ @@ يريد : إلى أيِّ أرض تذهب ، فحذف " إلى " . قوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ } ، يعني : القرآن ذكر للعالمين ، أي : موعظة ، وزجر . و " إن " بمعنى : " ما " . وقيل : ما محمد إلا ذكر . قوله : { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ } بدل من " للعالمين " بإعادة العامل ، وعلى هذا فقوله : { أَن يَسْتَقِيمَ } : مفعول " شاء " أي : لمن شاء الاستقامة ، ويجوز أن يكون " لمن شاء " خبراً مقدماً ، ومفعول شاء محذوف ، وأن يستقيم مبتدأ ، وتقدم نظيره والمعنى : لمن شاء منكم أن يستقيم . قال أبو جهل : الأمر إلينا إن شئنا استقمنا ، وإن شئنا لم نستقم وهذا هو القدر ، وهو رأس القدرية ، فنزلت : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ، فبين بهذا أنه لا يعمل العبد خيراً إلا بتوفيق الله تعالى ، ولا شرًّا إلا بخذلانه . قوله : { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } ، أي : إلا وقت مشيئة الله تعالى . وقال مكيٌّ : " أن " في موضع خفض بإضمار " الباء " ، أو في موضع نصب بحذف الخافض . يعني : أن الأصل " إلا بأن " ، وحينئذ تكون للمصاحبة . فصل في تفسير الآية قال الحسن : والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاء الله تعالى لها . وقال وهب بن منبه - رضي الله عنه - : قرأت في تسعة وثمانين كتاباً مما أنزل الله - تعالى - على الأنبياء : من جعل إلى نفسه شيئاً فقد كفر ، وفي التنزيل : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 111 ] . وقال تعالى : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [ يونس : 100 ] . وقال تعالى : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] ، والآيُ في هذا كثيرة , وكذلك الأخبار وأن الله - تعالى - هدى بالإسلام ، وأضلَّ بالكفر . قال ابنُ الخطيب : وهذا عين مذهبنا ؛ لأن الأفعال موقوفة على مشيئتنا ، ومشيئتنا موقوفة على مشيئة الله ، والموقوف على الشيء موقوف على ذلك الشيء ، فأفعال العباد ثبوتاً ونفياً موقوفة على مشيئة الله تعالى ، وحمل المعتزلة ذلك على أنها مخصوصة بمشيئة الإلجاء والقهر ، وذلك ضعيف ؛ لأن المشيئة الاختيارية حادثة ، فلا بد من محذوف ، فيعود الكلام . والله تعالى أعلم . روى الثعلبي عن أبيّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } ، أعاذهُ الله أنْ يَفضحَهُ حِينَ تُنشرُ صَحِيفَتُهُ " والله أعلم بالصواب .