Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 10-17)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } . قيل : إنَّه متصل بقوله تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } لمن كذَّب بأخبار الله تعالى . وقيل : إنَّ قوله : " مرقوم " معناه : مرقم أي : يدل على الشَّقاوة يوم القيامة ، ثم قال : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } في ذلك اليوم من ذلك الكتاب . ثم إنه - تعالى - أخبر عن صفة من يكذِّب بيوم الدين ، فقال تعالى : { وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } ، فقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ } يجوز فيه الإتباع نعتاً وبدلاً وبياناً ، والقطع رفعاً ونصباً . واعلم أنه - تعالى - وصف المكذب بيوم الدين بثلاث صفاتٍ : أولها : كونه معتدياً ، والاعتداء هو التجاوز عن المنهج الحقِّ . وثانيها : الأثيم وهو المبالغة في ارتكاب الإثم والمعاصي . وثالثها : { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } والمراد : الذين ينكرون النبوة ، والمراد بالأساطير : قيل : أكاذيب الأولين . وقيل : أخبار الأولين . قوله : { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ } . العامة على الخبر . والحسن : " أئِذَا ؟ " على الاستفهام الإنكاري . والعامَّة : " تتلى " بتاءين من فوق . وأبو حيوة وابن مقسم : بالياء من تحت ؛ لأن التأنيث مجازي . فصل في المراد بالمكذب في الآية قال الكلبيُّ : المراد بالمكذِّب هنا : هو الوليدُ بن المغيرةِ - لعنه الله - لقوله تعالى : { وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ } [ القلم : 10 ] إلى قوله : { مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } [ القلم : 12 ] وقوله : { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ القلم : 15 ] . فقيل : هو الوليد بن المغيرة . وقيل : هو النَّضر بنُ الحارث . وقيل : عام في كل موصوف بهذه الصفة . قوله : { كَلاَّ } . ردعٌ وزجرٌ ، أي : ليس هو أساطير الأولين . وقال الحسن : معناها " حقًّا " ران على قلوبهم . وقال مقاتلٌ : معناه : لا يؤمنون ، ثم استأنف : { بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } قد تقدم وقف حفص على لام " بل " في سورة " الكهف " . والرَّان : الغشاوة على القلب كالصَّدأ على الشيء الصقيل من سيف ، ومرآة ، ونحوهما . قال الشاعر : [ الطويل ] @ 5129 - وكَمْ رَانَ من ذَنْبٍ على قَلْبِ فَاجِرٍ فَتَابَ منَ الذَّنْبِ الذي رَانَ وانْجَلَى @@ وأصل الرَّيْنِ : الغلبة ، ومنه رانت الخمر على عقل شاربها . وقال الزمخشري : " يقال ران عليه الذنب ، وغان عليه ، رَيْناً ، وغَيْناً ، والغَيْنُ : الغَيْمُ " . والغين أيضاً : شجر متلف ، الواحدة غَيْنَاء ، أي : خضراء كثيرة الورق ملتفة الأغصان . ويقال : رَانَ رَيْناً ورَيَناً ، فجاء مصدره مفتوح العين وساكنها . وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وأبو بكر والفضل : " رَانَ " بالإمالة ؛ لأن فاء الفعل راء ، وعينه ألف منقلبة عن ياء ، فحسنت الإمالة ، ومن فتح فعلى الأصل مثل : كَالَ وبَاعَ . فصل في المراد بالرَّين والإقفال والطبع قال أبُو معاذ النحويُّ : الرَّيْنُ ، والإقفال : [ أن يسود القلب من الذنوب وهو ] أشدّ من الطبع ، وهو أن يقفلُ على القلب ، قال تعالى : { أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } [ محمد : 24 ] . قال الزجاجُ : " رَانَ على فُلوبِهمْ " بمعنى غَطَّى على قُلوبِهم . وقال الحسن ومجاهد : هو الذنب على الذنب حتى تحيط الذنوب بالقلب ، ويغشى ، فيموت القلب . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إيَّاكُمْ والمُحقراتِ مِنَ الذنُوبِ ، فإنَّ الذنْبَ على الذَّنْبِ يُوقِدُ على صَاحبهِ [ جحيماً ] ضخمة " . وقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّ المُؤْمِنَ إذَا أذْنَبَ كَانتْ نُكْتةٌ سَودَاء في قَلْبهِ ، فإنْ تَابَ ونَزعَ واسْتَغفرَ صُقِلَ قَلْبهُ مِنْهَا ، فإذَا زَادَ زَادتْ حتَّى تَعلُو قَلْبهُ ، فَذلِكُمُ الرَّانُ الَّذي ذَكَرَ اللهُ - تعَالَى - في كِتَابِهِ : { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } " . قوله : { مَّا كَانُواْ } هو الفاعل ، و " ما " : يحتمل أن تكون مصدرية ، وأن تكون بمعنى : " الذي " والعائد محذوف ، وأميلت ألف " رَانَ " ، وفخمت ، فأمالها الأخوان وأبو بكرٍ وفخَّمها الباقُون ، وأدغمت لام " بل " في الراء ، وأظهرتْ . قوله تعالى " { كَلاَّ إِنَّهُمْ } . قال الزمخشريُّ : " كلاَّ " ردع عن الكسب الرَّائن على قلوبهم . وقال القفالُ : إنَّ الله - تعالى - حكى في سائر السور عن هذا المعتدي الأثيم ، أنه كان يقول : إن كانت الآخرة حقًّا ، فإن الله - تعالى - يعطيه مالاً وولداً ، ثم كذَّبه الله - تعالى - بقوله : { أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } [ مريم : 78 ] . وقال أيضاً : { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } [ الكهف : 36 ] { وَلَئِن رُّجِّعْتُ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ } [ فصلت : 50 ] ، فلمَّا تكرَّر ذكره في القرآن ، ترك الله ذكره - هاهنا - وقال تعالى : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } أي : ليس الأمر كما يقولون من أن لهم في الآخرة الحسنى ، بل هم عن ربهم يومئذ لمحجوبون . وقال ابن عباس أيضاً : " كلاَّ " يريد لا يصدقون , ثم أستأنف , فقال : { إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } وقيل : قوله تعالى : " كلاَّ " تكرير ، وتكون " كلاَّ " هذه المذكورة في قوله : " كلا ، بل ران على قلوبهم " . قوله : { عَن رَّبِّهِمْ } . متعلق بالخبر ، وكذلك " يومئذ " ، والتنوين عوض عن جملة ، تقديرها : " يوم إذْ يقوم الناس " ؛ لأنه لم يناسب إلا تقديرها . فصل في حجب الكفار عن رؤية ربهم قال أكثر المفسرين : محجوبون عن رؤيته ، وهذا يدل على أن المؤمنين يرون ربهم - سبحانه وتعالى - ولولا ذلك لم يكن للتخصيص فائدة . وأيضاً فإنه - تعالى - ذكر هذا الحجاب في معرض الوعيد ، والتهديد للكفار ، وما يكون وعيداً وتهديداً للكفَّار لا يجوز حصوله للمؤمنين ، وأجاب المعتزلة عن هذا بوجوه : أحدها : قال الجبائي : المراد أنهم محجوبون عن رحمة ربهم أي : ممنوعون كما تحجب الأم بالإخوة من الثُّلث إلى السُّدس ، ومن ذلك يقال لمن منع من الدخول : حاجب . وثانيها : قال أبو مسلم : " لمحجوبون " غير مقربِّين ، والحجاب : الرَّدُ ، وهو ضد القبول ، فالمعنى : أنهم غير مقبولين عند الرؤية ، فإنه يقال : حُجِبَ عن الأمير ، وإن كان قد رآه عن بعدٍ ، بل يجب أن يحمل على المنع من رحمته . وثالثها : قال الزمخشريُّ : كونهم محجوبين عنه تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهم ؛ لأنه لا يرد على الملوك إلا المكرَّمين لديهم ، ولا يُحجب عنهم إلا المبانون عنهم . والجواب : أن الحجب في استعمالاته مشترك في المنع ، فيكون حقيقة فيه ، ومنع العبد بالنسبة إلى الله تعالى ، إمَّا عن العلم ، وإمَّا عن الرؤية ، والأول : باطل ؛ لأن الكفَّار يعلمون الله تعالى ، فوجب حمله على الرؤية . وأمَّا الوجوه المذكورة فهو عدول عن الظاهر من غير دليل ، ويؤيد ما قلنا : أقوال السَّلف من المفسرين : قال مقاتلٌ : بل لا يرون ربَّهم بعد الحساب ، والمؤمنون يرون ربهم . وقال الكلبيُّ : محجوبون عن رؤية ربهم والمؤمن لا يحجبُ ، وسُئلَ مالكُ بنُ أنسٍ - رضي الله عنه - عن هذه الآية ، فقال : كما حجب الله تعالى أعداءه فلم يروهُ ، ولا بد أن يتجلَّى لأوليائه حتى يروه . وعن الشَّافعيُّ - رحمه الله - كما حجب قومٌ بالسُّخطِ دلَّ على أنهم يرونهُ بالرضا . قوله تعالى : { ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو ٱلْجَحِيمِ } . أي : إنّ الكفَّار مع كونهم محجوبين من الله يدخلون النار . { ثُمَّ يُقَالُ } أي : تقول لهم الخزنةُ : " هذا " أي : هذا العذاب { هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } ، وقوله : يقال يجوز أن يكون القائم مقام الفاعل ما دلَّت عليه جملة قوله : " هَذا الَّذي كُنتُمْ " ، ويجوز أن تكون الجملة نفسها ، ويجوز أن تكون المصدرية . [ وقد تقدم تحريره في أول " البقرة " ] .