Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 7-9)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ } . " كَلاَّ " حرف ردع ، أي : ليس الأمر على ما هم عليه فَليَرتَدِعُوا ، وها هنا تم الكلام . وقال الحسنُ : " كَلاَّ " : ابتداء يتصل بما بعده على معنى " حقًّا " إنَّ كتابَ الفجَّار الذي كتب فيه أعمالهم لفي سجين . اختلفوا في نون " سِجِّين " . فقيل : هي أصليَّة ، واشتقاقه من السَّجن ، وهو الحبسُ ، وهو بناء مبالغة " فعيلاً " من السجن ، كـ " سِكِّير " و " فسِّيق " من السكر والفسق وهو قول أبي عبيدة والمبرد والزجاج . قال الواحدي : وهذا ضعيف ؛ لأن العرب ما كانت تعرف سجيناً . وقيل : " النون " بدل من " اللام " ، والأصل : " سجيل " مشتقاً من السِّجل ، وهو الكتاب . واختلفوا فيه أيضاً : هل هو اسم موضع ، أو اسم كتاب مخصوص ؟ . وقيل : هو صفة ، أو علمٌ منقول من وصفٍ كـ " خاتم " ، وهو مصروف إذ ليس فيه إلا سبب واحدٌ ، وهو العلمية . وإذا كان اسم مكان ، فقوله تعالى : { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } إمَّا بدل منه ، أو خبر لمبتدأ محذوف ، وهو ضمير يعود عليه . وعلى التقديرين فهو مشكل ؛ لأن الكتاب ليس هو المكان . فقيل : التقدير ، هو محل كتاب ، ثم حذف المضاف . وقيل : التقدير : وما أدراك ما كتاب سجين ، والحذف إما من الأول وإمّا من الثاني . وأما إذا قلنا : إنه اسم لكتاب فلا إشكال . وقال ابن عطية : من قال : إن سجيناً موضع ، فكتاب مرفوع على أنه خبر " إنَّ " ، والظرف الذي هو " لفي سجين " ملغى ، ومن جعله عبارة عن الخسار ، فـ " كتاب " خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : هو كتاب ، ويكون هذا الكلام مفسراً لسجين ما هو انتهى . وهذا لا يصح - ألبتة - إذ دخول اللام يعيّن كونه خبراً ، فلا يكون ملغياً لا يقال : " اللام " تدخل على معمول الخبر ، فهذا منه ، فيكون ملغىً ؛ لأنَّه لو فرض الخبر ، وهو " كتاب " عاملاً أو صفته عاملة ، وهو " مَرقُوم " لامتنع ذلك ، أمّا منع عمل " كتاب " ، فلأنه موصوف ، والمصدر الموصوف لا يعمل ، وأمَّا امتناع عمل " مرقوم " ؛ فلأنه صفة ، ومعمول الصفة لا يتقدم على موصوفها ، وأيضاً : فاللام إنما تدخل على معمول الخبر بشرطه ، وهذا ليس معمولاً للخبر ، فتعيَّن أن يكون الجار هو الخبر ، وليس بملغى . وأمَّا قوله ثانياً : ويكون هذا الكلام تفسيراً لـ " سجين " ما هو , فهو مشكل ، لأن الكتاب ليس هو الخسار الذي جعل الضمير عائداً عليه مخبراً عنه بـ " كتاب " . وقال الزمخشري : فإن قلت : قد أخبر الله تعالى عن كتاب الفجَّار بأنه في سجِّين ، وفسَّر سجيناً بـ " كتاب مرقوم " ، فكأنه قيل : إنَّ كتابهم في كتاب مرقوم فما معناه ؟ . قلت : سجين : كتاب جامع هو : ديوان الشر دون الله فيه أعمال الشياطين ، وأعمال الكفرة والفسقة من الجنِّ والإنسِ ، وهو كتاب مرقومٌ مسطورٌ بين الكتابة ، أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه ، فالمعنى : أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان ، وسمي " سجِّيْناً " " فعيلاً " من السجن ؛ لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم انتهى . فصل في تفسير معنى سجين قال عبدُ اللهِ بن عُمرَ وقتادةُ ومجاهدٌ والضحاكُ : " سِجِّين " هي الأرض السابعة السفلى ، فيها أرواح الكفَّار . وروى البراء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " سِجِّين " أسفلُ سبْعِ أرضين ، و " عِلِّيُّون " في السماءِ السَّابعة تحت العرشِ " . وقال الكلبي : هي صخرة تحت الأرض السابعة . وقال عكرمةُ : " لفي سجِّين " لفي خسارةٍ وضلالٍ . قال القشيريُّ : " سجين " : موضع في السافلين ، يدفن فيه كتاب هؤلاء ، فلا يظهر ، بل يكون في ذلك الموضع كالمسجون . قوله تعالى : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } ، أي : ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ، ولا قومك . قال القرطبي : وليس في قوله تعالى : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } ما يدل على أن لفظ " سجين " ليس عربياً ، كما لا يدل قوله : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } [ القارعة : 3 ] ، بل هو تعظيم لأمْرِ سجين . قوله تعالى : { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } قال المفسرون : ليس هذا تفسيراً لـ " سجين " ، بل هو بيان للكتاب المذكور في قوله : " إنَّ كِتابَ الفُجَّار " أي : هو كتاب مرقوم ، أي : مكتوب فيه أعمالهم مثبت عليهم ، كالرقم لا ينسى ولا يمحى حتى يجازى به ، والرقم : الخط ؛ قال : [ الطويل ] @ 5128 - سَأرْقمُ فِي المَاءِ القَراحِ إليْكمُ عَلَى بُعدكُمْ ، إنْ كَانَ في الماءِ رَاقمُ @@ وقيل : الرَّقْمُ : الختم بلغة حمير . [ وتقدمت هذه المادة في سورة " الكهف " ] . وقال قتادةُ ومقاتل : رقم : نشر ، كأنه أعلم بعلامة يعرف بها أنَّه كافر .