Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 84, Ayat: 16-25)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فلا أقسم بالشفق } " لا " : صلة : " بالشَّفَقِ " أي : بالحمرة التي تكون عند غروب الشمس حتى تأتي صلاة العشاء الآخرة . قال الراغب : الشَّفَقُ : هو اختلاط ضوء النَّهار بسواد الليل عند غروب الشمس ، والإشفاقُ : عناية مختلطة بخوف ؛ لأن المُشفق يحب المشفق عليه ، ويخاف ما يلحقه ، فإذا عُدّي بـ " من " فمعنى الخوف فيه أظهر ، وإذا عدي بـ " على " فمعنى العناية فيه أظهر . وقال الزمخشري : " الشفق " الحُمْرة التي ترى في الغروب بعد سقوط الشمس ، وبسقوطه يخرج وقت المغرب ، ويدخل وقت العتمة عند عامة العلماء ، إلا ما روي عن أبي حنيفة في إحدى الروايتين : أنه البياض . وروى أسد بن عمرو أنه رجع عنه ، سمي شفقاً لرقته ، ومنه الشفقة على الإنسان ، رقة القلب عليه انتهى . والشَّفَقُ : شفقان ، الشَّفَقُ الأحمر ، والآخر : الأبيض ، والشفقُ والشفقةُ : اسمان للإشفاق ؛ وقال الشاعر : [ البسيط ] @ 5141 - تَهْوَى حَياتِي وأهْوَى مَوْتَهَا شَفقاً والمَوْتُ أكْرَمُ نَزَّالٍ على الحُرمِ @@ تقدم اختلاف العلماء في القسم بهذه الأشياء ، هل هو قسم بها أو بخالقها ؟ وأن المتقدمين ذهبوا إلى أن القسم واقع برب الشفق ، وإن كان محذوفاً ؛ لأن ذلك معلوم من ورود الحظر بأن يقسم بغير الله تعالى . واعلم أن الصحيح في الشفق : أنَّه الحمرة ؛ لأن أكثر الصحابة ، والتابعين ، والفقهاء عليه ، وشواهد [ كلام العرب ] ، والاشتقاق ، والسنة تشهد له . وقال الفراء : " وسمعت بعض العرب يقول : عليه ثوب مصبوغ أحمر كأنه الشفق " . وقال الشاعر : [ الرجز ] @ 5142 - وأحْمَـرُ اللَّـوْنِ كحُمَـرِّ الشَّفـقْ @@ وقال آخر : [ البسيط ] @ 5143 - قُمْ يا غُلامُ أعنِّي غَيْرَ مُرتَبِكٍ على الزَّمانِ بكأسٍ حَشوُهَا شَفَقُ @@ ويقال للمغرة : الشَّفقة . وفي " الصِّحاح " : الشَّفق بقية ضوء الشمس وحمرتها في أول الليل إلى قرب من العتمة . وقال الخليل : الشفق : الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة إذا ذهب قيل : غاب الشفق . وأصل الكلمة من رقّة الشيء ، يقال : شيء شفق ، أي : لا تماسك له لرقته ، وأشفق عليه أي : رق قلبه عليه ، والشفقة : الاسم من الإشفاق ، وهو رقة القلب ، وكذلك الشفق ، فكأن تلك الرقة من ضوء الشمس . وزعم بعض الحكماء : أن البياض لا يغيب أصلاً . وقال الخليل : صعدت منارة الإسكندرية ، فرمقت البياض ، فرأيته يتردد من أفق إلى أفق ، ولم أره يغيب . وقال ابن أبي أويس : رأيته يتمادى إلى طلوع الفجر ، وكل ما يتجدّد وقته سقط اعتباره . وروى النعمانُ بن بشيرٍ ، قال : أنا أعلمكم بوقت صلاة العشاء الآخرة ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة . وهذا تحديد . وقال مجاهد : الشفق النهار كله ؛ لأنه عطف عليه { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } ، فوجب أن يكون الأول هو النهار ، فعلى هذا يكون القسم واقع بالليل والنهار اللذين أحدهما معاش ، والثاني : سكن ، والشفقُ أيضاً : الرديء من الأشياء ، يقال : عطاء مشفق ، أي : مقلل ؛ قال الكميتُ : [ الكامل ] @ 5144 - مَلِكٌ أغَرُّ مِن المُلُوكِ تَحلَّبَتْ للسَّائلينَ يَداهُ غَيْرُ مُشفِّقِ @@ قوله : { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } ، أي : جمع وضم ولف ، ومنه : الوسْقُ ، وهو الطعام المجتمع الذي يكال أو يوزن ، وهو ستُّون صاعاً ، ثم صار اسماً ، واستوسقت الإبل إذا اجتمعت وانضمت ، والراعي وسقها ، أي : جمعها ؛ قال الشاعر : [ الرجز ] @ 5145 - إنَّ لَنَا قَلائصاً حقَائِقَا مُستوسِقَاتٍ لوْ يَجِدْنَ سَائِقَا @@ والوِسْقُ - بالكسر - : الاسم : وبالفتح : المصدر ، وطعام موسق : أي : مجموع ، ويقال : وسقهُ فاتَّسقَ ، واسْتوسَقَ ، ونظير وقوع " افتعل ، واستفعل " مطاوعين : اتسع واستوسع ، ومنه قولهم : وقيل : وسق ، أي : عمل فيه ؛ قال : [ الطويل ] @ 5146 - ويَوْماً تَرَانَا صَالحينَ وتَارَةً تَقُومُ بِنَا كالواسِقِ المُتلبِّبِ @@ فصل في معنى الآية قال عكرمة - رضي الله عنه - : " ومَا وسقَ " ، أي : وما ساق من شيء إلى حيث يأوي فالوسقُ ، بمعنى الطرد ، ومنه قيل للطَّريد من الإبل والغنم : وسيقه . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : " وما وسق " أي : وما جنَّ وستر . وعنه أيضاً : وما حمل ، ووسَقَتِ الناقة تَسِقُ وسْقاً : أي : حملت وأغلقت رحمها على الماء فهي ناقة واسق ، ونوق وساق ، مثل : نائم ونيام ، وصاحب وصحاب ، ومواسيق أيضاً ، وأوسقتُ البعير : حملته حمله ، وأوسقت النخلة : كثر حملها . وقال يمانٌ والضحاك ومقاتلُ بن سليمان : حمل من الظلمة . وقال مقاتلٌ : حمل من الكواكب . وقال ابنُ جبيرٍ : " وما وسق " أي : وما حمل فيه من التهجد والاستغفار بالأسحار . قوله : { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } . أي : امتلأ . قال الفراء : وهو امتلاؤه واستواؤه ليالي البدر . وهو " افتعل " من " الوسق " وهو الضم والجمع كما تقدم ، وأمر فلان متسقٌّ : أي : مجتمع على الصلاح منتظم ، ويقال : اتسق الشيء إذا تتابع . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - " إذا اتَّسَقَ " أي : استوى واجتمع وتكامل وتمَّ واستدار . قوله : { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } هذا جواب القسم . وقرأ الأخوان ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو العالية ، ومسروق ، وأبو وائل ، ومجاهدٌ والنخعيُّ ، والشعبيُّ ، وابن جبيرٍ : بفتح الباء على الخطاب للواحد . والباقون : بضمها على خطاب الجمع . فالقراءة الأولى : رُوعي فيها إمَّا خطاب الإنسان المتقدم ذكره في قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَانُ } [ الانشقاق : 6 ] ، وإما خطاب غيره . فقيل : خطابٌ للرسول - عليه الصلاة والسلام - أي : لتركبن يا محمد مع الكفار وجهادهم ، أو لتبدلن أنصاراً مسلمين ، من قولهم : النَّاس طبقات ولتركبن سماء [ بعد سماء ] ، ودرجة بعد درجة ، ورتبة بعد رتبة في القرب من الله تعالى . وقيل : التاء للتأنيث ، والفعل مسندٌ لضمير السماء . قال ابن مسعود : لتركبن السماء حالاً بعد حالٍ تكون كالمهل وكالدخان ، وتنفطر وتنشق . والقراءة الثانية : رُوي فيها معنى الإنسان ؛ إذ المراد به : الجنس ، أي : لتركبنَّ أيُّها الإنسان حالاً بعد حال من كونه نطفة ، ثم مضغة ، ثم حياً ، ثم ميتاً وغنياً وفقيراً . واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، قال : لأن المعنى بالناس أشبه منه بالنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكره قبل هذه الآية فيمن يؤتى كتابه بيمينه ، ومن يؤتى كتابه وراء ظهره ، وقوله بعد ذلك " فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ " أي : لتركبن حالاً بعد حال من شدائد يوم القيامة ، أو لتركبن سُنَّة من كان قبلكم في التكذيب ، والاختلاف على الأنبياء . وقال مقاتلٌ : يعني الموت ثم الحياة . وعن ابن عباسٍ : يعني : الشدائد والأهوال والموت ، ثم البعث ، ثم العرض . وقال عكرمة : رضيع ، ثم فطيم [ ثم غلام ، ] ثم شابٌّ ، ثم شيخ . قال ابن الخطيب : ويصلح أن يكون هذا خطاباً للمسلمين بتعريف نقل أحوالهم بنصرهم ، ومصيرهم إلى الظفر بعدوهم بعد الشدة التي تلقونها منهم كما قال تعالى : { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } [ آل عمران : 186 ] . وقرأ عمرُ - رضي الله عنه - : " ليركبُنَّ " بياء الغيبة وضم الباء على الإخبار عن الكفار . وقرأ عمر - أيضاً - وابن عباس - رضي الله عنهما - بالغيبة ، وفتح الباء ، أي : ليركبنَّ الإنسان . وقيل : ليركبنَّ القمر أحوالاً من إسرارٍ والاستهلالِ . وقرأ عبد الله وابنُ عباسٍ : " لتركبُنَّ " بكسر حرف المضارعة ، وقد تقدم في " الفاتحة " . وقرأ بعضهم : بفتح المضارعة وكسر الباء ، على إسناد الفعل للنفس ، أي : لتركبن يا نفس . قوله : " طبقاً " : مفعول به أو حال . والطبق قال الزمخشريُّ : الطَّبق : ما طابق غيره ، يقال : ما هذا بطبق كذا : أي : لا يطابقه ، ومنه قيل للغطاء : الطَّبقُ ، وأطباقُ الثَّرى ما تطابق منه ، ثم قيل للحال المُطابقَة لغيرها طبق ، ومنه قوله - عز وجل - : { طَبَقاً عَن طَبَقٍ } أي : حالاً بعد حال ، كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول ، ويجوز أن يكون جمع طبقة ، وهي المرتبة ، من قولهم : هو على طبقاتٍ ، ومنه طبقات الظهر لفقاره ، الواحدة : طبقة على معنى : لتركبن أحوالاً بعد أحوال ، هي طبقات في الشدة ، بعضها أرفع من بعض وهي الموت ، وما بعده من مواطن القيامة انتهى . وقيل : المعنى : لتركبن هذه الأحوال أمَّة بعد أمَّة ؛ ومنه قول العباس فيه صلى الله عليه وسلم : [ المنسرح ] @ 5147 - تُنقَلُ مِنْ صالبٍ إلى رحِمٍ وإذَا مَضَى عالمٌ بَدَا طَبَقُ @@ فعلى هذا التفسير ، يكون " طبقاً " حالاً ، كأنه قيل : أمة بعد أمة . وأما قول الأقرع : [ البسيط ] @ 5148 - إنِّي امرؤٌ قَدْ حَلبْتُ الدَّهْرَ أشْطرَهُ وسَاقَنِي طَبَقٌ منهُ إلى طَبقٍ @@ فيحتمل الأمرين ، أي : ساقني من حالة إلى أخرى ، أو ساقني من أمَّة ناس إلى أمَّة ناسٍ آخرين ، ويكون نصب " طبقاً " على المعنيين على التشبيه بالظرف أو الحال ، أي : متنقلاً ، والطبقُ أيضاً : ما طابق الشيء أي : ساواه : [ ومنه دلالة المطابقة . قال امرؤ القيس : @ 5149 - ديـمـة هـطـلاً @@ والطبق من الجراد أي الجماعة ] . قوله : " عَنْ طَبقٍ " : في " عن " هذه وجهان : أحدهما : أنها في محل نصب على الحال من فاعل " تركبن " . والثاني : أنَّها صفة لـ " طبقاً " . وقال الزمخشري : فإن قلت : ما محل " عن طبق " ؟ قلت : النصب على أنه صفة لـ " طبقاً " ، أي : طبقاً مجاوزاً لطبقٍ ، [ أو حال من الضمير في " لتركبن " ، أي : لتركبن طبقاً مجاوزين لطبقٍ ، أو مجاوراً ] ، أو مجاورة على حسب القراءة . وقال أبو البقاء : و " عن " بمعنى : " بعد " ؛ قال : [ الكامل ] @ 5150 - مَا زِلْتُ أقْطَعُ مُنْهَلاً عَنْ مَنْهَلٍ حَتَّى أنَخْتُ بِبَابِ عَبْدِ الوَاحدِ @@ لأن الإنسان إذا صار من شيء إلى شيء ، يكون الثاني بعد الأول فصلحت " بعد " و " عن " للمجاوزة ، والصحيح أنها على بابها ، وهي صفة ، أي : طبقاً حاصلاً عن طبق ، أي : حالاً عن حالٍ . وقيل : جيلاً عن جيل . انتهى . يعني الخلاف المتقدم في الطبق ما المراد به ، هل هو الحال ، أو الجيل ، أو الأمة كما تقدم نقله ؟ وحينئذ فلا نعرب طبقاً مفعولاً به ، بل حالاً ، كما تقدم ، لكنه لم يذكر في طبق غير المفعول به ، وفيه نظر ، لما تقدم من استحالته ، يعني إذ يصير التقدير : لتركبن طبقة أمَّةٍ عن أمَّةٍ ، فتكون الأمة مركوبة لهم ، وإن كان يصح على تأويل بعيدٍ جداً وهو حذف مضاف ، أي : لتركبن سنن ، أو طريقة طبق بعد طبق . فصل في حدوث العالم هذا أدلُّ على " حدوث العالم " وإثبات الصانع . قالت : الحكماء : من كان اليوم على حاله ، فليعلم أن تدبيره إلى سواه . وقيل لأبي بكر الوراق : ما الدليل على أنَّ لهذا العالم صانعاً ؟ فقال : تحويل الحالات ، وعجز القوَّة ، وضعف الأركان وقهر النية ونسخ العزيمة . قوله : { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } . يعني : أي شيء يمنعهم من الإيمان بعد ما وضَّحت لهم الآيات والدِّلالات ، وهذا استفهام إنكارٍ . وقيل : تعجب أي : اعجبوا منهم في ترك الإيمان مع هذه الآيات . وقوله تعالى : { لاَ يُؤْمِنُونَ } حال . قال ابنُ الخطيب : فما لهم لا يؤمنون بالبعث والقيامة ، وهو استفهام إنكارٍ ، وإنَّما يحسن عند ظهور الحُجَّة ، وذلك أنه - تعالى - أقسم بتغييرات واقعة في الأفلاك والعناصر ، فإن الشفق حالة مخالفة لما قبلها ، وهو ضوء النهار ، ولما بعدها وهو ظلمة الليل ، وكذا قوله : { وَٱللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } فإنه يدل على حدوث ظلمةٍ بعد نورٍ ، وعلى تغييرات أحوال الحيوانات من اليقظة إلى النَّومِ ، وكذا قوله تعالى : { وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ } فإنه يدل على حصول كمال القمر بعد نقصانه , ثم إنه أقسم - تعالى - بهذه الأحوال المتغيرة على تغيير أحوال الخلق ، وهذا يدل قطعاً على صحة القول بالبعث ، لأن القادر على تغيير الأحوال العلوية والسفلية من حال إلى حال بحسب المصالح ، لا بد وان يكون قادراً ، ومن كان كذلك لا محالة قادر على البعث والقيامة ، فلما كانت هذه الآية كالدلالة العقلية القاطعة بصحة البعث ، لا جرم قال تعالى على سبيل الاستبعاد : { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون } . فصل في الكلام على الآية قال القاضي : " لا يجوز أن يقول الحكيم لمن كان عاجزاً عن الإيمان : { فَمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون } ، وهذا يدل على كونهم قادرين ، وهذا يقتضي أن تكون الاستطاعة قبل الفعل ، وأن يكونوا موجدين لأفعالهم ، وأن لا يكون تعالى خالقاً للكفر فيهم , فهذه الآية من المحكمات التي لا احتمال فيها ألبتة " . وجوابه تقدم . قوله : { وَإِذَا قُرِىءَ } شرط ، جوابه { لاَ يَسْجُدُونَ } ، وهذه الجملة الشرطية في محل نصب على الحال نسفاً على ما قبلها ، أي : فما لهم إذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ، أي : لا يصلون قاله ابن عباس : وعطاء ، والكلبي ، ومقاتل [ وقال أبو مسلم : المراد الخضوع والاستكانة . وقيل : المراد نفس السجود لما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها . وقال مالك : إنها ليست من عزائم السجود ؛ لأن المعنى لا يدعون ولا يطيعون ] . قوله تعالى : { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذِّبُونَ } . العامّة : على ضمِّ الياء من " يكذبون " وفتح الكاف وتشديد الذَّال . والضحاكُ وابنُ أبي عبلة : بالفتح والإسكان والتخفيف [ وتقدمت هاتان القراءتان أول البقرة ] . والمعنى : يُكذِّبُون بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به . قال مقاتل : نزلت في بني عمرو بن عمير ، وكانوا أربعة ، فأسلم اثنان منهم . وقيل : هو في جميع الكفار . قوله : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ } . هذه هي قراءة العامة ، من أوعى يُوعِي ، أي : بما يضمرون في أنفسهم من التكذيب ، رواه الضحاك عن ابن عباسٍ . وقال مجاهدٌ : يكتمون من أفعالهم . وقال ابن زيد : يجمعون من الأعمال الصالحة ، مأخوذ من الوعاء الذي يجمع فيه ، يقال : وعيت الزَّاد والمتاع : إذا جعلته في الوعاء ؛ قال الشاعر : [ البسيط ] @ 5151 - ألخَيْرُ أبْقَى وإنْ طَال الزَّمانُ بِهِ والشَّرُّ أخْبَثُ ما أوعَيْتَ مِنْ زَادِ @@ وقرأ أبو رجاءٍ : " يَعُونَ " من " وَعَى يَعِي " ، يقال : وعاهُ إذا حفظهُ ، يقال : وعيتُ الحديثَ ، أعيهُ ، وعياً ، وأذنٌ واعيةٌ ، وقد تقدم . قوله تعالى : { فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } ، أي : مُؤلمٍ في جهنَّم على تكذيبهم وكفرهم ، أي : جعل ذلك بمنزلة البشارة . قوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } : يجوز أن يكون متصلاً ، وأن يكون منقطعاً ، هذا إذا كانت الجملة من قوله : " لَهُمْ أجْرٌ " : مستأنفة أو حالية ، أمَّا إذا كان الموصول مبتدأ والجملة خبره ، فالاستثناء ليس من قبيل استثناء المفردات ، ويكون من قسم المنقطعِ ، أي : لكن الذين آمنوا لهم كيت وكيت . وتقدم معنى الممنُون في : " حم " السجدة ، وأنَّ معناه : غير منقوص لا مقطوع ، يقال : مننت الحبل : إذا قطعته . وسأل نافع بن الأزرق ابن عباس - رضي الله عنهما - عن قوله : { لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } فقال : غير مقطوع ، فقال : هل تعرف ذلك العرب ؟ قال : نعم ، قد عرفه أخو يشكر ؛ حيث يقول : [ الخفيف ] @ 5152 - فَتَرَى خَلفَهُنَّ مِنْ سُرْعَةِ الرَّجْـ ـعِ مَنِيناً كأنَّهُ أهْبَاءُ @@ قال المبرد : المنين : الغبار ؛ لأنه يقطعه وراءها ، وكل ضعيف مَنِين ومَمْنُون . وقال بعضهم : ليس هنا استثناء ، وإنما هو بمعنى الواو ، كأنه قال : والذين آمنوا . وقد مضى القول فيه في سورة البقرة ، والله تعالى أعلم . روى الثعلبي عن أبيٍّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ سُورَة { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } أعاذهُ اللهُ - تَعَالَى - أن يُعْطيهُ كِتابهُ وَراءَ ظَهْرهِ " وحسبنا الله ونعم الوكيل .