Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 84, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } كقوله تعالى : { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } [ التكوير : 1 ] في إضمار الفعل وعدمه ، وفي " إذا " هذه احتمالات : أحدها : أن تكون شرطية . والثاني : أن تكون غير شرطية . فعلى الأول في جوابها خمسة أوجه : أحدها : أنها { َأَذِنَتْ } [ الانشقاق : 2 ، 5 ] والواو مزيدة . قال ابن الأنباري : وهذا غلط ؛ لأن العرب لا تقتحم الواو إلا مع " حتى إذا " كقوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [ الزمر : 73 ] ، أو مع " لمَّا " كقوله تعالى : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ } [ الصافات : 103 ، 104 ] ، أي : ناديناه ، والواو لا تقحم مع غير هذين . الثاني : أنه " فمُلاقيهِ " أي فأنت ملاقيه وإليه ذهب الأخفش . والثالث : أنّه " يا أيُّها الإنسانُ " أيضاً ، ولكن على إضمار القول : أي : يقال : " يا أيُّهَا الإنسَانُ " . والخامس : أنَّه مقدَّرٌ ، تقديره : بعثتم . وقيل : تقديره : لاقى كل إنسان كدحه وهو قوله : " فمُلاقِيهِ " ويكون قوله : " يا أيُّهَا الإنسَانُ " معترض ، كقولك : إذا كان كذا وكذا - يا أيها الإنسان - ترى عند ذلك ما عملت من خير أو شر . ونقل القرطبي عن المبردِ ، إنَّه قال : فيه تقديمٌ وتأخير ، أي : يا أيُّها الإنسان إنَّك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه إذا السماء انشقت . وقيل : هو ما صرَّح به في سورتي " التَّكوير " و " الانفطار " ، وهو قوله تعالى : { عَلِمَتْ نَفْسٌ } [ الانفطار : 5 ] ، قاله الزمخشري ، وهو حسنٌ . ونقل ابن الخطيب عن الكسائيِّ ، أنه قال : إنَّ الجواب هو قوله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ } [ الانشقاق : 7 ] ، واعترض في الكلام على قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً } [ الانشقاق : 6 ] . والمعنى : إذا انشقت السماء وكان كذا وكذا , فمن أوتي كتابه بيمنه , فهو كذا ومن أوتي كتابه وراء ظهره , فهو كذا , ونظيره قوله تعالى : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ } [ البقرة : 38 ] . قال النحاسُ : وهذا أصحُّ ما قيل فيه وأحسنه . وعلى الاحتمال الثاني : فيه وجهان : أحدهما : أنَّها منصوبة مفعولاً بها بإضمار " واذْكُرْ " . والثاني : أنها مبتدأ ، وخبرها " إذَا " الثانية ، و " الواو " مزيدة ، تقديره : وقت انشقاق السماء وقت مدّ الأرض ، أي : يقع الأمران في وقت . قاله الأخفش أيضاً . والعامل فيها إذا كانت ظرفاً - عند الجمهور - جوابها ، إمَّا الملفوظ به ، وإمَّا المقدَّر . وقال مكيٌّ : وقيل : العامل " انشقت " . وقال ابن عطية : قال بعض النحاة : العامل " انشقت " وأبي ذلك كثير من أئمتهم ؛ لأن " إذا " مضافة إلى " انشقت " ، ومن يجيز ذلك تضعف عنده الإضافة ، ويقوى معنى الجزاء . وقرأ العامة : " انشقتْ " بتاء التأنيث ساكنة ، وكذلك ما بعده . وقرأ أبو عمرو في رواية عبيد بن عقيل : بإشمام الكسر في الوقف خاصة ، وفي الوصل خاصة بالسكون المحض . قال أبو الفضلِ : وهذا من التغييرات التي تلحق الروي في القوافي ، وفي هذا الإشمام بيان أن هذه " التاء " من علامة تأنيث الفعل للإناث ، وليست مما ينقلب في الأسماء ، فصار ذلك فارقاً بين الاسم والفعل ، فيمن وقف على باقي الأسماء بالتاء ، وذلك لغة طيّئ ، وقد حمل في المصاحف بعض التاءات على ذلك . وقال ابن عطية : قال بعض النحاة : وقرأ أبو عمرو " انشقت " يقف على القاف ، كأنه يشمها شيئاً من الجر ، وكذلك في أخواتها . قال أبو حاتم : سمعت أعرابياً فصيحاً في بلاد قيس يكسر هذه التاءات . وقال ابن خالويه : " انشقَّت " - بكسر التاء - عبيد عن أبي عمرو . قال شهاب الدين : كأنه يريد إشمام الكسر ، وأنَّه في الوقف دون الوصل ؛ لأنه مطلق ، وغيره مقيد ، والمقيد يقضي على المطلق . وقال أبو حيَّان : وذلك أن الفواصل تَجْرِي مَجْرَى القوافي ، فكما أن هذه التاء تكسر في القوافي تكسر في الفواصل ؛ ومثال كسرها في القوافي ؛ قول كثير عزّة : [ الطويل ] @ 5133 - ومَا أنَا بالدَّاعِي لعَزَّةَ بالرَّدَى وَلا شَامتٍ إنْ نَعْلُ عَزَّةَ زَلَّتِ @@ وكذلك في باقي القصيدة ؛ وإجراء الفواصل في الوقف مَجْرَى القوافي مهيع معروف كقوله تعالى : { ٱلظُّنُونَاْ } والرسولا ، في سورة " الأحزاب " [ 10و 66 ] ، وحمل الوصل على حالة الوقف موجود في الفواصل أيضاً . فصل في المراد بانشقاق السماء انشقاق السماء من علامات القيامة ، وقد تقدَّم شرحه . وعن علي - رضي الله عنه - أنَّها تنشق من المجرَّة ، وقال : المجرَّة : باب السماء . قوله : { وَأَذِنَتْ } . عطف على " انشقت " ، وقد تقدَّم أنَّه جواب على زيادة الواو . ومعنى " وأذنت " : أي : استمعت أمره ، يقال : أذنت لك : استمعت لك ، وفي الحديث : " مَا أذِنَ اللهُ لِشَيءٍ كأذنِهِ لِنَبيِّ يَتغنَّى بالقُرْآنِ " . وأنشد أبو عبيدة والمبرد والزَّجاج قول قعنب : [ البسيط ] @ 5134 - صُمٌّ إذَا سَمِعُوا خَيْرَاً ذُكِرْتُ بِـهِ وإنْ ذُكِـرْتُ بِسُوءٍ عندهُمْ أذِنُوا @@ وقال آخر : [ البسيط ] @ 5135 - إن يأذنُوا ريبَةً طَارُوا بِهَا فَرَحَاً ومَا هُمُ إذِنُوا من صالحٍ دَفنُوا @@ وقال الجحاف بن حكيم : [ الطويل ] @ 5136 - إذِنْـتُ لَكُمْ لمَّا سَمِعْـتُ هَرِيركُمْ … … … … @@ ومعنى الاستعارة - هاهنا - أنَّه لم يوجد في جِرْمِ السماء ما يمنع من تأثير قدرة الله تعالى في شقها ، وتفريق أجزائها ، فكأنَّها في قبول ذلك التأثير كالعبدِ الطائع الذي إذا ورد عليه الأمر من جهة المالك أنصت ، وأذعن ، ولم يمتنع كقوله تعالى : { قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [ فصلت : 11 ] ، وذلك يدل على نفوذ القدرة في الإيجاد والإبداع من غير ممانعة أصلاً . قاله ابن الخطيب . قوله : " وحُقَّتْ " . الفاعل في الأصل هو الله تعالى ، أي : حقَّ الله عليها ذلك ، أي : بسمعهِ وطاعته ، يقال : هو حقيقٌ بكذا ومحقوق ، والمعنى : وحقَّ لها أن تفعل . قال الضحاكُ : " حَقَّتْ " أطاعت وحقَّ لها أن تُطِيعَ . وقال ابن الخطيب : وهو من قولك : محقوقٌ بكذا وحقيقٌ به ، وهي حقيقة بأن تنقاد ، ولا تمتنع . قوله : { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ } مد الأديم . وقيل : " مُدَّتْ " بمعنى : أمدت وزيد في سعتها وقال مقاتلٌ رضي الله عنه : سُويت كمدّ الأديمِ ، فلا يبقى فيها بناء ولا جبل ، كقوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } [ طه : 105 ] الآية . قوله : { وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا } . أي : أخرجت ما فيها من الموتى والكنوز ، لقوله تعالى : { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [ الزلزلة : 2 ] ، " وتَخَلَّت " أي : خليتْ منها ، ولم يبق في بطنها شيء ، وذلك يؤذنُ بعظم الأمر كما تلقي الحامل ما في بطنها عند الشدة ، ووصفت الأرض بذلك توسعاً وإلا فالتحقيق أنَّ الله تبارك وتعالى هو المخرج لتلك الأشياءِ من بطن الأرض . قوله تعالى : { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } . تقدَّم تفسيره ، وهذا ليس بتكرار ؛ لأن الأوَّل في السماء وهذا في الأرض .