Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 86, Ayat: 11-17)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } . قيل : الرَّجْعُ : مصدر ، بمعنى رجوع الشمس والقمر إليها ، والنجوم تطلع من ناحيته ، وتغيب في أخرى . وقيل : الرَّجْعُ : المطر ؛ قال : المتنخِّل ، يصف سيفاً يشبههُ بالماء : [ السريع ] @ 5170 - أبْيَضُ كالرَّجْعِ رَسُـوبٌ إذَا مـا ثَـاخَ فـي مُحْتـفـلٍ يَخْتَـلِـي @@ وقال : [ البسيط ] @ 5171 - رَبَّاءُ شَمَّاءُ لا يَأوِي لقُلَّتِهَا إلاَّ السَّحَابُ وإلاَّ الأوبُ والسَّبلُ @@ وقال الخليل : المطر نفسه ، وهذا قول الزجاج . قال ابن الخطيب : واعلم أن كلام الزجاج ، وسائر علماء اللغة " صريح " في أن الرجع ليس اسماً موضوعاً للمطر ، بل سمي رجعاً مجازاً ، وحسن هذا المجاز وجوه : أحدها : قال القفال : كأنه من ترجيع الصوت وهو إعادته ، ووصل الحروف به ، وكذا المطر ، لكونه يعود مرة بعد أخرى سمِّي رجعاً . وثانيها : أن العرب كانوا يزعمون أنَّ السَّحاب يحمل الماء من بحار الأرض ، ثم يرجعه إلى الأرض . والرجع - أيضاً - نبات الربيع . وقيل : " ذَاتِ الرَّجْعِ " أي : ذات النفع . وقيل : ذات الملائكة ، لرجوعهم فيها بأعمال العباد ، وهذا قسم . { وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } قسمٌ آخر ، أي : تتصدع عن النبات ، والشجر ، والثمار ، والأنهار ، نظيره : { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } [ عبس : 26 ] . والصَّدعُ : بمعنى الشق ؛ لأنه يصدع الأرض ، فتصدع به ، وكأنَّه قال : والأرض ذات النبات الصادع للأرض . وقال مجاهد : الأرض ذات الطريق التي تصدعها المشاة . وقيل : ذات الحرث لأنه يصدعها . وقيل : ذات الأموات لانصداعها للنشور . وقيل : هما الجبلان بينهما شق وطريق نافذ لقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً } [ الأنبياء : 31 ] . قال ابن الخطيب : واعلم أنَّه تعالى ، كما جعل كيفية خلقه الحيوان دليلاً على معرفة المبدأ والمعاد ، ذكر في هذا القسم كيفية خلقه النبات . فقال تعالى : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } أي : كالأب ، " والأرض ذات الصدع " كالأم ، وكلاهما من النعم العظام ؛ لأن نعم الدنيا موقوفة على ما ينزل من السماء متكرراً ، وعلى ما ينبت من الأرض كذلك ، ثم أردف هذا القسم بالمقسم عليه ، وهو قوله تعالى : { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } . وهذا جواب القسم ، والضمير في " إنَّه " للقرآن ، أي : إن القرآن يفصل بين الحق والباطل . وقال القفالُ : يعود إلى الكلام المتقدم والمعنى : ما أخبرتكم به من قدرتي على إحيائكم يوم تبلى سرائركم قول فصل ، وحق ، والفصل : الحكم الذي ينفصل به الحق عن الباطل ، ومنه فصل الخصومات ، وهو قطعها بالحكم الجزم ، [ ويقال : هذا قول فصل قاطع للشر والنزاع . وقيل : معناه جد ] لقوله : { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } . أي : باللعب ، والهزل : ضد الجد والتشمير في الأمر ، يقال : هزل يهزل . قال الكميتُ : [ الطويل ] @ 5172 - تَجُدُّ بِنَا فِي كُلِّ يَومٍ وتهْزِلُ @@ قوله : { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً } ، أي : أنَّ أعداء الله يكيدون كيداً ، أي : يمكرون بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكراً . قيل : الكَيْدُ : إلقاء الشبهات ، كقولهم : { إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } [ المؤمنون : 37 ] { مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } [ يس : 78 ] { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً } [ ص : 5 ] { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] { فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الفرقان : 5 ] . وقيل : الطعن فيه بكونه ساحراً ، أو شاعراً ، او مجنوناً ، حاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم . وقيل : قصدهم قتله ، لقوله تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الأنفال : 30 ] الآية . وأما قوله : { وَأَكِيدُ كَيْداً } . أي : أجازيهم جزاء كيدهم . وقيل : هو ما أوقع الله - تعالى - بهم يوم " بدر " من القتل ، والأسر . وقيل : استدراجهم من حيث لا يعلمون . وقيل : كيد الله تعالى ، بنصره وإعلاء درجته صلى الله عليه وسلم تسمية لأحد المقتابلين باسم الآخر ، كقوله تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] ؛ وقول الشاعر : [ الوافر ] @ 5173 - ألاَ لاَ يجْهلَنْ أحَدٌ عليْنَا فَنجهَلَ فوْقَ جَهْلِ الجَاهِلينَا @@ وقوله تعالى : { نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ } [ الحشر : 19 ] { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] . قوله : { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ } . أي : لا تدع بهلاكهم ، ولا تستعجل ، وارض بما تريده في أمورهم ، ثم نسخت بقوله تعالى : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] . قوله : { أَمْهِلْهُمْ } . هذه قراءة العامة ، لما كرر الأمر توكيداً خالف بين اللفظين . وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما : " مَهِّلهُمْ " كالأول ، ومهَّل وأمْهَل بمعنى مثل : نزل وأنزل ، والإمهال والتَّمهيل : الانتظار ، يقال : أمهلتك كذا ، أي : انتظرتك لتفعله ، والاسم : المهلة والاستمهال : الانتظار ، والمَهْل : الرِّفقُ والتُّؤدةُ ، وتمهل في أمره : أي : أتاه ، وتمهَّلَ تمهيلاً : اعتدل وانتصب ، والامتهال : سكون وفتور ، ويقال : مهلاً يا فلان ، اي رفقاً وسكوناً . قوله : { رُوَيْداً } . مصدر مؤكد لمعنى العامل ، وهو تصغير إرواد على الترخيم ، وقيل : بل هو تصغير " رود " كذا قال أبو عبيد . وأنشد : [ البسيط ] @ 5174 - كَأنَّـهُ ثَمِـلٌ يَمْشِـي علـى رَوَدِ @@ أي : على مهل . واعلم أن " رويداً " : يستعمل مصدراً بدلاً من اللفظ بفعله ، فيضاف تارة ، كقوله تعالى : { فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } [ محمد : 4 ] ، ولا يضاف أخرى ، نحو : رويداً زيداً , ويقع حالاً ، نجو : ساروا رويداً ، أي : متمهلين ، ونعت المصدر ، نحو : " ساروا رويداً " ، أي : سيراً رويداً ، وتفسير " رويداً " مهلاً ، وتفسير " رويدك " أمهل ؛ لأن الكاف إنمت تدخله إذا كان بمعنى : " افعل " دون غيره ، وإنَّما حُرِّكت الدال لالتقاء الساكنين ، ونصب نصب المصادر ، وهو مصغَّر مأمور به ؛ لأنه تصغير الترخيم من " إرواد " : وهو مصدر : " أرود ، يرود " وله أربعة أوجه : اسماً للفعل ، وصفة ، وحالاً ، ومصدراً ، وقد تقدم ذكرها . قال ابن عباس : - رضي الله عنهما - : " رويداً " أي : قريباً . وقال قتادةُ : قليلاً . وقيل : { أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } إلى يوم القيامة ، وإنما صغِّر ذلك من حيث إن كل آت قريب . وقيل : " أمهلهم رويداً " إلى يوم يرد . روى الثعلبي عن أبي بن كعبٍ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } اعطاهُ اللهُ تعَالى مِنَ الأجْرِ بعَددِ كُلِّ نجمٍ في السَّماءِ عَشْرَ حَسَناتٍ " والله تعالى أعلم .