Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 86, Ayat: 1-4)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } ، " السَّماءِ " : قسم ، و " الطَّارقِ " : قسم ، والطَّارقُ : هو النَّجم الثاقب ، كما بينهُ الله تعالى بقوله : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } . والطارق في الأصل : اسم فاعل من : طرق يطرق طروقاً : أي : جاء ليلاً ؛ قال امرؤ القيس : [ الطويل ] @ 5160 - فَمِثْلكِ حُبْلَى قَدْ طَرقتُ ومُرضعٍ فألْهَيْتُهَا عَنِ ذِي تَمائِمَ مُحْولِ @@ وأصله من الضرب ، والطَّارقُ بالحصى : الضارب به ؛ قال : [ الطويل ] @ 5161 - لعَمْرُكَ ، ما تَدْرِي الطَّوارِقُ بالحَصَى ولا زَاجِراتُ الطَّيْرِ ما اللهُ صَانِعُ @@ ثم اتُّسعَ فقيل لكل من أتى ليلاً : طارق ، سواء كان كوكباً ، أو غيره ، ولا يكون الطارقُ نهاراً . وروي أنه صلى الله عليه وسلم : " نهى أن يأتي الرجل أهله طروقاً " . وقوله : { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } ، قال محمد بن الحسين : هو زُحَل . وقال ابن زيد : هو الثُّريَّا - أيضاً - : أنه زُحَل . وعن ابن عباس : هو الجديُ ، وعن عليٍّ بن أبي طالب والفرَّاء ، " النَّجْمُ الثَّاقبُ " : نجم في السماء السابعة لا يسكنها غيره من النجوم ، فإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء هبط ، فكان معها ، ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة ، وهو زحل ، فهو طارق حين ينزل ، وحين يهبط . وفي " الصحاح " : " الطَّارقُ : النجم الذي يقال له : كوكب الصبح " . ومنه قول هند : [ الرجز ] @ 5162 - نَحْـنُ بَنـاتُ طَـارق نَمْشِـي عَلـى النَمـارِق @@ وقيل : هو اسم جنس ، فيدخل فيه سائر الكواكب ، وسمي ثاقباً ؛ لأنه يثقب الظَّلام بضوئه ، أي : ينفذ فيه . أي يرمي الشيطان فيحرقه . قال الماورديُّ : وأصل الطرقِ ، الدَّق ، ومنه سميت المطرقة ، فسمي قاصد الليل : طارقاً ، لاحتياجه في الوصول إلى الدق . ورُوِيَ " أنَّ أبا طالبٍ أتى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز ولبن ، فبينما هو جالس يأكل إذ انحطَّ نجم فامتلأت الأرض نوراً ، ففزع أبو طالب ، وقال : أيُّ شيءٍ هذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هَذَا نجمٌ رُمِي بِهِ ، وإنَّهُ مِنْ آياتِ اللهِ " فعجب أبو طالب ، ونزلت السورة " . وقال مجاهد : " الثاقب " : المتوهِّج . قوله تعالى : { وَمَآ أَدْرَاكَ } تفخيم لشأن هذا المقسم به . قوله : { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } . قد تقدم في سورة " هود " : التخفيف والتشديد في " لما " ، فمن خففها - هنا - كانت " إنْ " : مخففة من الثقيلة ، و " كل " : مبتدأ ، و " عليها " : خبر مقدم ، و " حافظ " : مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر " كل " ، و " ما " : مزيدة بعد اللام الفارقة ، ويجوز أن يكون " عليها " : هو الخبر وحده ، و " حافظ " : فاعل به ، وهو أحسن ، ويجوز أن يكون " كل " : مبتدأ ، و " حافظ " : خبره ، و " عليها " متعلق به ، و " ما " : مزيدة أيضاً ، هذا كله تفريع على قول البصريين . وقال الكوفيون : " إنْ " هنا : نافية ، واللام بمعنى " إلاّ " إيجاباً بعد النفي ، و " ما " : مزيدة وتقدم الكلام في هذا مستوفى . قال الفارسي : ويستعمل " لما " بمعنى : " إلاَّ " في موضعين : أحدهما : هذا ، والآخر : في باب القسم ، تقول : سألتك لما فعلت . ورُوِيَ عن الكسائيِّ والخفش وأبو عبيدة أنهم قالوا : لم نجد " لما " بمعنى : " إلا " في كلام العرب . وأما قراءة التشديد : فـ " إن " نافية ، و " لمَّا " بمعنى : " إلا " وتقدمت شواهد ذلك في سورة " هود " . وحكى هارون : أنه قرئ " إنَّ " بالتشديد ، " كُلَّ " بالنصب على أنه اسمها ، واللام : هي الدالخة في الخبر ، و " ما " : مزيدة ، و " حافظ " : خبرها . وعلى كل تقدير فـ " إن " وما في خبرها : جواب القسم سواء جعلها مخففة أو نافية . وقيل : الجواب : { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ } [ الطارق : 8 ] وما بينهما اعتراض ؛ وفيه بعد . فصل في المراد بالحافظ قال قتادةُ : " حافظ " أي : حفظة يحفظون عليك رزقك وعملك وأجلك ، قال تعالى : { وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً } [ الأنعام : 61 ] ، وقال تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ } [ الانفطار : 10 ، 11 ] ، وقال تعالى : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [ الرعد : 11 ] . وقيل : الحافظ : هو الله تعالى . وقيل : الحافظ : هو العقل يرشد الإنسان إلى مصالحه ، ويكفّه عن مضارِّه . قال القرطبي : العقل وغيره وسائط ، والحافظ في الحقيقة هو الله تعالى ، قال الله تعالى : { فَٱللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً } [ يوسف : 64 ] ، وقال تعالى : { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ } [ الأنبياء : 42 ] وما كان مثله . قال ابن الخطيب : المعنى : لما كانت كل نفس عليها حافظ ، وجب أن يجتهد كل واحد ، ويشتغل بالمهم ، وأهم الأشياء معرفة المبدأ والمعاد والمبدأ يقدم .