Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } . يستحب للقارئ إذا قرأ : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } أن يقول عقيبه : " سبحان ربي الأعلى " كذا جاء في الحديث ، وقال جماعة من الصحابة والتابعين وقال ابنُ عباسٍ والسديُّ : معنى " سبح اسم ربك الأعلى " أي : عظِّم ربك الأعلى ، والاسم صلة ، قصد بها تعظيم المسمى . كقول لبيد : [ الطويل ] @ 5175 - إلَى الحَـوْلِ ثُـمَّ اسْـمُ السَّـلامِ عَليْكُمَـا … @@ [ وقيل : نزه ربك عن السوء ، وعما يقوله الملحدون ، وذكره الطبري أن المعنى : نزه اسم ربك الأعلى على أن تسمي به أحداً سواه . وقيل : المعنى : نزه تسمية ربك وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت خاشع معظّم لذكره ، وجعلوا الاسم بمعنى التسمية ] . قال ابن الخطيب : معنى { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } أي : نزهه عن كل ما لا يليق به في ذاته ، وفي صفاته ، وفي أفعاله ، وفي أسمائه ، وفي أحكامه . أمَّا في ذاته ، فأن تعتقد أنها ليست من الجواهر والأعراض . وأما في صفاته ، فأن تعتقد أنها ليست محدثة ولا متناهية ولا ناقصة . وأمَّا في أفعاله ، فأن تعتقد أنه سبحانه مالك مطلق لا اعتراض لأحد عليه في أمر من الأمور . وقالت المعتزلة : هو أن تعتقد أن كل ما فعله صواب حسن ، وأنه سبحانه لا يفعل القبيح ، ولا يرضى به ، وأما في أسمائه : فأن لا تذكره - سبحانه وتعالى - إلاَّ بالأسماء التي لا توهم نقصاً بوجه من الوجوه ، سواء ورد الإذن فيها أو لم يرد . وأمَّا في أحكامه : فهو أن تعلم أن ما كلفنا به ليس لنفعٍ يعود إليه ، بل لمحض المالكية على قولنا ، او لرعاية مصالح العباد على قول المعتزلة . فصل فيمن استدل بالآية على أن الاسم نفس المسمى قال ابن الخطيب : تُمسِّك بهذه الآية في أن الاسم نفس المسمى . وأقول : الخوض في هذه المسألة لا يمكن إلا بعد الكشف عن محل النزاع ، فنقول : إن كان الاسم عبارة عن اللفظ ؛ والمسمى عبارة عن الذات ، فليس الاسم المسمى بالضرورة ، فكيف يمكن الاستدلال على ما علم بالضرورة ؟ نعم هنا نكتة ، وهي أن الاسم هو اللفظ الدَّال على معنى في نفسه من غير زمن ، والاسم كذلك ، فيكون اسماً لنفسه ، فالاسم هنا نفس المسمى ، فعلى هذا يَرِدُ من أطلق ذلك ؛ لأن الحكم بالتعميم خطأ ، والمراد : الذي يدل على أن الاسم نفس المسمى هو أن أحداً لا يقول : سبحان الله وسبحان اسم ربنا ، فمعنى " سبح اسم ربك " سبح ربك ، والربُّ أيضاً اسم ، فلو كان غير المسمى لم يجز أن يقع التسبيح عليه . وهذا الاستدلال ضعيف ، لما بيَّنا أنه يمكن أن يكون وارداً بتسبيح الاسم ، ويمكن أن يكون المراد : سبح المسمى ، وذكر الاسم صلة فيه ، ويكون المراد : سبح باسم ربك ، كما قال تعالى : { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [ الواقعة : 74 ] ، ويكون المعنى : سبح بذكر أسمائه . فصل في تفسير الآية روى أبو صالحٍ عن ابن عباس - رضي الله عنه - : صلِّ بأمر ربك الأعلى قال : وهو أن يقول : " سُبحانَ ربيّ الأعْلَى " وروي عن عليّ - رضي الله عنه - وابن عباسٍ ، وابن عمر وابن الزبيرِ ، وأبي موسى ، وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة ، قالوا : " سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى " وامتثالاً لأمره في ابتدائها ، فيختار الاقتداء بهم في قراءتهم ، لا أن سبحان ربيّ الأعلى من القرآن ، كما قاله بعض أهل الزَّيْغ . وقيل : إنَّها في قراءة أبيّ : " سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى " . وروى ابن الأنباري بإسناده إلى عيسى بن عمر عن أبيهِ ، قال : قرأ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في الصلاة : " سَبِّح اسْمَ رَبِّك الأعْلَى " ، ثم قال : سبحان ربي الأعلى ، فلما انقضت الصلاة ، قيل له : يا أمير المؤمنين ، أتزيد هذا في القرآن ؟ قال : ما هو ؟ قالوا : سبحان ربي الأعلى ، قال : لا ، إنما أمرنا بشيء فقلته . وعن عقبى بن عامرٍ الجهنيِّ ، قال : " لما نزلت { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجْعَلُوهَا في سُجودِكُمْ " . قال القرطبيُّ : " هذا كله يدل على أن الاسم هو المسمى ؛ لأنهم لم يقولوا : سبحان اسم ربي الأعلى " . وقيل : معناه : ارفع صوتك بذكر ربك ؛ قال جرير : [ الكامل ] @ 5276 - قَبَحَ الإلهُ وجُوهَ تَغْلبَ كُلَّمَا سَبحَ الحَجيجُ وكبَّرُوا تَكْبِيرَا @@ قوله : " الأعلى " : يجوز جره : " صفة " لـ " ربك " ، ونصبه صفة لـ " اسم " ، إلا أن هذا يمنع أن يكون " الذي " صفة لـ " ربك " ، بل يتعين جعله نعتاً لـ " اسم " ، أو مقطوعاً لئلا يلزم الفصل بين الصفة والموصوف بصفة غيره ؛ إذ يصير التركيب ، مثل قولك : جاءني غلامُ هندٍ العاقلُ الحسنة ، فيفصل بـ " العاقل " بين " هند " وبين صفتها . وتقدم الكلام في إضافة الاسم إلى المسمى . قوله : { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } . قال ابن الخطيب : يحتمل أن يريد النَّاس خاصة ، ويحتمل أن يريد الحيوان ، ويحتمل أن يريد كل شيء خلقه الله تعالى ، فمن حمله على الإنسان ذكر للتسوية وجوهاً : أحدها : اعتدال قامته ، وحسن خلقته على ما قال تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] وأثنى على نفسه بسبب خلقه إياه بقوله تعالى : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [ المؤمنون : 14 ] . وثانيها : أن كل حيوان مستعد لنوعٍ واحدٍ من الأعمال فقط ، وأما الإنسان ، فإنه خلقه بحيثُ يمكنه أن يأتي بجميع الأعمال بواسطة الآلات . وثالثها : أنه - تعالى - هيأه للتكليف ، والقيام بأداء العبادات . قال بعضهم : خلق في أصلاب الآباء ، وسوَّى في أرحام الأمهات ، ومن حمله على جميع الحيوانات ، فمعناه : أنه أعطى كلَّ حيوان ما يحتاج إليه من آلاتٍ ، وأعضاء ، ومن حمله على جميع المخلوقات كان المراد من التسوية هو أنه - تعالى - قادر على كل الممكنات ، علم بجميع المعلومات ، يخلق ما أراد على وفق إرادته موصوفاً بالإحكام والإتقان ، مبرأ عن النقص والاضطراب . قوله : { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } ؛ قرأ الكسائيُّ وعليٌّ - رضي الله عنه - والسلميُّ : " قدر " بتخفيف الدال ، والباقون : بالتشديد . والمعنى : قدر كل شيء بمقدار معلوم . ومن خفف ، قال القفَّال : معناه : ملك فهدى ، وتأويله : انه تعالى خلق كل شيء ، فسوى ، وملك ما خلق ، أي تصرف فيه كيف شاء وأراد هذا هو الملك ، فهداه لمنافعه ومصالحه . ومنهم من قال : إنهما لغتان بمعنى واحدٍ ، وعليه قوله تعالى : { فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ } [ المرسلات : 23 ] بالتشديد والتخفيف ، وقد تقدم . فصل في معنى الآية قال مجاهدٌ : قدَّر الشقاوة والسعادة ، وهدى للرشد والضلالة ، وعنه : هدى الإنسان للسعادة والشقاوة ، وهدى الأنعام لمراعيها . وقيل : قدَّر أقواتهم وأرزاقهم ، وهداهم لمعاشهم وإن كانوا أناساً ، ولمراعيهم إن كانوا وحوشاً . وعن ابن عبَّاسٍ والسديِّ ومقاتلٍ والكلبيِّ في قوله تعالى : " فَهدَى " : عرف خلقه كيف يأتي الذكرُ الأنثى ، كما قال تعالى في سورة " طه " : { أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [ طه : 50 ] ، أي : الذكر للأنثى . وقال عطاء : جعل لكل دابَّة ما يصلحها ، وهداها له . وقيل : " قدَّر فَهَدى " أي : قدّر لكل حيوانٍ ما يصلحه ، فهداهُ إليه ، وعرفه وجه الانتفاع به ، يقال : إن الأفعى إذا أتت عليها ألفُ سنة عميت ، وقد ألهمها الله تعالى ، أن مسح العينين بورق الرازيانج الغض ، يرد إليها بصرها ، فربما كانت في بريَّة بينها وبين الريف مسيرة أيام ، فتطوى تلك المسافة على طولها ، وعماها ، حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرَّازيانج ، لا تخطئها ، فتحك بها عينها ، فترجع باصرة بإذن الله تعالى . [ وهدايات الإنسان إلى أن مصالحه من أغذيته وأدويته ، وأمور دنياه ودينه وإلهامات البهائم والطيور ، وهوام الأرض باب ثابت واسع ، فسبحان ربي الأعلى ] . وقال السديُّ : قدَّر مدة الجنين في الرحم ، ثم هداه إلى الخروج من الرحم . وقال الفراء : " قدَّى فهَدى " أي : وأضل ، فاكتفى بذكر أحدهما ، كقوله : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ } [ النحل : 81 ] ، ويحتمل أن يكون بمعنى " دَعَا " إلى الإيمان كقوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] أي لتدعو وقد دعا الكل إلى الإيمان ] . وقيل : " فَهَدَى " أي : دلَّهم بأفعاله على توحيده وكونه عالماً قادراً . واعلم أن الاستدلال بالخلق وبالهدى ، هي معتمد الأنبياء . قال إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - : { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } [ الشعراء : 78 ] . وقال موسى - عليه الصلاة والسلام - لفرعون : { رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [ طه : 50 ] ، وقال هنا ذلك ، وإنما خصت هذه الطريقة لوضوحها وكثرة عجائبها . قوله : { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } ، أي : النبات ، لما ذكر سبحانه ما يختص بالناس ، أتبعه بما يختص بسائر الحيوان من النعم ، أي : هو القادر على إنبات العشب ، لا كلأصنام التي عبدتها الكفرةُ ، والمرعى : ما تخرجه الأرض من النبات ، والثمار ، والزروع ، والحشيش . قال ابنُ عبَّاسٍ : " المرعى " : الكلأ الأخضر . قوله : { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } . " غثاء " : إما مفعول ثانٍ : وإما حال . " والغُثَّاء " : - بتشديد الثاء وتخفيفها - وهو الصحيح ، ما يغترفه السيل على جوانب الوادي من النبات ونحوه ؛ قال امرؤ القيس : [ الطويل ] @ 5177 - كَأنَّ طَميَّاتِ المُجيمِرِ غُدوَةً مِن السَّيْلِ والأغْثَاءِ فلكةُ مِغْزَلِ @@ ورواه الفراء : " والأغثاء " على الجمع ، وفيه غرابة من حيث جمع " فعالاً " على " أفعال " . قوله تعالى : { أَحْوَىٰ } . فيه وجهان : أظهرهما : أنه نعت لـ " غثاء " . والثاني : أنه حال من المرعى . قال أبو البقاء : " فقدَّم بعض الصلة " ، يعني : ان الأصل أخرج المرعى أحوى ، فجعله غثاء . قال شهابُ الدِّين : ولا يسمى هذا تقديماً لبعض الصلة . والأحْوَى : " أفعل " من الحُوَّة ، وهي سوادٌ يضرب إلى الخُضْرَة ؛ قال ذو الرُّمَّة : [ البسيط ] @ 5178 - لـمْيَـاءُ فِـي شَفتيْـهَـا حُـوَّةٌ لَـعَـسٌ وفِـي اللِّثـاتِ وفـي أنْيَابِهَـا شَنَـبُ @@ وقد استدلَّ بعض النحاة على وجود بدل الغلط بهذا البيت . وقيل : خضرة عليها سواد ، والأحْوَى " الظبي ؛ لأن في ظهره خطَّين ؛ قال : [ الطويل ] @ 5179 - وفِي الحيِّ أحْوَى يَنفضُ المَرْدَ شَادِنٌ مُظَاهِـرُ سِمْطَـيْ لُـؤلـؤٍ وزَبَرْجَـدِ @@ ويقال : رجل أحْوَى ، وامرأة حوَّاءُ ، وجمعهما " حُوٌّ " نحو : أحْمَر وحَمْراء وحُمْر ، قال القرطبيُّ : " وفي الصِّحاح " : " والحُوَّةُ : حمرة الشفة ، يقال : رجل أحْوَى وامرأة حوَّاء وقد حويتُ ، وبعير أحْوَى : إذا خالط خضرته سواد وصُفْرَة ، قال : وتصغير أحْوَى : أحَيْوٍ في لغة من قال : أسَيْود " . قال عبد الرحمن بن زيدٍ : هذا مثلٌ ضربه الله تعالى للكُفَّار لذهاب الدنيا بعد نضارتها ، والمعنى : أنه صار كذلك بعد خضرته . وقال أبو عبيدة : فجعله أسود من احتراقه وقدمه ، والرطب إذا يبس اسود .