Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 6-8)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله " { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } ، قال الواحدي : " سَنُقْرِئُكَ " : أي : سنجعلك قارئاً ، أي : نؤهلك للقراءة فلا تنسى ما تقرأه ، أي : نجعلك قارئاً للقرآن فتحفظه ، فهو نفي ، أخبر الله - تعالى - أن نبيه صلى الله عليه وسلم لا ينسى . وقيل : نهي والألف للإشباع [ وقد تقدم نحو من هذا في سورة يوسف وطه ] . ومنع مكيٌّ أن يكون نهياً ؛ لأنه لا ينهى عما ليس باختياره ، وهذا غير لازم ، إذ المعنى : النهي عن تعاطي أسباب النسيان ، وهو الشائع : وقيل : هذا بشري من الله تعالى ، بشره تعالى بأن جبريل - عليه الصلاة والسلام - لا يفرغ من آخر الوحي ، حين يتكلم هو بأوله لمخافة النسيان ، فنزلت هذه الآية ؛ فلا تنسى بعد ذلك شيئاً . قوله : { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّه } فيه أوجه : أحدها : أنه مفرَّغ ، أي : إلا ما شاء الله أن ينسيكه ، فإنك تنساه ، والمراد رفع تلاوته ، وفي الحديث : " أنَّهُ كَانَ يُصبحُ فِيَنْسَى الآيَاتِ " ، لقوله تعالى : { مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا } [ البقرة : 106 ] . وقيل : إن المعنى بذلك النُّدْرة والقلَّة . قال ابن الخطيب : يشترط أن لا يكون ذلك القليل من الواجبات بل من الآداب والسنن ، فإنَّه لو نسي من الواجبات ، فلم يتذكره أدى ذلك إلى الخلل في الشرع ، وهو غير جائز ، كما ورد أنه صلى الله عليه وسلم أسقط آية في صلاته ، فحسب أبيٌّ أنها نُسختْ ، فسأله ، فقال صلى الله عليه وسلم : نَسِيتُها . وقال الزمخشريُّ : والغرض نفي النسيان رأساً ، كما يقول الرجل لصاحبه : أنت سهيمي فيما أملك إلا ما شاء الله ، ولم يقصد أستثني شيئاً ، وهواستعمال القلة في معنى النفي " انتهى . وهذا القول سبقه إليه الفراء ومكي . قال الفراء ، وجماعة معه : هذا الاستثناء صلة في الكلام على سنة الله تعالى ، وليس شيى أبيح استثناؤه . قال أبو حيان : " وهذا لا ينبغي أن يكون في كلام الله تعالى ، ولا في كلام فصيح ، وكذلك القول بأن " لا " للنفي ، والألف فاصلة " انتهى . وهذا الذي قاله أبو حيان : لم يقصده القائل بكونه زائداً محضاً ، بل المعنى الذي ذكره ، وهو المبالغة في نفي النسيان ، أو النهي عنه . وقال مكيٌّ : " وقيل : معنى ذلك إلا ما شاء الله ، وليس يشاء الله أن تنسى منه شيئاً ، فهو بمنزلة قوله تعالى ، في سورة " هود " في الموضعين : { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } [ هود : 107 ، 108 ] وليس يشاء جلَّ ذكره ترك شيء من الخلود ، لتقدم مشيئته لهم بالخلود " . وروي عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - فلم ينس بعد نزول هذه الآية حتى مات صلى الله عليه وسلم . وقيل : هو استثناء من قوله تعالى : { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } [ الأعلى : 5 ] . نقله مكي . والمعنى : ما شاء الله أن يناله بنو آدم ، والبهائم ، فإنه لا يضير ذلك . قال شهابُ الدين : وهذا ينبغي ألاَّ يجوز ألبتَّة . قال القرطبيُّ : " قيل : إلا ما شاء الله أن ينسى ، ثم يذكر بعد ذلك ، فإذا قد ينسى ، ولكنه يتذكر ولا ينسى نسياناً كلياً " . [ وقيل هذا النسيان بمعنى النسخ إلا ما شاء الله ينسخه ، والاستثناء نوع من النسخ . وقيل : النسيان بمعنى الترك أي : يعصمك من أن تترك العمل إلا ما شاء الله أن تتركه لنسخه إياه ، فهذا في نسخ العمل ، والأول في نسخ القراءة ، ولا للنفي لا للنهي وقيل للنهي ، وإنما أثبتت الياء لرؤوس الآي ، والمعنى : لا تغفل قراءته وتكراره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته للمصلحة ، والأوَّل هوالمختار ؛ لأن الاستثناء من النهي لا يكاد يكون إلا مؤقتاً معلوماً . وأيضاً فإن الياء مثبتة في جميع المصاحف وعليها القراءات . وقيل : معناه : إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله ] . فصل في كيفية تعليم القرآن ذكر في كيفية هذا التعليم والإقراء وجوهاً : الأول : أن جبريل - عليه الصلاة والسلام - سيقرأ عليك القرآن مراتٍ ، حتى تحفظه حفظاً لا تنساه . وثانيها : أنَّا نشرحُ صدرك ونقوي خاطرك حتى تحفظه بالمرة الواحدة حفظاً لا تنساه . وثالثها : أنه تعالى لما أمره صلى الله عليه وسلم في أول السورة بالتسبيح ، فكأنه تعالى قال : واظب على ذلك ، ودُمْ عليه ، فإنَّا سنقرئك القرآن الجامع لعلوم الأوَّلين ، والآخرين ، ويكون فيه ذكرك ، وذكر قومك ، وتجمعه في قلبك . { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } وهوالعمل به . فصل في الدلالة على المعجزة هذه الآية تدل على المعجزة من وجهين : الأول : أنه صلى الله عليه وسلم كان رَجُلاً أميًّا ، فحفظه هذا الكتاب المطول من غير دراسة ، ولا تكرار ، ولا كتابة ، خارقة للعادة . والثاني : أنه إخبار عن الوقوع في المستقبل ، وقد وقع ، فكان هذا إخباراً عن الغيب فيكون معجزاً . فصل في المراد بالآية قال بعضهم : المراد بقوله تعالى : { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } أمور : أولها : التبرك بهذه الكلمة لقوله تعالى : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الكهف : 23 ، 24 ] ، فكأنه تعالى يقول : إني عالم بجميع المعلومات ، ثم بعواقب الأمور على التفصيل ، ومع ذلك لا أخبر عن وقوع شيء في المستقبل إلا مع هذه الكلمة ، فأنت وأمتك يا محمد أولى بها ، وهذا بناء على أن الاستثناء غير حاصل في الحقيقة ، وأنه صلى الله عليه وسلم لم ينس ذلك شيئاً ، كما قاله ابن عبَّاس والكلبي وغيرهما . وثانيها : قال الفراء : إنه تعالى ما شاء أن ينسى محمداً صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنَّ المقصود من ذكر هذا الاستثناء بيان أنه تعالى لو أراد أن يصير ناسياً كذلك لقدر عليه ، كقوله تعالى : { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } [ الإسراء : 86 ] ، ثم إنا نقطع أنه تعالى ما شاء ذلك ، ونظيره قوله تعالى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 6 ] مع أنه صلى الله عليه وسلم ما أشرك ألبتَّة ففائدة هذا الاستثناء أن الله تعالى ، بعرفه قدرته ، حتى يعلم أنَّ عدم النِّسيان من فضل الله ، وإحسانه ، لا من قوته . وثالثها : أن الله تعالى لما ذكر هذا الاستثناء جوَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما ينزل عليه من الوحي ، أن يكون ذلك هو المستثنى ، فلا جرم كان يبالغ في التثبُّت ، والتحفُّظ في جميع المواضع ، وكان المقصود من ذكر هذا الاستثناء بقاءه صلى الله عليه وسلم عى التيقُّظ في جميع الأحوال . قوله : { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ } الجَهْرُ : هو الإعلان من القول والعمل ، " وَمَا يَخْفَى " من السرّ . عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ما في قلبك ونفسك . وقال محمد بن حاتمٍ : يعلم إعلان الصدقة وإخفاءها . وقيل : الجهر ما حفظته من القرآن في صدرك ، " ومَا يَخْفَى " هو ما نسخ في صدرك . فصل في الكلام على " ما " " ما " اسمية ، ولا يجوز أن تكون مصدرية ، لئلا يلزم خلو الفعل من فاعل ، ولولا ذلك لكان المصدرية أحسن ليعطف مصدر مؤول على مصدر صريح . قوله : { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } : عطف على " سنُقْرِئُكَ فلا تَنْسَى " ، فهو داخل في حيز التنفيس ، وما بينهما من الجملة اعتراض . واليسرى : هي الطَّريقة اليسرى ، وهي أعمال الخير ، والتقدير : سنقرئك فلا تنسى ، ونوفقك للطريقة التي هي أسهل وأيسر ، يعني في حفظ القرآن . [ قال ابن مسعود : اليسرى الجنة أي نيسرك للعمل المؤدي إلى الجنة وقيل نهوّن عليك الوحي حتى تحفظه وتعمل به وقيل نوفقك للشريعة لليسرى وهي الحنيفية السهلة السمحة ، قال الضحاك : ] فإن قيل : المعهود في الكلام أن يقال : يسر الأمر لفلان ، ولا يقال : يسر فلان للأمر . فالجواب أن هذه العبارة كأنها اختيار القرآن هنا وفي سورة " والليل " ، فكذا هي اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله : " اعمَلُوا فكُلٌّ ميسَّرٌ لمَا خُلقَ لهُ " ، وفيه لطيفة : وهي أن الفاعل لا يترجح عند الفعل عن الترك ، ولا عكسه ، وإلاَّ لمرجح ، وعند ذلك المرجح يجب الفعل ، فالفاعل إذن ميسر للفعل ، إلاَّ أن الفعل ميسر للفاعل ، فذلك الرجحان هو المسمى بـ " التيسير " .