Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 89, Ayat: 27-30)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } . قرأ العامة : " يا أيَّتُها النَّفسُ " بتاء التأنيث . وقرأ زيد بن علي : " يا أيُّهَا " ، كنداء المذكر ، ولم يجوز ذلك أحد ، إلا صاحب البديع ، وهذه شاهدة له ، وله وجه : وهو أنها كما لم تطابق صفتها تثنية وجمعاً ، جاز ألاَّ يطابقها تأنيثاً ، تقول : يا أيها الرجلان ، يا أيها الرجل . فصل في الكلام على الآية لما وصف حال من اطمأن إلى الدُّنيا ، وصف حال من اطمأنَّ إلى معرفته وعبوديته ، وسلم أمره إلى الله - تعالى - . وقيل : هذا كلام الباري تعالى ، إكراماً له كما كلَّم موسى عليه السلام . وقيل : هو من قول الملائكة لأولياء الله تعالى . قال مجاهد وغيره : " المُطْمئنَّة " : الساكنة الموقنة ، أيقنت أن الله تعالى ربها ، فأجيبت لذلك . وقال ابنُ عبَّاسٍ : المطمئنة بثواب الله ، وعن الحسن - رضي الله عنه - : المؤمنة الموقنة . وعن مجاهدٍ أيضاً : الراضية بقضاءِ الله . وقال مقاتلٌ : الآمنة من عذاب الله تعالى . وفي حرف أبي كعب : " يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة " . وقيل : التي عملت على يقين بما وعد الله تعالى ، في كتابه . وقال ابن كيسان : المطمئنة - هنا - : المخلصة وقيل : المطمئنة بذكر الله تعالى ؛ لقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } [ الرعد : 28 ] وقيل : المطمئنة بالإيمان ، المصدقة بالبعث والثواب . وقال ابن زيدٍ : المطمئنة ، التي بشرت بالجنة ، عند الموت ، أو عند البعث ، ويوم الجمع . قوله : { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } ، أي : ارجعي إلى صاحبك ، وجسدك . قاله ابنُ عبَّاسٍ وعكرمةُ وعطاءٌ ، واختاره الكلبيُّ ، يدل عليه قراءة ابن عباس : " فادخُلِي في عَبْدِي " ، على التوحيد . وقال الحسنُ : ارجعي إلى ثواب ربك . وقال أبو صالح : ارجعي إلى الله ، وهذا عند الموت . وقوله تعالى : { رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } حالان ، أي : جامعة بين الوصفين ؛ لأنه لا يلزم من أحدهما الآخر ، والمعنى : راضية بالثواب ، مرضية عنك في الأعمال ، التي عملتها في الدنيا . فصل في مجيء الأمر بمعنى الخبر قال القفَّال : هذا وإن كان أمراً في الظَّاهر ، فهو خبر في المعنى ، والتقدير : أن النفس إن كانت مطمئنة رجعت إلى الله تعالى ، وقال الله تعالى لها : { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } ، قال : ويجيء الأمر بمعنى الخبر كثيراً في كلامهم ، كقوله : " إذا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَل مَا شِئْت " . فصل في فضل هذه الآية قال سعيد بن زيد : " قرأ رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيَّتُها النَّفسُ " ، فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : مَا أحْسنَ هَذَا يَا رسُولَ اللهِ ، فقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلَّم : " إنَّ المَلكَ سيقُولُهَا لَكَ يَا أبَا بَكرٍ " " . وقال سعيد بن جبير : مات ابن عباس بـ " الطائف " ، فجاء طائر لم ير على خلقه طائر قط ، فدخل نعشه ، ثم لم ير خارجاً منه ، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر ، لا ندري من تلاها : { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } [ روى الضحاك أنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه حين وقف بئر رومة ] . وقيل : نزلت في خُبيبِ بن عديٍّ ، الذي صلبه أهل " مكة " ، وجعلوا وجهه إلى " المدينة " ، فحوّل الله وجهه للقبلة . قوله : { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } ، يجوز أن يكون في جسدِ عبادي ، ويجوز أن يكون المعنى في زُمرةِ عبادي . وقرأ ابنُ عبًّاسٍ وعكرمةُ وجماعةٌ : " في عَبْدِي " ، والمراد : الجِنْس ، وتعدَّى الفعل الأول بـ " في " ؛ لأنَّ الظرف ليس بحقيقي , نحو : دخلت في غمارِ الناس وتعدَّى الثاني بنفسه ؛ لأن الظرفية متحققة ، كذا قيل ، وهذا إنما يتأتّى على أحد الوجهين ، وهو أن المراد بالنَّفس : بعض المؤمنين ، وأنه أمر بالدخول في زُمْرَة عباده ، وأما إذا كان المراد بالنفس : الرُّوح ، وأنها مأمورة بدخولها في الأجساد ، فالظرفية متحققة فيه أيضاً . فصل في المراد بالجنة هاهنا قال ابنُ عبَّاسٍ : هذا يوم القيامة ، وهو قول الضحاك . والجمهور على أنَّ المراد بالجنة : دار الخلود ، التي هي سكنُ الأبرار ، ودار الصالحين والأخيار . ومعنى " فِي عبَادِي " أي : في الصالحين ، كقوله تعالى : { لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ } [ العنكبوت : 9 ] . قال ابن الخطيب : ولمَّا كانت الجنَّة الروحانية غير متراخية عن الموت في حق السعداء ، لا جرم قال تعالى : { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } ، بفاء التعقيب ، ولما كانت الجنة الجسمانية ، لا يحصل الكون فيها إلا بعد قيام القيامة الكبرى ، لا جرم قال تعالى : { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } بالواو والله تعالى أعلم . روى الثَّعلبيُّ عن أبيُّ - رضي الله عنه - قال : قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ سُورةَ { وَٱلْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ } غُفِرَ لهُ ، ومَنْ قَرَأهَا فِي سَائِرِ الأيَّامِ كانَتْ لَهُ نُوراً يوم القيامة " .