Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 89, Ayat: 21-26)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { كَلاَّ } : ردعٌ لهم عن ذلك ، وإنكار لفعلهم ، أي : ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر ، فهو ردع لانكبابهم على الدنيا وجمعهم لها . قوله : { إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } . في " دكّاً " وجهان : أحدهما : أنه مصدر مؤكد ، و " دَكًّا " الثاني : تأكيد للأول ، تأكيداً لفظياً . كذا قاله ابن عصفورٍ وليس المعنى على ذلك . والثاني : أنه نُصِبَ على الحال ، والمعنى : مكرراً عليها الدَّكُّ ، كـ " علمته الحساب باباً باباً " ، وهذا ظاهر قول الزمخشري . وكذلك : " صفًّا صفًّا " حال أيضاً ، أي : مصطفين ، أو ذوي صفوف كثيرة . قال الخليل : الدَّكُّ : كسر الحائط والجبل والدكداك : رمل متلبّد . ورجل مدك : أي شديد الوطء على الأرض . [ فمعنى الدك على قول الخليل : كسر شيء على وجه الأرض من جبل أو حجر حين زلزلت فلم يبق على شيء ] . وقال المبرد : الدَّكُّ : حطُّ المرتفع من الأرض بالبسط ، واندك سنام البعير : إذا انفرش في ظهره ، وناقة دكاء كذلك ، ومنه الدكان لاستوائه في الانفراش ، فمعنى الدك على قول الخليل : كسر الشيء على وجه الأرض من جبل أو حجر حين زلزلت ، فلم يبق على ظهرها شيء ، وعلى قول المبرد ، معناه : أنها استوت في الانفراش ، فذهب دورها ، وقصورها ، حتى صارت كالصخرة الملساء ، وهذا معنى قول ابن عباس ، وابن مسعود رضي الله عنهم : تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم . قال ابنُ الخطيبِ : وهذا التَّدكُّكُ لا بد وأن يكون متأخراً عن الزلزلة [ فإذا زلزلت الأرض زلزلة ] بعد زلزلة ، فتكسر الجبال ، وتنهدم ، وتمتلئ الأغوار ، وتصير ملساء ، وذلك عند انقضاء الدنيا . قوله : { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } . أي : جاء أمره وقضاؤه . قاله الحسن ، وهو من باب حذف المضاف . وقيل : جاءهم الربُّ بالآيات ، كقوله تعالى : { إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ } [ البقرة : 210 ] أي بظلل . وقيل : جعل مجيء الآيات مجيئاً له ، تفخيماً لشأن تلك الآيات ، كقوله تعالى في الحديث : " يَا ابْنَ آدم مَرضتُ فلمْ تعُدِنِي ، واسْتسْقَيتُكَ فَلمْ تَسقِنِي واسْتطعَمْتُكَ فَلمْ تُطْعمْنِي " . وقيل : زالت الشبه ، وارتفعت الشكوك ، وصارت المعارف ضرورية ، كما تزول الشبه والشكوك عند مجيء الشيء الذي كان يشك فيه [ وقيل وجاء قهر ربك ، كما تقول جاءتنا بنو أمية ، أي : قهرهم . قال أهل الإشارة : ظهرت قدرته واستوت ، والله - سبحانه وتعالى - لم يوصف بالتحول من مكان إلى مكان ، وأنَّى له التحول والانتقال ، ولا مكان ولا أوان ، ولا يجري عليه وقت ولا زمان ؛ لأن في جريان الوقت على الشيء فوات الأوقات ، ومن فاته الشيء ، فهو عاجز . وأما قوله تعالى : { وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } أي : والملائكة صفاً بعد صفٍّ متحلِّقين بالجن والإنس ] . قوله : { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } . " يومئذ " : منصوب بـ " جيء " ، والقائم مقام الفاعل : " بجهنم " وحوز مكيٍّ : أن يكون " يومئذ " : قائم مقام الفاعل . وأمَّا " يومئذ " الثاني فقيل : بدل من " إذا دُكَّتِ " ، والعامل فيها : " يتذكر " ، قاله الزمخشري وهذا مذهب سيبويه . وقيل : إن العامل في " إذا دكت " : يقول ، والعامل في " يومئذ " : يتذكر ، قاله أبو البقاء . فصل قال ابنُ مسعودٍ ومقاتلٌ : " تقادُ جهنَّمُ بِسبْعِينَ ألف زمام ، كُل زِمَامٍ بيدِ سبْعينَ ألْف ملكٍ يجرونها ، لهَا تَغَيُّظٌ وزفيرٌ ، حتَّى تنصبَّ عن يسارِ العرْشِ " . رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً . وقال أبُو سعيدٍ الخدريُّ : " لما نزلت : { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } تغير لون رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف في وجهه ، حتى اشتد على أصحابه ، ثم قال : أقْرأنِي جِبْريلُ : { كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } ، - الآية - { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } ، قال علي - رضي الله عنه - : قلت : يا رسول الله ، كيف يجاءُ بها ؟ قال : " يُؤْتَى بِهَا تُقَادُ بِسبعِينَ ألْف زمامٍ ، يَقُودُ بكُلِّ زمَامٍ سَبعُونَ ألْف ملكٍ ، فتشْردُ شَرْدَةً لو تُرِكَتْ لأحْرقَتْ أهْلَ الجَمْعِ ، ثُمَّ تعْرضُ لِي جهنَّمُ ، فتقول : مَا لِي ولَكَ يا مُحَمَّدُ ، إنَّ الله قَدْ حَرَّمَ لحْمَكَ عليَّ ، فلا يَبْقَى أحَدٌ إلاَّ قال : نَفْسِي نَفْسِي ، إلاَّ محمدٌ صلى الله عليه وسلم فإنَّه يقُولُ : ربِّ أمَّتِي ، ربِّ أمَّتِي " . قال ابن الخطيب : قال الأصوليون : معلوم أنَّ جهنَّم لا تنقل من مكانها ، ومعنى مجيئها : برزت وظهرت حتى يراها الخلق ، ويعلم الكافر أنَّ مصيره إليها . قوله : { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ } . تقدم الكلام في إعراب : " يومئذ " ، والمعنى : يتَّعظُ الكافرُ ، ويتوب من همته بالدُّنيا وقيل : يتذكر أن ذلك كان ضلالاً . { وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } أي : ومن أين له الاتِّعاظٌُ والتوبة ، وقد فرط فيها الدنيا . وقيل : ومن أين له منفعة الذِّكرى ، فلا بُدُّ من تقدير حذفِ المضاف ، وإلاَّ فبين " يومئذٍ يَتذكَّر " وبين : " وأنَّى لهُ الذِّكْرى " تناف . قاله الزمخشري . قوله : " وأنَّى " خبر مقدم ، و " الذكرى " : مبتدأ مؤخر ، و " له " متعلق بما تعلق به الظرف . قوله : { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } ، أي : في حياتي ، فاللام بمعنى " في " . وقيل : أي : قدمت عملاً صالحاً أي لحياة لا موت فيها . وقيل : حياة أهل النار ليست هنيئة ، فكأنهم لا حياة لهم ، فالمعنى : يا ليتني قدمت من الخير لنجاتي من النار ، فأكون ممن له حياة هنيئة . فصل في شبهة للمعتزلة والرد عليها استدلت المعتزلة بهذه الآية على أن الاختيار كان في أيديهم وقصدهم ، وأنَّهم ما كانوا محجوزين عن الطَّاعات ، مجبرين على المعاصي . والجواب : أن فعلهم كان معلقاً بقصد الله - تعالى - فبطل قولهم . قوله : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } . قرأ الكسائي : " لا يعذَّب ولا يُوثَقُ " مبنيين للمفعول ، ورواه أبو قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم بفتح الثاء والذال ، والباقون : قرأوهما مبنيين للفاعل . فأمَّا قراءة الكسائي : فأسند الفعل فيها إلى : " أحد " ، وحذف الفاعل للعلم به وهو الله تعالى ، والزبانية المتولون العذاب بأمر الله تعالى ، وأما عذابه ووثاقه ، فيجوز أن يكون المصدران مضافين للفاعل ، والضمير لله تعالى ، أو مضافين للمفعول ، والضمير للإنسان ، ويكون " عذابَ " واقعاً موقع تعذيب ، والمعنى : لا يُعذِّبُ أحدٌ مثل تعذيب الله - تعالى - هذا الكافر ، ولا يوثق أحد توثيقاً مثل إيثاق الله إياه بالسلاسل والأغلال , ولا يعذب أحد مثل تعذيب الكافر , ولا يوثق مثل إيثاقه لكفره ، وعناده . والوثاق : بمعنى : الإيثاق ، كالعطاء بمعنى الإعطاء ، إلا أن في إعمال اسم المصدر عمل مسمَّاه خلافاً مضطرباً ، فنقل عن البصريين المنع ، وعن الكوفيين الجواز ، ونقل العكس عن الفريقين ؛ ومن الإعمال قوله : [ الوافر ] @ 5208 - أكُفْـراً بعْـدَ ردِّ المَـوْتِ عنِّـي وبَعْـدَ عَطائِـكَ المِائـةَ الرِّتَاعَـا @@ ومن منع : نصب المائة بفعل مضمرٍ ؛ وأصرح من هذا القول الشاعر : [ الطويل ] @ 5209 - … تُكَلِّمُنِـي فِيهَـا شفـاءٌ لمَـا بِيَـا @@ وقيل : المعنى : ولا يحمل عذاب الإنسان أحد ، كقوله تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ الأنعام : 164 ] . قاله الزمخشري . وأما قراءة الباقين : فإنَّه أسند الفعل لفاعله ، والضمير في : " عذابه " ، و " وثاقه " يحتمل عوده على الباري - تعالى - ، بمعنى : أنه لا يعذب في الدنيا ، مثل عذاب الله تعالى يوم أحد ، أي : أن عذاب من يعذب في الدنيا ، ليس كعذاب الله - تعالى - يوم القيامة ، كذا قاله أبو عبد الله . وفيه نظر ، من حيث إنه يلزم أن يكون : " يومئذ " معمولاً للمصدر التشبيهي ، وهو ممتنع لتقدمه عليه ، إلاَّ أن يقال : إنه توسع فيه . وقيل : المعنى : لا يكل عذابه ، ولا وثاقه لأحد ؛ لأن الأمر لله - تعالى - وحده في ذلك . وقيل : المعنى : أنه في الشدة ، والفظاعة ، في حين لم يعذب أحد في الدنيا مثله . ورد هذا ، بأن " لا " ، إذا دخلت على المضارع صيرته مستقبلاً ، وإذا كان مستقبلاً لم يطابق هذا المعنى ، ولا يطلق على الماضي إلاَّ بمجازٍ بعيد ، وبأن يومئذ المراد به يوم القيامة ، لا دار الدُّنيا . وقيل : المعنى : أنه لا يعذب أحد في الدنيا ، مثل عذاب الله الكافر فيها ، إلا أن هذا مردود بما ورد قبله . ويحتمل عوده على الإنسان ، بمعنى : لا يعذب أحد من زبانية العذاب ، مثل ما يعذبون هذا الكافر ، ويكون المعنى : لا يحمل أحد عذاب الإنسان ، لقوله تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ الأنعام : 164 ] ، وهذه الأوجه صعبة المرام على طالبها من غير هذا الكتاب . وقرأ نافع في رواية ، وأبو جعفر وشيبة ، بخلاف عنهما : " وثاقه " بكسر الواو . والمراد بهذا الكافر المعذب ، قيل : إبليس - لعنه الله - ؛ لأنه أشد الناس عذاباً . وقال الفراء : هو أمية بن خلف .