Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 91, Ayat: 11-15)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } . في هذه الباء ثلاثة أوجه : أحدها : أنها للاستعانة مجازاً ، كقولك : " كتبت بالقلم " ، وبه بدأ الزمخشري ، يعني فعلت التكذيب بطغيانها ، كقولك : ظلمني بجرأته على الله تعالى . والثاني : أنها للتعدية ، أي كذبت بما أوعدت به من عذابها ذي الطغيان ، كقوله تعالى : { فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } [ الحاقة : 5 ] قال ابن عباس - رضي الله عنه - : وكان اسم العذاب الذي جاءها الطغوى ، لأنه طغى عليهم . قال ابن الخطيب : وهذا لا يبعد لأن الطغيان مجاوزة [ الحد فسمي عذابهم طغوا لأنه كالصيحة مجاوزة ] للقدر المعتاد . والثالث : أنها للسببية ، أي : بسبب طغيانها ، وهو خروجها عن الحدّ في العصيان قاله مجاهد وقتادة وغيرهما . وقال محمد بن كعب : بأجمعها . وقيل : مصدر ، وخرج على هذا المخرج ، لأنه أشكل برءوس الآي . وقيل : إن الأصل " بطُغيانِهَا " إلا أن " فُعلَى " إذا كانت من ذوات الياء أبدلت في الاسم واو ليفصل بين الاسم والوصف . وقرأ العامة : " بطغواها " بفتح الطاء ، وهو مصدر بمعنى الطغيان ، وإنما قلبت الياء واواً لما تقدم ، من الفرق بين الاسم والصفة ، يعني أنهم يقرون ياء " فَعْلى " - بالفتح - صفة ، نحو جريا ، وصديا ، ويقلبونها في الاسم ، نحو " تَقْوى ، وشَرْوى " ، وكان الإقرار في الوصف ، لأنه أثقل من الاسم والياء أخف من الواو ، فلذلك جعلت في الأثقل . وقرأ الحسن ومحمد بن كعب والجحدري ، وحماد : بضم الطاء ، وهو أيضاً مصدر ، كالرُّجعى والحسنى ، إلا أن هذا شاذ ، إذ كان من حقه بقاء الياء على حالها ، كالسُّقيا ، وبابها ، وهذا كله عند من يقول : " طغيت طغياناً " بالياء ، فأما من يقول : " طغوت " بالواو فالواو أصل عنده . قاله أبو البقاء ، وقد تقدم الكلام على اللغتين في البقرة . قوله : { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } . يجوز في " إذ " وجهان : أحدهما : أن تكون ظرفاً لـ " كذبت " . والثاني : أن تكون ظرفاً للطغوى . و " انبعثت " مطاوع بعثت فلاناً على الأمر فانبعث له ، و " أشْقَاهَا " فاعل " انبعَثَ " أي : نهض ، والانبعاث : الإسراع ، وفيه وجهان : أحدهما : ان يراد به شخص معين ، روي أن اسمه : قدار بن سالف . والثاني : أن يراد به جماعة قال الزمخشري : ويجوز أن يكونوا جماعة للتسوية في " أفعل " التفضيل ، إذا أضيف بين الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، وكان يجوز أن يقول : " أشْقَوها " . وكان ينبغي أن يقيد ، فيقول : إذا أضيف إلى معرفة ، لأن المضاف إلى النكرة حكمه الإفراد والتذكير مطلقاً كالمقترن بـ " من " . فصل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذ انبَعَثَ أشْقَاهَا : انبعث لهَا رجلٌ عزيزٌ عارمٌ ، منيعٌ في أهلِه ، مثلُ أبي زمعة " الحديث . " وروي عن علي - رضي الله عنه - : أن النبي صلى الله عليه وسلم : قال له : " أتَدْرِي من أشْقَى الأوَّلينَ " ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال عليه الصلاة والسلام : " عَاقرُ النَّاقَةِ " ، ثم قال : " أتَدْرِي من أشْقَى الآخرينَ " ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : " قَاتِلُكَ " " . قوله : { فَقَالَ لَهُمْ } . إن كان المراد بـ " أشْقَاهَا " جماعة ، فعود الضمير من " لهم " عليهم واضح وإن كان المراد به علماً بعينه ، فالضمير من " لهم " يعود على " ثمود " ، والمراد برسول الله يعني : صالحاً . وقوله تعالى : { نَاقَةَ ٱللَّهِ } منصوب على التحذير ، أي احذروا ناقة الله فلا تقربوها ، وأضمار الناصب هنا واجب لمكان العطف ، فإن إضمار الناصب يجب في ثلاثة مواضع : أحدها : أن يكون المحذر نفس " إياك " وبابه . الثاني : أنه يجب فيه عطف . الثالث : أنه يوجد فيه تكرار ، نحو " الأسد الأسد والصبيََّ الصبيَّ ، والحذرَ الحذرَ " . وقيل : ذروا ناقة الله ، كقوله تعالى : { فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ } [ هود : 64 ] . وقرأ زيد بن علي : " ناقَةُ اللهِ " رفعاً ، على إضمار مبتدأ مضمر ، أي : هذه ناقة الله فلا تتعرضوا لها . قوله : { وَسُقْيَاهَا } . أي ذروها وشربها ، فإنهم لما اقترحوا الناقة ، أخرجها لهم من الصخرة وجعل لهم شرب يوم من بئرهم ، ولها شرب يوم مكان ذلك ، فشق عليهم ، فكذبوه يعني صالحاً - عليه الصلاة والسلام - في وعيدهم بالعذاب . { فَعَقَرُوهَا } أي : عقرها الأشقى ، وأضاف إلى الكل ، لأنهم رضوا بفعله . قال قتادة : بلغنا أنه لم يعقر حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم . وقال الفراء : عقرها اثنان ، والعرب تقول : هذان أفضل الناس ، وهذا خير الناس ، وهذه المرأة أشقى القوم ، فلهذا لم يقل : أشقياها . قوله : { فَدَمْدمَ } . الدمدمة : قيل : الإطباق ، يقال : دمدمت عليه القبر ، أي : أطبقته عليه ، أي : أهلكهم وأطبق عليهم العذاب { بِذَنبِهِمْ } الذي هو الكفر والتكذيب والعقر . وقال المؤرج : الدمدمة : الإهلاك باستئصال . وروى الضحاك عن ابن عباس : " دمدم عليهم ، دمر عليهم ربهم " بذَنبِهم " أي : بجرمهم . وقال الفراء : " فدَمْدَمَ " أي : أرجف . وحقيقة الدمدمة : تضعيف العذاب وترديده ، ويقال : دممت على الشيء : أي : أطبقت عليه ، فإذا كرر الإطباق قلت : دمدمت . وفي " الصحاح " : ودمدمت الشيء : إذا ألصقته بالأرض وطحطحته . [ قال القشيري : وقيل دمدمت على الميت التراب أي سويته عليه ، والمعنى على هذا فجعلهم تحت التراب فسواها أي فسوى عليهم الأرض ، وعلى الأول : فسواها : أي فسوى الدمامة ، وقيل : الدمدمة حكاية صوت الهدة ، وذلك أن الصيحة أهلكتهم فأتت على صغيرهم وكبيرهم ] . وقال ابن الأنباري : دمدم : أي : غضب ، والدمدمة : الكلام الذي يزعج الرجل ودمدمت الثوب طليته بالصيغ والباء في بذنبهم للسببية . وقرأ ابن الزبير : " فدهدم " بهاء بين الدالين بدل الميم ، وهي بمعنى القراءة المشهورة . قال القرطبي : " وهما لغتان ، كما يقال : امتقع لونه ، وانتقع " . قوله : { فَسَوَّاهَا } . الضمير المنصوب يجوز عوده على " ثمود " باعتبار القبيلة كما أعاده في قوله تعالى { بِطَغْوَاهَآ } ويجوز عوده على " الدمدمة " والعقوبة أي : سواها بينهم ، فلم يفلت منهم أحد . قوله : { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا } . قرأ نافع وابن عامر : " فَلاَ " بالفاء ، والباقون : بالواو ، ورسمت في مصاحف المدينة والشام بالفاء ، وفي غيرها بالواو ، فقد قرأ كل بما يوافق رسم مصحفه . وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ : ولم يخف ، وهي مؤيدة لقراءة الواو . ذكره الزمخشري . فالفاء تقتضي التعقيب ، وهو ظاهر ، والواو يجوز أن تكون للحال ، وأن تكون لاستئناف الإخبار . قال القرطبي : روي أن ابن وهب وابن القاسم قالا : أخرج إلينا مالك مصحفاً لجده ، وزعم أنه كتبه في أيام عثمان بن عفان - رضي الله عنه - حين كتب المصاحف ، وفيه : " ولاَ يَخافُ " بالواو وكذا هي في مصاحف أهل مكة والعراق : بالواو ، واختاره أبو عبيدة وأبو حاتم . وضمير الفاعل في " يَخَافُ " الأظهر عوده على الرب تبارك وتعالى ، لأنه أقرب مذكور ، وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد ، والهاء في " عُقْبَاهَا " ترجع إلى الفعلة ، وذلك لأنه تعالى يفعل ذلك بحق ، وكل من فعل فعلاً بحق فإنه لا يخاف عاقبة فعله . وقيل : المراد تحقيق ذلك الفعل والله تعالى أجل من أن يوصف بذلك . وقيل : المعنى أنه بالغ في الإعذار إليهم مبالغة من لا يخاف عاقبة عذابهم . وقيل : يرجع إلى رسول الله ، أي : لا يخاف صالح - عليه الصلاة والسلام - عقبى هذه العقوبة لإنذاره إياهم ، ونجاه الله حين أهلكهم . وقال السديُّ والضحاك والكلبي : إن الضمير يرجع إلى " أشْقَاهَا " ، أي : انبعث لعقرها والحال أنه غير خائف عاقبة هذه الفعلة الشنعاء ، وهو مروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أيضاً . في الكلام تقديم وتأخير : إذ انبعث أشقاها ولا يخاف عقباها ، وعقبى الشيء : خاتمته . وروى الثعلبي عن أبيٍّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } فكَأَنَّمَا تصدَّق بِكُلِّ شيءٍ طَلعتْ عليْهِ الشَّمْسُ والقَمرُ " .