Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 92, Ayat: 1-4)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } . أي : يغطي ، ولم يذكر مفعولاً ، للعلم به . وقيل : يغشى النهار . وقيل : الأرض . قال قتادة : أول ما خلق الله تعالى النور والظلمة ثم ميز بينهما ، فجعل الظلمة ليلاً أسود مظلماً ، والنور نهاراً والنهار مضيئاً مبصراً . قال ابن الخطيب : أقسم بالليل الذي يأوي فيه كل حيوان إلى مأواه وتسكن الخلق عن الاضطراب ، ويجيئهم النوم الذي جعله الله تعالى راحة لأبدانهم وغذاء لأرواحهم ثم أقسم تعالى بالنهار إذا تجلى ، لأن النهار إذا كشف بضوئه ما كان في الدنيا من الظلمة ، جاء الوقت الذي يتحرك فيه الناس لمعاشهم والطير والهوام من مكانها ، فلو كان الدهر كله ليلاً لتعذر المعاش ، ولو كان كله نهاراً لبطلت الراحة ، لكن المصلحة في تعاقبهما ، كما قال تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } [ الفرقان : 62 ] ، وقال تعالى : { وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ } [ إبراهيم : 33 ] , فقوله { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } أي : انكشف وظهر وبان بضوئه عن ظلمة الليل . وقرأ العامة : " تَجَلّي " فعلاً ماضياً ، وفاعله ضمير عائد على النهار . وقرأ عبد الله بن عمير : " تتجلى " بتاءين ، أي : الشمس ، وقرأ " تُجْلِي " بضم التاء وسكون الجيم أي : الشمس أيضاً ، ولا بد من عائد على النهار محذوف أي : تتجلى أو تجلى فيه . قوله : { وَمَا خَلَقَ } . يجوز في " ما " أن تكون بمعنى " من " على ما تقدم في سورة " والشمس " . قال الحسن : معناه ، والذي خلق فيكون قد أقسم بنفسه تعالى . وقيل : مصدرية . قال الزمخشري : " والقادر : العظيم القدرة الذي قدر على خلق الذكر والأنثى من ماء واحد " ، وقد تقدم هذا القول ، والاعتراض عليه ، والجواب عنه في السورة قبلها . وقرأ أبو الدرداء : " والذكر والأنثى " ، وقرأ عبد الله : " والذي خلق " وقرأ الكسائي ، ونقلها ثعلبة عن بعض السلف : { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرِ } بجر الذكر . قال الزمخشري : " على أنه بدل من محل ما خلق بمعنى وما خلقه الله ، أي : ومخلوق الله الذكر والأنثى ، وجاز إضمار اسم الله لأنه معلوم بالخلق ، إذ لا خالق سواه " . وقيل : المعنى ، وما خلق من الذكر والأنثى ، فتكون " من " مضمرة ، ويكون القسم منه بأهل طاعته ، من أنبيائه وأوليائه ويكون قسمه بهم تكريماً لهم وتشريفاً . قال أبو حيان : وقد يخرج على توهم المصدر ، أي : وخلق الذكر ؛ كقوله : [ المتقارب ] @ 5224 - تَـطُـوفُ العُفَـاةُ بـأبْـوابِـهِ كمَـا طَـافَ بالبَيْعَـةِ الرَّاهـبِ @@ بجر " الراهب " على توهم النطق بالمصدر ، أي : كطوف الراهب انتهى . والذي يظهر في تخريج البيت أن أصله : الراهبي - بياء النسب - ثم خفف ، وهو قليل ، كقولهم : أحمري ، وداودي ، وهذا التخريج بعينه في قول امرئ القيس : [ الطويل ] @ 5225 - … … فَقِلْ في مَقِيلٍ نَحسـهُ مُتغيِّبِ @@ لما استشهد به الكوفيون على تقديم الفاعل . وروي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان يقرأ : { وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ وٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } ويسقط { وَمَا خَلَقَ } . وفي صحيح مسلم عن علقمة ، قال : قدمنا " الشام " ، فأتانا أبو الدرداء ، فقال : فيكم أحد يقرأ عليّ قراءة عبد الله ؟ فقلت : نعم ، أنا ، قال : فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ } ؟ قال : سمعته يقرأ " والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ، والذكر والأنثى " قال . وأنا والله هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ، ولكن هؤلاء يريدون أن أقرأ " ومَا خَلَقَ " فلا أتابعهم . وقال ابن الأنباري : حدثنا محمد بن يحيى المروزي بسنده إلى عبد الله ، قال : أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنِّي أنَا الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المتينُ " . قال ابن الأنباري : كل من هذين الحديثين مردود بخلاف الإجماع له ، وإن حمزة وعاصماً يرويان عن عبد الله بن مسعود فيما عليه جماعة من المسلمين ، وموافقة الإجماع أولى من الأخذ بقول واحد يخالفه الإجماع . فصل في المراد بالذكر والأنثى قيل المراد بالذكر والأنثى ، آدم وحواء - عليهما الصلاة والسلام - قاله ابن عباس والحسن والكلبي . وقيل : جميع الذكور والإناث من جميع الحيوانات . وقيل : كل ذكر وأنثى من الآدميين فقط لاختصاصهم بولاية الله تعالى وطاعته . فصل في معنى الآية وقوله : { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } . هذا جواب القسم ، والمعنى : إن أعمالكم لتختلف ، [ ويجوز أن يكون محذوفاً كما قيل في نظائره المتقدمة ، وشتى واحدهُ شتيت مثل مريض ومرضى ، وإنما قيل للمختلف : شتَّى ، لتباعد ما بين بعضه وبعضه ، أي إن أعمالكم المتباعدة بعضه عن بعض لشتى ، لأن بعضه ضلالة وبعضه هدى ، أي : فمنكم مؤمن ، وبر ، وكافر ، وفاجر ، ومطيع ، وعاص . وقيل : لشتَّى أي : لمختلف الجزاء فمنكم مثاب بالجنة ومعاقب بالنار وقيل لمختلف الأخلاق ، فمنكم راحم وقاسي وحليم وطائش وجواد وبخيل ] قال المفسرون : نزلت هذه الآية في أبي بكر - رضي الله عنه - وأبي سفيان .