Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 92, Ayat: 5-11)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } . قال ابن مسعود - رضي الله عنه - يعني أبا بكر ، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ } أي : بذل واتقى محارم الله التي نهي عنها { وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي : بالخلف من الله تعالى على عطائه { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ يَومٍ غَربت شَمْسهُ إلا بُعِثَ بجَنْبتها مَلكانِ يُنَاديانِ يَسْمَعُهمَا خلقُ اللهِ كُلُّهم إلاَّ الثَّقليْنِ : اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفقاً خَلفاً ، وأعْطِ مُمْسِكاً تَلفاً " . وأنزل الله تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ } … الآيات . فصل حذف مفعول " أعطى " ومفعول " اتقى " ، ومفعول " صدّق " المجرور بـ " على " ، لأن الغرض ذكرُ هذه الأحداث دون متعلقاتها ، وكذلك متعلقات البخل والاستغناء ، وقوله تعالى : { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } إما من باب المقابلة لقوله { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ } وإما نيسرهُ : بمعنى نهيئه ، والتهيئة تكون في العسر واليسر . فصل في المراد بالإعطاء قال المفسرون : " فأمَّا مَنْ أعْطَى " المعسرين . وقال قتادة : أعطى حق الله الواجب . وقال الحسن : أعطى الصدق من قلبه وصدق بالحسنى ، أي بلا إله إلا الله ، وهو قول ابن عباس والضحاك والسلمي رضي الله عنهم . وقال مجاهد : بالجنة ؛ لقوله تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] . وقال زيد بن أسلم : في الصلاة والزكاة والصوم . وقوله : " فسنيسره لليسرى " أي نرشده لأسباب الخير والصلاح حتى يسهل عليه فعلها . وقال زيد بن أسلم : لليسرى ؛ للجنة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " مَا مِن نَفسٍ إلاَّ كتَبَ اللهُ - تَعَالَى - مَدخَلهَا " فقال القَوْمُ : يَا رسُولَ اللهِ ، أفَلا نَتَّكِلُ على كِتَابِنَا ؟ فقَال - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - : " بَل اعملُوا فكُلٌّ مُيسَّرٌ ، فمن كانَ من أهْلِ السَّعَادةِ فإنَّهُ مُيَسَّرٌ لعملِ أهْلِ السَّعادةِ ، ومن كَانِ مِنْ أهْلِ الشَّقَاوةِ فإنَّهُ ميسَّرٌ لعملِ أهْلِ الشَّقاوةِ " ثُمَّ قَرَأ : { فأما من أعْطَى واتَّقَى ، وصَدقَ بِالحُسْنَى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى } " . قوله : { وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ } . أي : ضنَّ بما عنده فلم يبذل خيراً ، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله : { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } ، قال : سوف أحول بينه وبين الإيمان بالله وبرسوله . وعن ابن عباس رضي الله عنه قال نزلت في أمية بن خلف . وعن ابن عباس : { وأمَّا من بَخِلَ واسْتَغَنَى } ، أي : بخل بماله واستغنى عن ربه { وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ } أي : بالخلف الذي وعده الله تعالى في قوله تعالى : { وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } [ سبأ : 39 ] . [ وقال مجاهد : وكذب بالحسنى أي بالجنة ، وعنه : بلا إله إلا الله . فنيسره للعسرى أي نسهل عليه طريقة العسرى للشر ، وعن ابن مسعود : أي للنار ] . قوله : { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ } يدل على أن التوفيق والخذلان من الله تعالى لأن التيسير يدل على الرجحان ولزم الوجوب ، لأنه لا واسطة بين الفعل والترك ، ومع الاستواء لا ترجيح فحال المرجوحية أولى بالامتناع ، ومتى امتنع أحد الطرفين وجب الآخر إذ لا خروج عن النقيضين . أجاب القفال : أنه من باب تسمية أحد الضدين باسم الآخر ، كقوله تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ } [ الشورى : 40 ] فسمى الله الألفاظ الداعية إلى الطَّاعة تيسيراً لليسرى ، وسمى ترك هذه الألفاظ تيسيراً للعسرى ، أو هو من باب إضافة الفعل إلى السبب دون الفاعل ، كقوله تعالى : { إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً } [ إبراهيم : 36 ] ، أو يكون على سبيل الحكم ، والإخبار عنه . وأجيب بأن هذا كلهُ عدول عن الظاهر ، والظاهر من جهتنا وهو المقصود من الحديث المتقدم : " مَا مِنْ نَفْسٍ مَنفوسةٍ " . قال القفال : معنى الحديث : أن النَّاس خلقوا للعبادة ، قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] ، وهذا ضعيفٌ ؛ لأن هذا جواب عن قولهم : " ألا نتكل " ؟ فقال : اعملوا فكلٌّ ميسر ، لما وافق معلوم الله تعالى . فصل في اليسرى والعسرى التأنيثُ في " اليُسرَى " و " العُسرَى " إن أريد جماعة الأعمال فظاهر ، وإن أريد عمل من الأعمال باعتبار الخصلة ، أو الفعلة ، أو الطريقة ، فمن فسر اليسرى بالجنة ، فتيسيرها بإكرام ، وسهولة ، ومن فسرها بالخير ، فتيسيره حضّه عليه ونشاطه ، بخلاف المنافق والمرائي ، ودخلت السين في " فَسنُيسِّرهُ " بمعنى الترجي ، وهذا يفيد القطع من الله تعالى ، أو لأن الأعمال بالخواتيم ، فقد يعصي المطيع ، وبالعكس ، أو لأن أكثر الثواب يكون بالآخرة ، وهي متأخرة . قوله : { وَمَا يُغْنِي } ، يجوز أن تكون " ما " نافية ، أي : لا يغني عنه ماله شيئاً ، وأن تكون استفهاماً إنكارياً ، أي : أيُّ شيء يغني عنه ماله إذا هلك ، ووقع في جهنم وتردى ، ويروى إما من الهلاك يقال : ردي الرجل يردي ، إذا هلك ؛ قال : [ الطويل ] @ 5226 - صَـرَفْتُ الهَـوَى عَنهُـنَّ مِـنْ خَشْيَـةِ الـرَّدَى @@ وقال أبو صالح وزيد بن أسلم : تردى ، أي سقط في جهنم ، ومنه " المتردية " ، ويقال : ردي من في البئر وتردى : إذا سقط في بئر أو نهر أو من جبل ، ويقال : ما أدري أين ردى أي أين ذهب . ويحتمل أن يكون من تردى ، وهو كناية عن الموت ؛ كقوله : [ الكامل ] @ 5227 - وخُطَّا بأطْرافِ الأسنَّةِ مَضْجعِي ورُدَّا عَلى عيْنيَّ فضْلَ رِدائِيَا @@ وقول الآخر : [ الطويل ]