Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 93, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلضُّحَىٰ وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } ، تقدم الكلام في " الضُّحَى " والمراد به هنا : النهارُ ، لمقابلته بقوله تعالى : { وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } ، ولقوله تعالى : { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } [ الأعراف : 98 ] ، أي : نهاراً . وقال قتادة ومقاتل وجعفر الصادق ، أقسم بالضحى الذي كلم الله فيه موسى - عليه الصلاة والسلام - وبليلة المعراج . وقيل : " الضُّحَى " هي الساعة التي خرّ فيها السحرة سُجَّداً لقوله تعالى : { وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } [ طه : 59 ] . وقال القرطبي : " يعني عباده الذين يعبدونه في وقت الضحى ، وعباده الذين يعبدونه بالليل إذا أظلم " . وقيل : الضحى نور الجنة ، والليل ظلمة النار . وقيل : الضحى نور قلوب العارفين كهيئة النهار ، والليل سواد قلوب الكافرين كهيئة الليل ، أقسم تعالى بهذه الأشياء . وقال أهل المعاني فيه وفي أمثاله : فيه إضمار مجازه ورب الضحى وسيجيء معناه . و " سَجَى " ، أي : سكن ، قاله قتادة ومجاهد وابن زيد وعكرمة . يقال : ليلة ساجية ، أي : ساكنة . ويقال للعين إذا سكن طرفها ساجية ، ويقال : سَجَا الشَّيءُ سَجْواً إذا سكن ، وسَجَا البحر سُجُوًّا ، أي : سكنت أمواجُه وطرف ساج ، أي : فاتر ، ومنه استعير تسجية الميت ، أي : تغطيته بالثواب ؛ قاله الراغب . وقال الأعشى : [ الطويل ] @ 5232 - فَمَا ذَنْبُنَا أنْ جَاشَ بَحْرُ ابْنِ عمِّكُم وبَحْرُكَ سَاجٍ ما يُوَارِي الدَّعَامِصَا @@ وقال الفراء : أظلم . وقال ابن الأعرابي : اشتد ظلامه . وقال الشاعر : [ الرجز ] @ 5233 - يا حَبَّذَا القَمراءُ واللَّيلُ السَّاجْ وطُرقٌ مِثْلُ مُلاءِ النَّسَّاجْ @@ [ قال الضحاك : سجا غطى كل شيء . قال الأصمعي : سجو الليل ؛ تغطيته النهار ، ومثل ما يسجَّى الرجل الثوب . وعن ابن عباس : سجا أدبر ، وعنه : أظلم . وقال سعيد بن جبير : أقبل . وعن مجاهد : سَجَا : استوى . والقول الأول أشهر في اللغة ، أي : سكن الناس فيه كما قال : نهار صائم وليل قائم . وقيل : سكونه استقرار ظلامه ، وهو من ذوات الواو ، وإنما أميل لموافقة رءوس الآي ، كالضحى ، فإنه من ذوات الواو أيضاً ] . فصل قال ابن الخطيب : وقدم هنا الضحى ، وفي السورة التي قبلها قدم الليل إما لأن لكلَّ منهما أثر عظيمٌ في صلاح العالم ، ولليل فضيلة السبق لقوله تعالى : { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ } [ الأنعام : 1 ] ، وللنهار فضيلة النور ، فقدم سبحانه هذا تارة وقدم هذا تارة ، كالركوع والسجود في قوله تعالى : { ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ } [ الحج : 77 ] وقوله تعالى : { وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } [ آل عمران : 43 ] . وقيل : قدم الليل في سورة أبي بكر - رضي الله عنه - لأن أبا بكر سبقه كفر ، وقدم الضحى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه نور محض ، ولم يتقدمه ذنب . وقيل : لما كانت سورة " الليل " سورة أبي بكر - رضي الله عنه - وسورة " الضحى " سورة محمدٍ صلى الله عليه وسلم لم يجعل بينهما واسطة ، ليعلم أنه لا واسطة بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر رضي الله عنه . فصل في ذكر الضحى والليل قال ابن الخطيب : وذكر الضحى ، وهو ساعة ، وذكر الليل بجملته ، إشارة إلى أن ساعة من النهار توازي جميع الليل ، كما أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم يوازن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وأيضاً : فالضحى وقت السرورٍ ، والليل وقتُ الوحشةِ ، ففيه إشارة إلى أن سرور الدنيا ، أقل من شرورها ، وأن هموم الدنيا أدوم من سرورها ، فإن الضحى ساعة ، والليل ساعات ، يروى أن الله - سبحانه وتعالى - لما خلق العرش أظلت غمامة سوداء ، ونادت : ماذا أمطر ؟ فأجيبت أن أمطري الهموم والأحزان مائة عامٍ ، ثم انكشفت ، فأمرت مرة أخرى بذلك ، وهكذا إلى ثلاثمائة سنة ، ثم بعد ذلك أظَّلت عن يمين العرش غمامة بيضاء ، ونادت ماذا أمطر ؟ فأجيبت أن أمطري السرور ساعة فلهذا ترى الهموم ، والأحزان دائمة ، والسرور قليلاً ونادراً ، وقدم ذكر الضحى لأنه يشبه الحياة ، وأخر الليل ؛ لأنه يشبه الموت . قوله : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } ، هذا جواب القسم ، والعامة : على تشديد الدال من التوديع . وقرأ عروة بن الزبير وابنه هاشم ، وابن أبي عبلة ، وأبو حيوة بتخفيفها ، من قولهم : " ودَعَهُ " ، أي : تركه والمشهور في اللغة الاستغناء عن " ودع ، ووذرَ " واسم فاعلهما ، واسم مفعولهما ومصدرهما بـ " ترك " وما تصرف منه ، وقد جاء " ودع ووذَرَ " ؛ قال الشاعر : [ الرمل ] @ 5234 - سَلْ أمِيرِي : ما الَّذي غَيَّرهُ عَنْ وصالِي اليَـوْمَ حَتَّـى وَدَعَهْ @@ وقال آخر : [ الطويل ] @ 5235 - وثَمَّ ودعْنَا آل عمرٍو وعامِرٍ فَرائِسَ أطْرافِ المُثقَّفَةِ السُّمْرِ @@ قيل : والتوديع مبالغة في الودع ؛ لأن من ودعك مفارقاً ، فقد بالغ في تركك . قال القرطبيُّ : واستعماله قليل يقال : هو يدع كذا ، أي : يتركه . قال المبرد : لا يكادون يقولون : ودع ، ولا ذر ، لضعف الواو إذا قدمت ، واستغنوا عنهما بـ " ترك " . قوله : { وَمَا قَلَىٰ } ، أي : ما أبغضك ، يقال : قلاه يقليه - بكسر العين في المضارع - وتقول : قلاه يقلاه ، بالفتح ؛ قال : [ الهزج ] @ 5236 - أيَـا مَنْ لَسـتُ أنسَـاهُ وَلاَ والـلَّـهِ أقْـلاهُ لَـكَ الـلَّـهُ عَلَـى ذَاكَـا لَـكَ الـلَّـهُ لَـكَ الـلَّـهُ @@ وحذف مفعول " قَلاَ " مراعاة للفواصل مع العلم به ، وكذا بعد " فآوَى " وما بعده . فصل في " القِلَـى " القلى : البغض ، أي : ما أبغضك ربك منذ أحبك ، فإن فتحت القاف مددت ، تقول : قلاه يقليه قى وقلاء ، كما تقول : قريت الضيف أقرية قرى وقراء ، ويقلاه : لغة طيىء . وأنشد : @ 5237 - أيَّـامَ أمِّ الغَمْـرِ لا نَقْـلاَهَا @@ أي : لا نبغضها ، ونقلي : أي : نبغض ؛ وقال : [ الطويل ] @ 5238 - أسِيئِي بِنَا أو أحْسِنِي لا ملُومَةٌ لَديْنَا ولا مَقلِيَّةٌ إنْ تقلَّتِ @@ وقال امرؤ القيس : [ الطويل ] @ 5239 - … … ولَسْـتُ بِمقْلِيِّ الخِـلالِ ولا قَـالِ @@ ومعنى الآية : ما ودعك ربك وما قلاك ، فترك الكاف ، لأنه رأس آية ، كقوله تعالى : { وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ } [ الأحزاب : 35 ] أي : والذاكرات الله . فصل في سبب نزول الآية قال المفسرون : انحبس الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر يوماً . وقال ابن عباس : خمسة عشر يوماً [ وقيل خمسة وعشرين يوماً . وقال مقاتل : أربعين يوماً ] . فقال المشركون : إن محمداً صلى الله عليه وسلم قلاه ربه وودعه ، ولو كان أمره من الله لتابع عليه كما كان يفعل بمن كان قبله من الأنبياء ، فنزلت هذه الآية . وروى البخاريُّ عن جندب بن سفيان قال : اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين ، أو ثلاثاً ، فجاءت أم جميل امرأة أبي لهب - لعنة الله عليها - فقالت : يا محمدُ ، إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك ، لم أره قربك ليلتين ، أو ثلاث ، فأنزل الله تعالى : { وَٱلضُّحَىٰ وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } . وروي عن أبي عمران الجوني : قال : أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم حتى شق عليه ، فجاءه وهو واضع جبهته على الكعبة يدعو ، فنكت بين كتفيه ، وأنزل عليه : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } . وروي أن خولة كانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : " إن جرواً دخل البيت ، فدخل تحت السرير فمات ، فمكث نبي الله أياماً لا ينزل عليه الوحي ، فقال : " يا خولةُ ما حدثَ في بَيْتِي ؟ ما لِجِبْريلَ لا يَأْتِينِي " ؟ قالت خولة : فقلت : لو هيأت البيت ، وكنسته ، فأهويت بالمكنسة تحت السرير ، فإذا جرو ميت ، فأخذته ، فألقيته خلف الجدار ، فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم ترعد لحياه - وكان إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة - فقال : يا خولة دثِّرِيِنْي ، فأنزل الله هذه السورة ، ولما نزل جبريل سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن التّأخر ، فقال : " أما عَلِمْتَ أنَّا لا ندخلُ بَيْتَاً فيهِ كَلبٌ ، ولا صُورةٌ " . وقيل : لما سألته اليهود عن الروح ، وذي القرنين وأهل الكهف ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " سَأخْبركُمْ غداً " ولم يقل : إن شاء الله ، فاحتبس عنه الوحي إلى أن نزل جبريل - عليه السلام - بقوله تعالى : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الكهف : 23 ، 24 ] ، فأخبره بما سئل عنه ، وفي هذه القصة نزلت : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } . قوله : { وَلَلآخِرَةُ } الظاهر في هذه اللام أنها جواب القسم ، وكذلك وفي " ولسَوْفَ " أقسم الله تعالى على أربعة أشياءٍ : اثنان منفيان ، وهما توديعه وقلاه ، واثنان مثبتان مؤكدان ، وهما كون الآخرة خيراً له من الأولى ، وأنه سوف يعطيه ما يرضيه . وقال الزمخشري : " فإن قلت : ما هذه اللام الداخلة على " سَوْفَ " ؟ . قلت : هي لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة ، والمبتدأ محذوف ، تقديره : وأنت سوف - كما ذكرنا في " لأقسمُ " أن المعنى : لأنا أقسم - وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم ، أو ابتداء ، فلام القسم لا تدخل مع المضارع إلا مع نون التوكيد ، فبقي أن تكون لام ابتداء ، ولام الابتداء لا تدخل إلاَّ على الجملة من المبتدأ ، والخبر ، فلا بد من تقدير مبتدأ ، وخبره ، وأن يكون أصله : ولأنت سوف يعطيك " . ونقل أبو حيَّان عنه ، أنه قال : " وخلع من اللام دلالتها على الحال " انتهى . وهذا الذي رده على الزمخشري ، يختار منه : أنها لام القسم ، وقوله : " لا يدخل مع المضارع إلا مع نون التوكيد " ، استثنى النحاة منه صورتين : إحداهما : أن لا يفصل بينها وبين الفعل حرف التنفيس كهذه الآية ، وكقولك : " والله لسأعطيك " . والثاني : ألاَّ يفصل بينهما بمعمول الفعل ، كقوله : { لإِلَى ٱللهِ تُحْشَرُونَ } [ آل عمران : 158 ] . ويدل لما قلت ما قال الفارسي : ليست هذه اللام هي التي في قولك : " إن زيداً لقائم " ، بل هي التي في قولك : " لأقُومنَّ " ونابت " سَوْفَ " عن إحدى نوني التأكيد ، فكأنه قال : ولنعطينك . وقوله : " خلع منها دلالتها على الحال " يعني أن لام الابتداء الداخلة على المضارع مخلصة للحال وهنا لا يمكن ذلك ؛ لأجل حرف التنفيس ، فلذلك خلعت الحالية منها . وقال أبو حيَّان : واللام في " وللآخِرةُ " لام ابتداء أكدت مضمون الجملة ، ثم حكى بعض ما تقدم عن الزمخشري وأبي علي ، ثم قال : " ويجوز عندي أن تكون اللام في " وللآخِرَةُ خَيْرٌ " وفي " ولسَوْفَ يُعْطِيكَ " اللام التي يُتَلَقَّى بها القسم ، عطفهما على جواب القسم ، وهي قوله تعالى : { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ } ، فيكون هذا قسماً على هذه الثلاثة " انتهى . فظاهره أن هذه اللام في " وللآخِرةُ " لام ابتداء غير متلقى بها القسم بدليل قوله ثانياً : " ويجوز عندي " ، ولا يظهر انقطاع هذه الجملة عن جواب القسم ألبتة ، وكذلك في " وَلَسَوْفَ " ، وتقدير الزمخشريِّ : مبتدأ بعدها لا ينافي كونها جواباً للقسمِ ، إنَّما منع أن يكون جواباً لكونها داخلة على المضارع لفظاً ، وتقديراً . وقال ابن الخطيب : فإن قيل : ما معنى الجمع بين حرفي التأكيد والتأخير ؟ . قلت : معناه أن العطاء كائن لا محالة وإن تأخر لما في التأخير من المصلحة . فصل قال إبن إسحاق : معنى قوله : { وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } ، أي : ما عندي من مرجعك إليَّ يا محمد خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا . روى علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّا أهْل بيتٍ اخْتَارَ اللهُ لنَا الآخِرَةِ على الدُّنْيَا " . وقوله تعالى : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } روى عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : هو الشفاعة في أمته حتى يرضى ، وهو قول علي والحسن . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص : " أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى في إبراهيم عليه الصلاة والسلام : { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ إبراهيم : 36 ] ، وهو قول عيسى - عليه الصلاة والسلام - : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } [ المائدة : 118 ] ، الآية ، فرفع يديه وقال : " اللَّهُمَّ أمَّتِي أمَّتِي " وبكى ، فقال الله تعالى لجبريل " اذهب إلى محمد ، وربُّك أعلم ، فسلهُ ما يُبْكِيكَ " فأتى جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره ، فقال الله تعالى لجبريل : " اذهب إلى محمد ، فقل له : إن الله يقول لك : إنَّا سَنُرضِيْكَ فِي أمَّتكَ ، ولا نَسُوءَكَ " وقال حرب بن شريح : سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : إنكم يا معشر أهل العراق تقولون : إنَّ أرْجَى آية في كتاب الله تعالى : { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ } [ الزمر : 53 ] قالوا : إنا نقول ذلك ، قال : ولكنا أهل البيت نقول : إن أرجى آية في كتاب الله : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } . وقيل : يعطيك ربك من الثواب ، وقيل : من النصر ، فترضى ، وقيل : الحوض والشفاعة . فصل في الكلام على انقطاع الوحي وجه النظم ، كأنه قيل : انقطاع الوحي لا يكون عزلاً عن النبوّة ، بل غايته أنه أمارة الموت للاستغناء عن الرسالة ، فإن فهمت منه قرب الموت ، فالموت خير لك من الأولى ، وفهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخطاب بقوله : ما ودعك ربك وما قلى تشريفاً عظيماً ، فقيل له : { وللآخِرةُ خيرٌ لك من الأوْلَى } ، أي : أنَّ الأحوال الآتية خير لك من الماضية ، فهو وعد بأنه سيزيده عزَّا إلى عزِّه ، وبيان أن الآخرة خيرٌ ، كأنه صلى الله عليه وسلم يفعل فيها ما يريد ، ولأنه آثرها فهي ملكه ، وملكه خير مما لا يكون ملكه ، أو لأن الكفار يؤذونك وأمتك في الدنيا ، وأما في الآخرة فهم شهداء على الناس ، أو لأن خيرات الدنيا قليلة مقطوعة ، ولم يقل : خير لك ، لأن فيهم من الآخرة شر له ، فلو ميزهم لافتضحوا .