Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 98, Ayat: 6-8)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَٱلْمُشْرِكِينَ } كما مرَّ في أول السورة ، وقوله تعالى : { فِي نَارِ } هذا هو الخبر ، و { خَالِدِينَ } حال من الضمير المستكن في الخبر . قوله : { أَوْلَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ } . وقرأ نافع وابن ذكوان : " البريئة " بالهمز في الحرفين ، والباقون : بياء مشددة . واختلف في ذلك الهمز ، فقيل : هو الأصل من برأ الله الخلق ، ابتدأه واخترعه ، قال تعالى : { مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } [ الحديد : 22 ] ، فهي فعيلة بمعنى مفعولة ، وإنما خففت والتزم تخفيفها عند عامة العرب . وقد تقدم أن العرب التزمت غالباً تخفيف ألفاظ منها : النبي ، والجاثية ، والذرية . قال القرطبي : " وتشديد الياء عوض من الهمزة " . وقيل : " البريَّة " دون همز مشتقة من " البرى " وهو التراب ، فهي أصل بنفسها ، والقراءتان مختلفتا الأصل متّفقتا المعنى . إلا أن عطية ضعف هذا ، فقال : " وهذا الاشتقاق يجعل الهمز خطأ ، وهو اشتقاق غير مُرْض " انتهى . يعني أنه إذا قيل : إنها مشتقة من " البرى " وهو التراب ، فمن أين تجيء الهمزة في القراءة الأخرى . قال شهاب الدين : " هذا غير لازم ، لأنهما قراءتان مشتقتان ، لكل منهما أصل مستقل ، فتلك من " برأ " ، أي : خلق ، وهذه من " البرى " لأنهم خلقوا منه ، والمعني بالقراءتين شيء واحد وهو جميع الخلق ، ولا يلتفت إلى من ضعف الهمز من النحاة لثبوته متواتراً " . قال القشيريُّ : " ومن قال : البرية من البرى ، وهو التراب ، قال : لا تدخل الملائكة تحت هذه اللفظة " . وقيل : البرية : من بريت القلم ، أي قدرته ، فتدخل فيه الملائكة ، ولكنه قول ضعيف ؛ لأنه يجب فيه تخطئةُ من همز . وقوله : { هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ } ، أي : شر الخليقة ، فقيل : يحتمل أن يكون على التعميم . وقال قوم : أي هم شرُّ البرية الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى : { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } [ البقرة : 47 ] ، أي : على عالمي زمانكم ، ولا يبعد أن يكون في كفار الأمم قبل هذا من هو شرّ منهم ، مثل : فرعون ، وعاقر ناقة صالح ، وكذا قوله : { خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } إما على التعميم ، أو خير برية عصرهم ، وقد استدل بقراءة الهمزة من فضل بني آدم على الملائكة . وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - : المؤمن أكرم على الله - عزَّ وجلَّ - من بعض الملائكة الذين عنده . وقرأ العامة : { خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } مقابلاً لـ " شرّ " . وقرأ عامر بن عبد الواحد : " خِيارُ البريَّةِ " وهو جمع " خير " نحو : جِيَاد ، وطِيَاب ، في جمع جيد وطيب ؛ قاله الزمخشريُّ . قال ابن الخطيب : وقدم الوعيد على الوعد ، لأنه كالداء ، والوعد : كالغذاء والدَّواء ، فإذا بقي البدن استعمل الغذاء ، فينتفع به البدن ، لأن الإنسان إذا وقع في شدة رجع إلى الله تعالى ، فإذا نال الدنيا أعرض . قوله : { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } . أي : ثوابهم عند خالقهم ومالكهم { جَنَّاتُ عَدْنٍ } . قال ابن الخطيب : قال بعض الفقهاء : من قال : لا شيء لي على فلان انتفى الدين ، وله أن يدعي الوديعة ، وإن قال : لا شيء لي عنده انصرف إلى الوديعة دون الدين ، ولإن قال : لا شيء لي قبلهُ انصرف إليهماً معاً ، فقوله تعالى : { عِندَ رَبِّهِمْ } يفيد أنها أعيان مودعة عنده ، والعين أشرف من الدين ، والضمان إنما يرغب فيه خوف الهلاك ، وهو محال في حقه تعالى . وتقدم الكلام على نظيره . قوله : { تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } ، الجنات : البساتين ، والعدن : الإقامة ، يقال : عدن بالمكان يعدن عدناً وعدوناً ، أي : أقام . ومعدن الشيء : مركزه ومستقره ، وقيل : " عدن " : بطنان الجنة ووسطها . قوله : { خَالِدِينَ فِيهَآ } ، حال عامله محذوف ، تقديره : ادخلوها خالدين ، أو أعطوها ، ولا يجوز أن يكون حالاً من الضمير المجرور في " جزَاؤهُم " لئلا يلزم الفصلُ بين المصدر ومعموله بأجنبي ، على أنَّ بعضهم : أجازه من " هم " واعتذر هنا بأن المصدر غير مقدر بحرف مصدري . قال أبو البقاء : وهو بعيد ، وأما " عِند ربِّهِمْ " فيجوز أن يكون حالاً من " جَزاؤهُمْ " ، وأن يكون ظرفاً له ، و " أبَداً " ظرف مكان منصُوب بـ " خالدِيْنَ " . أي لا يظعنون ولا يموتون . قوله : { رِّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } ، يجوز أن يكون دعاء مستأنفاً ، وأن يكون خبراً ثانياً ، وأن يكون حالاً ثانياً بإضمار " قَد " عند من يلزم ذلك . قال ابن عباس : " رضي اللهُ عنهُمْ ورَضُوا عنه " أي : رضوا بثواب الله تعالى . قوله : { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } أي : ذلك المذكور من استقرار الجنة مع الخلود . أي : خاف ربه ، فتناهى عن المعاصي . روى أنس - رضي الله عنه - " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبيِّ بن كعب : إن الله تَعالَى أمَرنِي أنْ أقْرَأ عليْكَ : { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، قال : وسمَّاني لك ؟ قال - عليه الصَّلاة والسلام - : " نَعم " فبكى " خرجه البخاري ومسلم . قال القرطبيُّ : " من الفقه قراءة العالم على المتعلم " . قال بعضهم : إنما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على أبيٍّ ، ليعلم الناس التواضع لئلا يأنف أحد من التعليم والقراءة على من دونه من المنزلة . وقيل : إن أبياً كان أسرع آخذاً لألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلم غيره ، فأراد بقراءته عليه أن يأخذ ألفاظه ويقرأ كما سمع منه صلى الله عليه وسلم ، وفيه فضيلة عظيمة لأبيّ رضي الله عنه وعن بقية الصحابة أجمعين إذ أمر صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه . والله أعلم .