Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 99, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } . " إذّا " شرط ، وجوابه " تُحدِّثُ " ، وهو النَّاصب لها عند الجمهور . وجوَّز أبو البقاء أن يكون العامل فيها مصدراً . وغيره يجعل العامل فيها ما بعدها ، وإن كان معمولاً لها بالإضافة تقديراً ، واختاره مكي ، وجعل ذلك نظير " من وما " ، يعني أنهما يعملان فيما بعدهما الجزم ، وما بعدهما يعمل فيهما النصب ، ولو مثل بـ " أي " لكان أوضح . وقيل : العامل فيها مقدر ، أي : يحشرون . وقيل : اذكر ، وحينئذ يخرج عن الظرفية والشرط . فصل في المناسبة بين أول هذه السورة وآخر السورة المتقدمة وجه المناسبة بين أول هذه السُّورة وآخر السورة المتقدمة ، أنه تعالى لما قال : { جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } فكأن المكلف قال : ومتى يكون ذلك ؟ . فقيل له : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ } فالعاملون كلهم يكونون في الخوف ، وأنت في ذلك الوقت تنال جزاءك ، وتكون آمناً ، لقوله تعالى : { وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءَامِنُونَ } [ النمل : 89 ] . وقيل : لما ذكر في السُّورة المتقدمة وعيد الكافر ووعد المؤمن أراد أن يزيد في وعيد الكافر ، فقال : أجازيه ، حتى يقول الكافر السابق ذكره : ما للأرض تزلزلت ، نظيره { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [ آل عمران : 106 ] ، فذكر سبحانه الطائفتين ، وذكر ما لكل طائفةٍ ، ثم جمع بينهما في آخر السورة بذكر الذرة من الخير ، فإن قيل : " إذَا " للوقت ، فكيف وجه البداية بها في السورة ؟ الجواب : أنهم كانوا يسألونه عن الساعة ، فقال تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } فإنه تعالى يقول : لا سبيل إلى تعيينها بحسب وقتها ، ولكن أعينه بحسب علاماته ، أو أنه تعالى أراد أن يخبر المكلف أن الأرض تتحدث وتشهد يوم القيامة مع أنها في هذه الساعة جماد ، فكأنه لما قيل : متى يكون ذلك ؟ قال تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ } . فصل في معنى الزلزلة روى عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه كان يقول : النفخة الأولى تزلزلها ، وهو قول مجاهد ، لقوله تعالى : { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } [ النازعات : 6 ، 7 ] ، ثم تزلزل ثانية ، فتخرج موتاها ، وهي الأثقال ، وذكر المصدر للتأكيد ، ثم أضيف إلى الأرض ، كقولك : لأعطينَّكَ عطيتك ، أي : عطيتي لك ، وحسن ذلك لموافقة رءوس الآي بعدها . وهو مصدر مضاف لفاعله ، والمعنى زلزالها الذي تستحق ويقتضيه عظمها . قال الزمخشري : " ونحوه قولك : أكرم التقي إكرامه ، وأهن الفاسق إهانته " . قرأ الجمهور : " زِلْزالهَا " بكسر الزاي ، والجحدري وعيسى : بفتحها . قيل : هما مصدران بمعنى . وقيل : المكسور مصدر ، والمفتوح اسم ، قاله الزمخشري . وليس في الأبنية " فعلال " يعني غالباً ، وإلا فقد ورد : ناقة جزعال . قال القرطبيُّ : " والزَّلزال - بالفتح - مصدر ، كالوسواس ، والقلقال والجرْجَار " . قوله : { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } . قال أبو عبيدة والأخفش : إذا كان الميت في بطن الأرض ، فهو ثقل لها ، وإذا كان فوقها ، فهو ثقل عليها . وقال ابن عباس ومجاهد : " أثْقَالهَا " موتاها ، تخرجهم في النفخة الثانية . ومنه قيل للجن والإنس : الثقلان ، وقيل : " أثْقالهَا " : كنوزها ، ومنه الحديث : " تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الإسطوان من الذهب والفضة " . قوله : { وَقَالَ ٱلإِنسَانُ } ، أي ابن آدم ، الكافر . وقال ابن عباس : هو الأسود بن عبد الأسد . وقيل : أراد كلَّ إنسان يشاهد ذلك عند قيام الساعة في النفخة الأولى من مؤمن وكافر ، وقوله : { مَا لَهَا } ابتداء وخبر ، وهذا يرد قول من قال : إن الحال في نحو قوله تعالى : { فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } [ المدثر : 49 ] لازمة لئلا يصير الكلام غير مفيد ، فإنه لا حال هنا ، ومعنى : { مَا لَهَا } أي : ما لها زلزلت ، وقيل : ما لها أخرجت أثقالها ! وهي كلمة تعجب ، أي : لأي شيء زلزلت ؟ ! ويجوز أن يُحيي الله الموتى بعد وقوع النفخة الأولى ، ثم تتحرك الأرض ، فتخرج الموتى ، وقد رأوا الزلزلة ، وانشقاق الأرض عن الموتى فيقولون من الهول : ما لها ، [ كأنهم يخاطبون أنفسهم تعجباً ] . قوله : { يَوْمَئِذٍ } ، أي : يوم إذا زلزلت ، والعامل في " يَومَئذٍ " : " تُحدِّثُ " إن جعلت " إذَا " منصوبة بما بعدها ، [ أو بمحذوف ، وإن جعلت العامل فيها " تحدّث " كان " يومئذ " بدلاً منها فالعامل فيه ] العامل فيها ، أو شيء آخر ، لأنه على تكرير العاملِ ، وهو خلاف مشهور . فصل في معنى الآية معنى " تحدث أخبارها " ، أي : تخبر الأرض بما عمل عليها من خير ، أو شر يومئذ . ثم قيل : هو من قول الله تعالى . وقيل : من قول الإنسان ، أي : يقول الإنسان " مَا لَهَا " ، " تُحدِّثُ أخْبارهَا " متعجباً . روى الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - " قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } قال : أتدْرُونَ ما أخْبارُهَا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنَّ أخبارها أن تشْهَدَ على كُلِّ عبدٍ أو أمةٍ بما عمل على ظهرهَا تقُول : عملَ يَوْمَ كَذَا ، كَذَا وكَذَا ، قال : " فهَذهِ أخْبارُهَا " " . قال الماورديُّ : قوله تعالى : { تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أن تحدث أخبارها بأعمال العباد على ظهرها ، قاله أبو هريرة - رضي الله عنه - ورواه مرفوعاً ، وهو قول من زعم أنها زلزلة القيامة . الثاني : قال يحيى بن سلام : { تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } بما أخرجت من أثقالها ، وهو قول من زعم أنها زلزلة أشراط الساعة . الثالث : قال ابن مسعود : أنها تحدث بقيام الساعة ، إذا قال الإنسان : ما لها ؟ فتحبر أن أمر الدنيا قد انقضى ، وأمر الآخرةِ قد أتى ، فيكونُ ذلك منها جواباً لهم عند سؤالهم ، ووعيداً للكافر ، وإنذاراً للمؤمن . وفي حديثها بأخبارها ثلاثةُ أقاويل : أحدها : أن الله تعالى يقلبها حيواناً ناطقاً ، فتتكلم بذلك . الثاني : أن الله يحدث فيها الكلام . الثالث : أنه يكون منها بيان يقوم مقام الكلام . قال الطبريُّ : تبين أخبارها بالرَّجَّة ، والزلزلة ، وإخراج الموتى . قوله : { بِأَنَّ رَبَّكَ } متعلق بـ " تُحدِّثُ " ، أي : تحدث الأرض بما أوحى إليها ويجوز أن يتعلق بنفس أخبارها . وقيل : الباء زائدة و " أنَّ " وما في حيزها بدل من أخبارها . وقيل : الباء سببية ، أي : بسبب إيحاء الله إليها . وقال الزمخشريُّ : " فإن قلت : أين مفعولاً " تُحدِّثُ " ؟ . قلت : حذف أولهما ، والثاني : أخبارها ، أي : تحدث الخلق أخبارها ، إلا أن المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق تعظيماً لليوم . فإن قلت : بم تعلقت الباء ، في قوله " بأنَّ ربَّك " ؟ . قلتُ : بـ " تحدث " ومعناه : تحدث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها ، وأمره إياها بالتحديث ، ويجوز أن يكون المعنى : يومئذٍ تحدثُ بتحديث أن ربَّك أوحى لها أخبارها على أن تحديثها بأن ربِّك أوحى لها تحديث بأخبارها ، كما تقول : نصحتني كُلَّ نصيحة بأن نصحتني في الدين " . قال أبو حيان : وهو كلام فيه عفش ، ينزه القرآن عنه . قال شهاب الدين : وأي عفش فيه ، فصحته وفصاحته ، ولكنه لما طال تقديره من جهة إفادة هذا المعنى الحسن جعله عفشاً وحاشاه . ثم قال الزمخشري : " ويجوز أن يكون " بأنَّ ربَّك " بدلاً من " أخبارها " كأنه قيل : يومئذ تحدث بأخبارها بأن ربَّك أوحى لها ، لأنك تقول : حدثته كذا ، وحدثته بكذا " . قال أبو حيَّان : " وإذا كان الفعل تارة يتعدى بحرف جر ، وتارة يتعدى بنفسه ، وحرف الجر ليس بزائد ، فلا يجوز في تابعه إلاَّ الموافقة في الإعراب ، فلا يجوز : " استغفرتُ الذنب العظيم " بنصب " الذنب " وجر " العظيم " لجواز أنك تقول : " من الذنب " ، ولا " اخترتُ زيداً الرجال الكرام " بنصب " الرجال " وخفض " الكرام " , وكذلك لا يجوز : " استغفرتُ من الذنب العظيم " بجر " الذنب " ونصب " العظيم " , وكذلك في " اخترتُ " فلو كان حرف الجر زائداً جاز الإتباع على موضع الاسم ، بشروطه المحررة في علم النحو ، تقول : ما رأيت من رجل عاقلاً ، لأن " من " زائدة ، ومن رجل عاقل على اللفظ ، ولا يجوز نصب " رجل " وجر " عاقل " على مراعاة جواز دخول " من " وإن ورد شيء من ذلك ، فبابه الشعر " . انتهى . قال شهاب الدين : ولا أدري كيف يلزم الزمخشري ما ألزمه به من جميع المسائلِ التي ذكرها ، فإن الزمخشري يقول : إن هذا بدل مما قبله ، ثم ذكر مسوغ دخول الباءِ في البدل ، وهو أن المبدل منه يجوز دخول الباء عليه ، فلو حل البدل محل المبدل منه ومعه الباء لكان جائزاً ، لأن العامل يتعدى به ، وذكر مسوغاً لخلو المبدل منه من الباء ، فقال : " لأنك تقول : حدثته كذا وحدثته بكذا " ، وأما كونه يمتنع أن يقول : " استغفرتُ الذنب العظيم " بنصب " الذنب " وجرّ " العظيمِ " إلى آخره ، فليس في كلام الزمخشري شيء منه ألبتة ، ونظير ما قاله الزمخشري في باب " استغفر " ان تقول : استغفرت الله ذنباً من شتمي زيداً ، فقولك " من شتمي " بدل من " الذنب " ، وهذا جائزٌ لا محالة . قوله { أَوْحَىٰ لَهَا } . في هذه اللام أوجه : أحدها : أنها بمعنى " إلى " ، وإنما أوثرت على " إلى " لمراعاة الفواصل ، والمعنى : أوحى لها تحدث أخبارها بوحي الله تعالى لها أي إليها ، والعرب تضع لام الصفة موضع " إلى " ، قال العجَّاجُ يصفُ الأرض : [ الرجز ] @ 5265 - أوْحَى لهَا القَرار فاسْتقرَّتِ وشدَّهَا بالرَّاسياتِ الثُّبَّتِ @@ قاله أبو عبيدة . الثاني : على أصلها ، " أوحَى " يتعدى باللام تارة ، وبـ " إلى " أخرى ، ومنه البيت . الثالث : اللام على بابها من العلة ، والموحى إليه محذوف ، وهو الملائكة ، تقديره : أوحى إلى الملائكة لأجل الأرض ، أي : لأجل ما يفعلون فيها . قال الثوريُّ : تحدث أخبارها مما كان عليها من الطَّاعات والمعاصي ، وما كان على ظهرها من خير وشر .