Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 99, Ayat: 6-8)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يَوْمَئِذٍ } إما بدل من " يَومئذٍ " قبله ، وإما منصوب بـ " يَصْدرُ " ، وإما منصوب بـ " اذكر " مقدراً . وقوله تعالى : { أَشْتَاتاً } : حال من الناس ، وهو جمع " شت " أي : متفرقين في الأمن والخوف والبياض والسواد ، والصدر ضد الورود عن موضع الحساب ، فريق إلى جهة اليمين إلى الجنة ، وفريق إلى جهة الشَّمال إلى النار ، لقوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [ الروم : 14 ] { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [ الروم : 43 ] . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : " أشْتَاتاً " متفرقين على قدر أعمالهم ، أهل الإيمان على حدة ، وأهل كل دين على حدة . وقيل : هذا الصدر إنما هو عند النشور ، يصدرون أشتاتاً ، من القبور إلى موقف الحساب ليروا أعمالهم في كتبهم ، أو ليروا جزاء أعمالهم ، فإنهم وردوا القبور فدفنوا فيها ثم صدروا عنها ، وقوله تعالى : { أَشْتَاتاً } ، أي : يبعثون من أقطار الأرض ، فعلى هذا قوله تعالى : { لِّيُرَوْاْ } متعلق بـ " يصدرُ " ، وعلى القول الأول فيه تقديم وتأخير أي : تحدث أخبارها بأن ربَّك أوحى لها ، ليروا أعمالهم ، واعترض قوله : { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً } متفرقين عن موقف الحساب ، وعلى هذا تتعلق بـ " أوحى " ، وقرأ العامة : ببنائه للمفعول ، وهو من رؤية البصر ، فتعدى بالهمزة إلى ثان ، وهو أعمالهم ، والتقدير : ليريهم الله أعمالهم . وقرأ الحسن والأعرج : وقتادة ، وحماد بن سلمة ، ونصر بن عاصم ، وطلحة ، ويروى عن نافع : بفتحها . قال الزمخشري : وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً للفاعل . قوله : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } . قال ابن عباس - رضي الله عنه - : من يعمل من الكفار مثقال ذرة خيراً يره في الدنيا ، ولا يثاب عليه في الآخرة ، ومن يعمل مثقال ذرة من شر عوقب عليه في الآخرة مع عقاب الشرك ، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من المؤمنين يره في الدنيا ، ولا يعاقب عليه في الآخرة إذا مات ، ويتجاوز عنه ، وإن عمل مثقال ذرة من خير يقبل منه ، ويضاعف له في الآخرة . وفي بعض الحديث : " أن الذرة لا زنةَ لهَا " ، وهذا مثل ضربه الله تعالى أنه لا يغفل من عمل ابن آدم صغيرة ، ولا كبيرة ، وهو مثل قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] وقد تقدم أن الذر لا وزن له . وذكر بعض أهل اللغةِ : أن الذَّرَّ : أن يضرب الرَّجل بيده على الأرض ، فما علق بها من التراب فهو الذَّر ، وكذا قال ابن عباس : إذا وضعت يدك على الأرض ، ورفعتها ، فكل واحد مما لزق به من التراب ذرة . وقيل : الذر نملة صغيرة ، وأصغر ما تكون إذا مضى عليها حول . قال امرؤ القيس : [ الطويل ] @ 5266 - مِنَ القَاصِراتِ الطَّرفِ لوْ دَبَّ مُحوِلٌ مِنَ الذَّرَّ فوْقَ الإتْبِ منْهَا لأثَّرَا @@ قال محمد بن كعب القرظي : فمن يعمل مثقال ذرة من خير من كافر ، يرى ثوابه في الدنيا ، في نفسه وماله وأهله ووطنه ، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير ، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في ماله ونفسه وأهله وولده ، حتى يخرج من الدنيا ، وليس له عند الله شر ، ودليله ما رواه أنس - رضي الله عنه - " أن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم [ وأبو بكر يأكل فأمسك ، وقال : يا رسول الله ] ، وإنا لنرى ما عملنا من خير وشر ؟ قال النبي : " يا أبا بكر ، مَا رأيْتَ في الدُّنيا مِمَا تكرَهُ فَهُوَ مَثَاقيلُ ذر الشر ، ويدخر لكم مثاقِيلُ ذرِّ الخَيْرِ ، حتَّى تُعطوهُ يَوْمَ القِيَامَةِ " " . قال أبو إدريس : إن مصداقه في كتاب الله : { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } [ الشورى : 30 ] . قال مقاتل : نزلت في رجلين ، وذلك أنه لما نزل { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ } [ الإنسان : 8 ] ، كان أحدهم يأتيه السائلُ ، فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة ، وكان الآخر يتهاون بالذَّنب اليسير ، كالكذبة والغيبة والنظرة ، ويقول : إنما أوعد الله النَّار على الكبائر ، فنزلت ترغبهم في القليل من الخير أن يعطوه ، فإنه يوشك أن يكثر ، وتحذرهم اليسير من الذنب ، فإنه يوشك أن يكثر ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بِشقِّ تَمرةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجدْ فَبِكَلمَةٍ طيِّبةٍ " . فصل في قراءة " يره " قوله : { يَرَهُ } ، جواب الشرط في الموضعين . وقرأ هشام : بسكون هاء " يَرَهُ " وصلاً في الحرفين ، وباقي السبعة : بضمها موصولة بواو وصلاً ، وساكنة وقفاً ، كسائر " ها " الكناية . ونقل أبو حيان عن هشام وأبي بكر : سكونها . وعن أبي عمرو : بضمها مشبعتين ، وباقي السبعة بإشباع الأولى وسكون الثانية انتهى . وكان ذلك لأجل الوقف على آخر السورة غالباً ، أما لو وصلوا آخرها بأول " العَادِيَات " كان الحكم الإشباع ، وهذا مقتضى أصولهم ، وهو المنقول . وقرأ العامة : " يَرَهُ " مبنياً للفاعل فيهما . وقرأ ابن عبَّاسٍ والحسن ابنا علي بن أبي طالب ، وزيد بن علي وابو حيوة وعاصم والكسائي في رواية الجحدريِّ والسلمي وعيسى بن عمر : بضم الياء ، أي : يريه اللهُ إياه . قال القرطبيُّ : والأولى الاختيار ، لقوله تعالى : { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } [ آل عمران : 30 ] . وقرأ عكرمة : " يَرَاه " بالألف ، إما على تقدير الجزم بحذف الحركة المقدرة ، وإما على توهم أن " من " موصولة . وتقدم هذا في أواخر " يوسف " . ومعنى " يره " أي : يرى جزاءه ؛ لأن ما عمله قد مضى وعدم . وحكى الزمخشري : إن أعرابياً أخر : " خَيْراً يرهُ " ، فقيل له : قدمت وأخرت ؛ فقال : [ الطويل ] @ 5267 - خُذَا جَنْبَ هَرْشَى أو قَفَاهَا فإنَّهُ كِلاَ جَانِبَيْ هَرْشَى لهُنَّ طَريقُ @@ انتهى . يريد : أن التقديم والتأخير سواء ، وهذا لا يجوز - ألبتة - فإنه خطأ ، فلا يعتمد به قراءة . وفي نصب " خيراً ، وشراً " ، وجهان : أظهرهما : أنهما تمييز لأنه مقدار . والثاني : أنهما بدلان من مثقال . فصل في الكلام على هذه الآية قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : هذه أحكم آية في القرآن وأصدق . وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية ، القائلون بالعموم ومن لم يقل به . قال كعبُ الأحبار - رضي الله عنه - : لقد أنزل الله تعالى على محمد صلى الله عليه وسلم آيتين ، أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } . [ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمي هذه الآية الجامعة الفاذّة ] . روى مالك في " الموطأ " : أن مسكيناً استطعم عائشة - رضي الله عنها - وبين يديها عنب ، فقالت لإنسان : خذ حبة وأعطه إياها ، فجعل ينظر إليها ويتعجب ، فقالت عائشة : أتعجب ، كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة . روى الترمذي عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ { إِذَا زُلْزِلَتِ } عدَلتْ لهُ نِصفَ القُرآنِ ، ومَنْ قَرَأ : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } عدلتْ لهُ ثُلُثَ القُرآنِ " . وعن علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ { إِذَا زُلْزِلَتِ } أربعَ مرَّاتٍ ، كَانَ كَمَنْ قَرَأ القُرآنَ كُلَّهُ " والله أعلم .