Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 39-40)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أقام لهم الدليل على ما هو عليه من الدين الحنيفي تبعاً لخلاصة الخلق ، بما تقرر في الأذهان من أن الله تعالى هو المنعم وحده سبحانه فيجب شكره ، بعد أن قرر لهم أمر نبوته وأقام دليلها بما يخبرهم به من المغيبات ، ودعاهم إلى ما يجب عليهم من التوحيد وهو الإسلام ، وكان أكثر الخلق إلاّ الفذ النادر يقرون بالإله الحق ، ولكنهم يشركون به بعض خلقه ، أتبعه برهان التمانع على فساد كل ملة غير الإسلام الذي يطابق عليه الأنبياء والرسل كلهم ، تأييداً لأدلة النقل بقاطع العقل ، فقال منادياً لهما باسم الصحبة بالأداة التي تقال عند ما له وقع عظيم في النفوس في المكان الذي تخلص فيه والمودة ، وتمحض فيه النصيحة ، وتصفي فيه القلوب ، ويتعمد الإخلاص رجاء الخلاص - : { ياصاحبي السجن } والصحبة : ملازمة اختصاص كأصحاب الشافعي مثلاً ، لملازمة الاختصاص بمذهبه ، وهي خلاف ملازمة الاتصال . ولما فرغ أفهامهما بالنداء لما يلقيه ، قرع أسماعهما بالإنكار مع التقرير فقال : { أرباب } أي آلهة { متفرقون } متباينون بالذوات والحقائق تشاهدونهم محتاجين إلى المكان مع كونهم جماداً ، ولو كانوا أحياء لأمكن تمانعهم ، فأدى إلى إمكان عجز كل منهم القاطع بعدم صلاحيته للإلهية { خير } أي أعظم في صفة المدح وأولى بالطاعة { أم الله } أي الملك الأعلى { الواحد } بالذات ، فهو لا يحتاج إلى شيء أصلاً { القهار * } لكل شيء ، لا يزال قهره يتكرر أبداً ، فهذا برهان لا خطأ به كما ظن ، وأبرزه صلى الله عليه وسلم على وجه الاستفهام استجلاباً للسامع برد العلم إليه ، وسماها أرباباً لمثل ذلك بناء على زعمهم ، وكذا المشاركة في أفعل التفضيل ، لأن ذلك أقرب إلى الإنصاف ، لكونه ألين في القول ، فيكون أدعى إلى القبول . ولما كان الجواب لكل من يعقل : الله خير ، أشار إلى ذلك بجزم القول بعد ذلك الاستفهام في سلب صلاحيتهم قبل هذا الإمكان بعدم حياتهم ، وعلى تقدير حياتهم بعجزهم ، فقال : { ما تعبدون } والعبادة : خضوع بالقلب في أعلى مراتب الخضوع ، وبين حقارة معبوداتهم وسفولها بقوله : { من دونه } أي الله الذي قام برهان التمانع - الذي هو البرهان الأعظم - على إلهية وعلى اختصاصه بذلك { إلا أسماء } وبين ما يريد وأوضحه بقوله : { سميتموها } أي ذوات أوجدتم لها أسماء { أنتم وآباؤكم } لا معاني لها ، لأنه لا أرواح لها فضلاً عن أن تتحقق بمعنى ما سميتموها به من الإلهية ، وإن كان لها أرواح فهي منتف عنها خاصة الإلهية ، وهي الكمال المطلق الذي يستلزم إحاطة العلم والقدرة . ولما كان مقصود السورة وصف الكتاب بالإبانة للهدى ، وكان نفي الإنزال كافياً في الإبانة ، لأن عبادة الأصنام باطلة ، ولم يكن في السياق كالأعراف مجادلة توجب مماحكة ومماطلة ومعالجة ومطاولة ، قال نافياً للإنزال بأي وصف كان : { ما أنزل الله } أي المحيط علماً وقدرة . فلا أمر لأحد معه { بها } وأعرق في النفي فقال : { من سلطان } أي برهان تتسلط به على تعظيمها ، فانتفى تعظيمها لذاتها أو لغيرها ، وصار حاصل الدليل : لو كانوا أحياء يحكمون لم يصلحوا للإلهية ، لإمكان تمانعهم المؤدي إلى إمكان عجز كل منهم الملزوم لأنهم لأ صلاحية فيهم للإلهية ، لكنهم ليسوا أحياء ، فهم أجدر بعدم الصلاحية ، فعلم قطعاً أنه لا حكم لمقهور ، وأن كل من يمكن أن يكون له ثان مقهور ؛ فأنتج هذا قطعاً أن الحكم إنما هو لله الواحد القهار ، وهو لم يحكم بتعظيمها ؛ وذلك معنى قوله : { إن } أي ما { الحكم إلاّ لله } أي المختص بصفات الكمال ؛ والحكم : فصل الأمر بما تدعو إليه الحكمة . ولما انتقى الحكم عن غيره ، وكان ذلك كافياً في وجوب توحيده ، رغبة فيما عنده ، ورهبة مما بيده ، أتبعه تأكيداً لذلك وإلزاماً به أنه حكم به ، فقال : { أمر ألا تعبدوا } أي أيها الخلق في وقت من الأوقات على حال من الأحوال { إلا إياه } أي وهو النافذ الأمر المطاع الحكم . ولما قام هذا الدليل على هذا الوجه البين ، كان جديراً بالإشارة إلى فضله ، فأشار إليه بأداة البعد ، تنبيهاً على علو مقامه وعظيم شأنه فقال : { ذلك } أي الشأن الأعظم ، وهو توحيده وإفراده عن خلقه { الدين القيم } أي الذي لا عوج فيه فيأتيه الخلل من جهة عوجه ، الظاهر أمره لمن كان له قلب { ولكن أكثر الناس } أي لما لهم الاضطراب مع الحظوظ { لا يعلمون * } أي ليس لهم علم ، لأنهم لا ينتفعون بعقولهم ، فكأنهم في عداد البهائم العجم ، فلأجل ذلك هم لا يفردون الله بالعبادة .