Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 18-19)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما تم ما للحق والباطل في أنفسهم من الثبات والاضطراب ، ذكر ما لأهلهما من الثواب والعقاب جواباً لمن كأنه قال : ما لمن تدبر هذه الأمثال ، وأبعد عما أشارت إليه من الضلال ، أو حاد عما دعت إليه ومال ؟ فأجيب بقوله : { للذين استجابوا } أي طلبوا من أنفسهم الإجابة وأوجدوها { لربهم } أي المحسن إليهم شكراً له ، الحالة { الحسنى } أي العظيمة في الحسن ، وهي القرار في الجنة فهو جزاءهم ؛ قال أبو حيان : وذلك هو النصر في الدنيا وما اختصوا به من نعمه تعالى ودخول الجنة في الآخرة - انتهى . وقد تقدم في سورة يونس عليه الصلاة والسلام أنهم يزادون ما لا يعلم قدره إلا الذي فعلوا ذلك خوف عقابه ورجاء ثوابه . ولما ذكر ما للطائعين ، أتبعه جزاء العاصين ، فقال مبتدئاً : { والذين لم يستجيبوا } أي يرغبوا في إيجاد الإجابة { له } وأخبر عن هذا الابتداء قوله معلماً بأن استعجالهم بالعذاب باستعجالهم بالسيئة قبل الحسنة جراءة منهم ناشئة عن جهل صرف تزول عند رؤيتهم عذابه سبحانه ، فيبلغون حينئذ بالافتداء غاية الذل فلا يقبل منهم - : { لو أن لهم } أي في ملكهم وتحت قدرتهم { ما في الأرض } وأكد بقوله : { جميعاً ومثله } وأوضح بقوله : { معه لافتدوا به } أي جعلوا فكاك أنفسهم بغاية جهدهم ، وأكده لادعاء الكفرة أنهم لا يذلون لشيء ولا يوهن قواهم شيء ، والافتداء : جعل أحد الشيئين بدلاً من الآخر على جهة الاتقاء به ، فكأنه قيل : ما الذي دهاهم حتى كان هذا حالهم ؟ فقيل - دلالة على أنه لا يقبل منهم الفداء ولو عظم - : { أولئك } أي البعداء البغضاء { لهم سوء الحساب * } والحساب : إحصاء ما على العبد وله ، وسوء المؤاخذة ، وعدم العفو عن شيء { ومأواهم } أي مستقرهم { جهنم } أي الطبقة التي تلقى داخلها بالتجهم والعبوسة . ولما كان المأوى إنما يأوى إليه صاحبه للراحة فيه بالاتكاء على فرش ونحوه ، قال معبراً بمجمع المذام : { وبئس المهاد * } . ولما افترق حال ما أجاب ومن أعرض في الجزاء ، وكان ما مضى مستوفياً طرق البيان بإيضاح الأمر بالجزيئات والأمثلة مع الترغيب والترهيب . فكان جديراً بترتيب الأثر عليه ، تسبب عنه الإنكار على من سوى بين العالم العامل وغيره التفاتاً إلى قوله { هل يستوي الأعمى والبصير } وسوى بين الحق والباطل التفاتاً إلى قوله { كذلك يضرب الله الحق والباطل } فحسن قوله : { أفمن } بفاء السبب { يعلم } علماً نافعاً هو عامل به { إنما } أي الذي { أنزل } أي وجد إنزاله وفرغ منه { إليك من ربك } أي المحسن إليك بأحسن التدبير { الحق } أي الكامل في الحقية ، فهو نير العين للبصر والقلب للاستبصار والاعتبار ، يهتدي بما يعلم إلى طريق الرشد فيسلكها ، وإلى طريق الغي فيتركها ، ويفهم الأشارات ، وينتفع بالأمثال السائرات ، كما يبصر بالبصر طريق النجاة من طريق الهلاك { كمن هو أعمى } لا بصر له ولا بصيرة ، لأنه لا يعمل وإن كان عالماً ، فهو لا ينتفع بالأمثال ، فكأنه قيل : لا يستويان مثلاً أصلاً ، ثم علل هذا الإنكار بقوله : { إنما } أي لأنه إنما يعلم ذلك بالتذكر ، وإنما { يتذكر } أي يطلب الذكر طلباً عظيماً فيعمل { أولوا } أي أصحاب { الألباب * } أي العقول الصافية الخالصة القابلة للتذكر بالتفكر في أن ما أنزل من عند الله ثابت الأركان راسي القواعد ، لا قدر لأحد على إزالة معنى من معانيه ولا هدم شيء من مبانيه وأن ما عداه هلهل النسج رث القوى ، مخلخل الأركان ، دارس الرسم ، منطمس الأعلام ، مجهول المسالك ، مظلم الأرجاء ، جم المهالك ، وأما القلب الذي لا يرجع عن غيه لمثل هذا البيان فكأنه غير قابل للذكرى ، فاستحق أن يعد عدماً ، وأن يخص التذكر بالقلب ، ومن المعلوم أنه لا يستوي من له لب ومن لا لب له ؛ واللب والقلب : أجل ما في الشيء وأخلصه وأجوده .