Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 20-24)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما منح سبحانه من فيهم أهلية التذكر بالعقول الدالة على توحيده والانقياد لأوامره ، كان كأنه عهد في ذلك ، فقال يصف المتذكرين بما يدل قطعاً على أنه لا لب لسواهم : { الذين يوفون } أي يوجدون الوفاء لكل شيء { بعهد الله } أي بسبب العقد المؤكد من الملك الأعلى بأوامره ونواهيه ، فيفعلون كلاًّ منهما كما رسمه لهم ولا يوقعون شيئاً منهما مكان الآخر ؛ والعهد : العقد المتقدم على الأمر بما يفعل أو يجتنب ، والإيفاء : جعل الشيء على مقدار غيره من غير زيادة ولا نقصان . ولما كان الدليل العقلي محتماً للثبات عليه كما أن الميثاق اللفظي موجب للوفاء به ، قال تعالى : { ولا ينقضون الميثاق * } أي الإيثاق ولا الوثاق ولا مكانه ولا زمانه ؛ والنقض : حل العقد بفعل ما ينافيه ولا يمكن أن يصح معه ، والميثاق : العقد المحكم وهو الأوامر والنواهي المؤكدة بحكم العقل . ولما كان أمر الله جارياً على منهاج العقل وإن كان قاصراً عنه لا يمكن نيله له من غير مرشد ، قال : { والذين يصلون } أي من كل شيء على سبيل الاستمرار { ما أمر الله } أي الذي له الأمر كله ؛ وقال : { به أن يوصل } دون " يوصله " ليكون مأموراً بوصله مرتين ، ويفيد تجديد الوصل كلما قطعه قاطع على الاستمرار لما تظافر على ذلك من دليلي العقل والنقل ؛ والوصل : ضم الثاني إلى الأول من غير فرج . ولما كان الدليل يرشد إلى أن الله تعالى مرجو مرهوب قال : { ويخشون ربهم } أي المحسن إليهم ، من أن ينتقم منهم إن خالفوا بقطع الإحسان . ولما كان العقل دالاً بعد تنبيه الرسل على القدرة على المعاد بالقدرة على المبدأ ، وكان الخوف منه أعظم الخوف ، قال تعالى : { ويخافون } أي يوجدون الخوف إيجاداً مستمراً { سوء الحساب * } وهو المناقشة فيه من غير عفو ، ومن أول السورة إلى هنا تفصيل لقوله تعالى أول البقرة { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب } [ البقرة : 1 ] مع نظره إلى قوله آخر يوسف { ما كان حديثاً يفترى } [ يوسف : 111 ] . ولما كان الوفاء بالعهد في غاية الشدة على النفس ، قال مشيراً إلى ذلك مع شموله لغيره : { والذين صبروا } أي على طاعات الله وعن معاصيه وفي كل ما ينبغي الصبر فيه ، والصبر : الحبس ، وهو تجرع مرارة المنع للنفس عما تحب مما لا يجوز فعله { ابتغاء } أي طلب { وجه ربهم } أي المحسن إليهم ، وكأنه ذكر الوجه إثارة للحياء وحثاً عليه لا ليقال : ما أجلده ! ولا لأنه يعاب بالجزع ، ولا لأنه لا طائل تحت الهلع ولا خوف الشماتة . ولما كانت أفراد الشيء قد تتفاوت في الشرف ، خص بالذكر أشياء مما دخل في العهد والميثاق تشريفاً لها فقال : { وأقاموا الصلاة } لأنها في الوصلة بالله كالميثاق في الوصلة بالموثق له ، وقال - : { وأنفقوا } وخفف عنهم بالبعض فقال : { مما رزقناهم } - لأن الإنفاق من أعظم سبب يوصل إلى المقاصد ، فهذا إنفاق من المال ، وتلك إنفاق من القوى ، وقال : { سراً وعلانية } إشارة إلى الحث على استواء الحالتين تنبيهاً على الإخلاص ، ويجوز أن يكون المراد بالسر ما ينبغي فيه الإسرار كالنوافل ، وبالعلانية ما يندب إلى إظهاره كالواجب إلا أن يمنع مانع ، وهذا تفصيل قوله تعالى { ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون } [ البقرة : 3 ] { واستعينوا بالصبر والصلاة } [ البقرة : 45 ] وقال : { ويدرؤون } أي يدفعون بقوة وفطنة { بالحسنة } أي من القول أو الفعل { السيئة } إشارة إلى ترك المجازاة أو يتبعونها إياها فتمحوها ، خوفاً ورجاء وحثاً على جميع الأفعال الصالحة ، فهي نتيجة أعمال البر ودرجة المقربين . ولما ختم تلك بما يدل على ما بعد الموت ترهيباً ، ختم هذه بمثل ذلك ترغيباً فقال : { أولئك } أي العالو الرتبة { لهم عقبى الدار * } وبينها بقوله : { جنات عدن } أي إقامة طويلة - ومنه المعدن وهي أعلى الجنان ؛ ثم استأنف بيان تمكنهم فيها فقال : { يدخلونها } . ولما كانت الدار لا تطيب بدون الحبيب ، قال عاطفاً على الضمير المرفوع إشارة إلى أن النسب الخالي غير نافع : { ومن صلح } والصلاح : استقامة الحال على ما يدعو إليه العقل والشرع { من آبائهم } أي الذين كانوا سبباً في إيجادهم { وأزواجهم وذرياتهم } أي الذين تسببوا عنهم ؛ ثم زاد في الترغيب بقوله سبحانه وتعالى : { والملائكة يدخلون عليهم } لأن الإكثار من ترداد رسل الملك أعظم في الفخر وأكثر في السرور والعز . ولما كان إتيانهم من الأماكن المعتادة مع القدرة على غيرها أدل على الأدب والإكرام ، قال : { من كل باب * } يقولون لهم : { سلام عليكم } والسلام : التحية بالكرامة على انتفاء كل شائب من مضرة ، وبين أن سبب هذا السلام الصبر فقال : { بما صبرتم } أي بصبركم ، والذي صبرتم له ، والذي صبرتم عليه ، إشارة إلى أن الصبر عماد الدين كله . ولما تم ذلك . تسبب عنه قوله : { فنعم عقبى الدار * } وهي المسكن في قرار ، المهيأ بالأبنية التي يحتاج إليها والمرافق التي ينتفع بها ؛ والعقبى : الانتهاء الذي يؤدي إليه الابتداء من خير أو شر .