Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 30-31)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان في ذلك فطم عن إنزال المقترحات ، وكان إعراض المقترحين قد طال ، وطال البلاء بهم والصبر على أذاهم ، كان موضع أن يقال من كافر أو مسلم عيل صبره : أولست مرسلاً يستجاب لك كما كان يستجاب للرسل ؟ فقيل : { كذلك } أي مثل إرسال الرسل الذي قدمنا الإشارة إليه في آخر سورة يوسف عليه الصلاة والسلام في قولنا { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم } [ الأنبياء : 7 ] الآية ، وفي هذه السورة في قولنا { ولكل قوم هاد } ومثل هذا الإرسال البديع الأمر البعيد الشأن ، والذي دربناك عليه غير مرة من أن المرجع إلى الله والكل بيده ، فلا قدرة لغيره على هدى ولا ضلال ، لا بإنزال الآية ولا غيره { أرسلناك } أي بما لنا من العظمة { في أمة } وهي جماعة كثيرة من الحيوان ترجع إلى معنى خاص لها دون غيرها { قد خلت } . ولما كانت الرسل لمن تعم بالفعل الزمان كله ، قال : { من قبلها أمم } طال أذاهم لأنبيائهم ومن آمن بهم واستهزاءهم في عدم الإجابة إلى المقترحات وقول كل أمة لنبيها عناداً بعد ما جاءهم من الآيات { لولا أنزل عليه آية } حتى كأنهم تواصوا بهذا القول حتى فعل الرسل وأتباعهم في إقبالهم على الدعاء وإعراضهم عمن يستهزىء بهم - فعل الآئس من الإنزال { لتتلوا } أي أرسلناك فيهم لتتلو { عليهم } أي تقرأ ؛ والتلاوة : جعل الثاني يلي الأول بلا فصل { الذي أوحينا إليك } من ذكر الله الذي هو أعظم الآيات { وهم } أي والحال أنهم { يكفرون } لا تمل تلاوته عليهم في تلك الحال فإن لنا في هذا حكماً وإن خفيت ، وما أرسلناك ومن قبلك من الرسل إلا لتلاوة ما يوحى ، لا لطلب الإجابة إلى ما يقترح الأمم من الآيات ظناً أنها تكون سبباً لإيمان أحد ، نحن أعلم بهم ، وهذا كله تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقوله : { بالرحمن } إشارة إلى كثرة حلمه وطول أناته ، وتصوير لتقبيح حالهم في مقابلتهم الإحسان بالإساءة والنعمة بالكفر بأوضح صورة وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان وأبعدهم من الكفران . ولما تضمن كفرهم بالرحمن كفرهم بالقرآن ومن أنزل عليه ، وكان الكفر بالمنعم في غاية القباحة ، كان كأنه قيل : فماذا أفعل حينئذ أنا ومن اتبعني ؟ لا نتمنى إجابتهم إلى مقترحاتهم إلا رجاء إيمانهم ، وكان جوابهم عن الكفر بالموحى أهم ، بدأ به فقال : { قل } عند ذلك إيماناً به { هو } أي الرحمن الذي كفرتم به { ربي } المربي لي بالإيجاد وإدرار النعم ، والمحسن إليّ لا غيره ، لا أكفر إحسانه كما كفرتموه أنتم ، بل أقول : إنه { لا إله إلا هو } أنا به واثق في التربية والنصرة وغيرها . ولما كان تفرده بالإلهية علة لقصر الهمم عليه ، قال : { عليه } أي وحده لا شريك له { توكلت } والتوكل : التوثيق في تدبير النفس برده إلى الله على الرضى بما يفعل { وإليه } أي لا إلى غيره { متاب * } أي مرجعي ، معنى بالتوبة وحساً بالمعاد ، وهذا تعريض بهم في أن سبب كفرتم إنكار يوم الدين . ولما فرغ من الجواب عن الكفر بالموحى ، عطف على " هو ربي " الجواب عن الكفر بالوحي فقال : { ولو } إشارة إلى أنه يعتقد في القرآن ما هو أهله بعد ما أخبر عن اعتقاده في الرحمن ، أي وقل : لو { أن قرآناً } كانت به الآيات المحسوسات بأن { سيرت } أي بأدنى إشارة من مشير ما { به الجبال } أي فأذهبت على ثقلها وصلابتها عن وجه الأرض { أو قطعت } أي كذلك { به الأرض } أي على كثافتها فشققت فتفجرت منها الأنهار { أو كلم به الموتى } فسمعت وأجابت لكان هذا القرآن ، لأنه آية لا مثل لها ، فكيف يطلبون آية غيره ! أو يقال : إن التقدير : لو كان شيء من ذلك بقرآن غيره لكان به - إقراراً لأعينكم - إجابة إلى ما تريدون ، لكنه لم تجر عادة لقرآن قبله بأن يكون به ذلك ، فلم يكن بهذا القرآن ، لأن الله لم يرد ذلك لحكمه علمها ، وليس لأحد غير الله أمر في خرق شيء من العادات ، لا لولي ولا لنبي ولا غيرهما حتى يفعل لأجلكم بشفاعة أو بغيرها شيئاً لم يرده الله في الأزل { بل } ويجوز أن يكون التقدير : لو وجد شيء من هذا بقرآن يوماً ما لكان بهذا القرآن ، فكان حينئذ يصير كل من حفظ منه شيئاً فعل ما شاء من ذلك ، فسير له ما شاء من الجبال إلى ما أراد من الأراضي لما رام من الأغراض ، وقطع به ما طلب من الأرض أنهاراً وجناناً وغيرها ، وكلم به من اشتهى من الموتى ، ثم إذا فتح هذا الباب فلا فرق بين القدرة على هذا والقدرة على غيره ، فيصير من حفظ منه شيئاً قادراً على شيء ، فبطلت حينئذ حكمة اختصاص الله سبحانه بذلك من أراد من خلص عباده ، وأدى ذلك إلى أن يدعي من أراد من الفجرة أن أمر ذلك بيده ، يفعل فيه ما يشاء متى شاء ، فيصير ادعاءه مقروناً بالفعل شبهة في الشرك ، وليعلم قطعاً أنه ليس في يد أحد أمر ، بل { الله } أي الذي له صفات الكمال وحده { الأمر } وهو ما يصح أن يؤمر فيه وينهى { جميعاً } في ذلك وغيره ، لا لي ولا لأحد من الأنبياء الذين قلتم إني لست أدنى منزلة منهم ، وأما الخوارق التي كانت لهم فلولا أن شاءها لما كانت ، فالأمر إليه وحده ، مهما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وكأن هذا جواب لما حكي في السيرة النبوية أن الكفار تفتنوا به ؛ قال ابن إسحاق : ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكة في قبائل قريش في الرجال والنساء ، فاجتمع أشرافهم فأرسلوا إليه صلى الله عليه وسلم فكلموه في الكف عنهم وعرضوا عليه أن يملكوه عليهم وغير ذلك فأبى وقال : " " إن الله بعثني إليكم رسولاً ، وأنزل عليّ كتاباً ، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً " ، فقالوا : فإنك قد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلداً ولا أقل ماء ولا أشد عيشاً منا ، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ، وليبسط لنا بلادنا ، وليخرق فيها أنهاراً كأنهار الشام والعراق - زاد البغوي : فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود حيث سخر له الجبال تسبح معه ، أو سخر لنا الريح فنركبها إلى الشام لميرتنا ، ونرجع في يومنا فقد سخرت الريح لسليمان كما زعمت - رجع إلى ابن إسحاق : وليبعث لنا من مضى من آبائنا ، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب ، فإنه كان شيخ صدق ، فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل ! فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا به منزلتك من الله ، وأنه بعثك إلينا رسولاً كما تقدم - زاد البغوي : فإن عيسى كان يحيي الموتى ، ولست بأهون على ربك منه " فكان سؤالهم هذا متضمناً لادعائهم أن دعواه إنزال القرآن لا تصح إلا أن فعل هذه الاشياء . ولما كان هذا كله إقناطاً من حصول الإيمان لأحد بما يقترح ، تسبب عنه الإنكار على من لم يفد فيه ذلك فقال تعالى : { أفلم } بفاء السبب { ييئس الذين آمنوا } من إيمان مقترحي الآيات بما يقترحون لعلمهم { أن } أي بأنه { لو يشاء الله } أي الذي له صفات الكمال - هداية كل أحد مشيئة مقترنة بوجوده { لهدى الناس } وبين أن اللام للاستغراق بقوله : { جميعاً } أي بأيسر مشيئة ، والعلم بالشيء يوجب اليأس من خلافه ، لكنه لم يهدهم جميعاً فلم يشأ ذلك ، ولا يكون إلا ما شاءه ، فلا يزال فريق منهم كافراً ، فقد وضح أن { ييئس } على بابها ، وكذا في البيت الذي استشهدوا به على أنها بمعنى " علم " يمكن أن يكون معناه : ألم تيأسوا عن أذاي أو عن قتلي علماً منكم بأني ابن فارس زهدم ، فلا يضيع لي ثأر ، وكذا قراءة علي ومن معه من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين - أفلم - يتبين الذين آمنوا - أي أن أهل الضلال لا يؤمنون لآية من الآيات علماً منهم بأن الأمر لله جميعاً ، وأن إيمانهم ليس موقوفاً على غير مشيئته . ولما علم من ذلك أن بعضهم لا يؤمن ، ضاقت صدور المؤمنين لذلك لما يعاينونه من أذى الكفار فأتبعه ما يسليهم عاطفاً على ما قدرته من نتيجة عدم المشيئة ، فقال : { ولا يزال الذين كفروا } أي ستروا ضياء عقولهم { تصيبهم بما صنعوا } أي مما مرنوا عليه من الشر حتى صار لهم طبعاً { قارعة } أي داهية تزعجهم بالنقمة من بأسه على يد من يشاء ، وهو من الضرب بالمقرعة { أو تحل } أي تنزل نزولاً ثانياً تلك القارعة { قريباً من دارهم } أي فتوهن أمرهم { حتى يأتي وعد الله } أي الملك الأعظم بفتح مكة أو بالنصر على جميع الكفرة في زمن عيسى عليه السلام فينقطع ذلك ، لأنه لا يُبقي على الأرض كافراً ، وفي غير ذلك من الأزمان كزمن فتح مكة المشرفة ، فيكون المعنى خاصاً بالبعض { إن الله } أي الذي له مجامع الكمال { لا يخلف الميعاد } أي الوعد ولا زمانه ولا مكانه ؛ والوعد : عقد الخبر بتضمن النفع ، والوعيد : عقده بالزجر والضر ، والإخلاف : نقض ما تضمن الخبر من خير أو شر .