Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 7-9)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما بين سبحانه أنهم غطوا آيات ربهم المتفضل عليهم بتلك الآيات وغيرها ، عجب منهم عجباً آخر في طلبهم إنزال الآيات مع كونها متساوية الأقدام في الدلالة على الصانع وما له من صفات الكمال ، فلما كفروا بما أتاهم كانوا جديرين بالكفر بما يأتيهم فقال : { ويقول } أي على سبيل الاستمرار { الذين كفروا } استهزاء بالقدرة { لولا } أي هلا ولم لا { أنزل } أي بإنزال أيّ كائن كان { عليه آية } جاحدين عناداً لما أتاه من الآيات { من ربه } أي المحسن إليه تصديقاً له . ولما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم راغباً في إجابة مقترحاتهم لشدة التفاته إلى أيمانهم ، كان كأنه سأل في ذلك لتحصل لهم النجاة ، فأجيب بقوله تعالى - مقدماً ما السياق أولى به لأنه لبيان أن الأكثر لا يؤمن - : { إنما أنت منذر } أي نبي منذر هاد لهم تهديهم ببيان ما أنزله عليك مما يوقع في الهلاك أو يوصل إلى النجاة ، سائر فيهم على حسب ما أحدّه لك ، وأصل الإنذار الإعلام بموضع المخافة ليتقى ، لا أنك مثبت للإيمان في الصدور { ولكل قوم } ممن أرسلنا إليهم نبي { هاد * } أي داع يهديهم إلى مراشدهم ومنذر ينذرهم من مغاويهم ، أي يبين لهم ما أرسلنا به من النذارة والبشارة ، وأعطى كل منذر وهاد آيات تليق به وبقومه على مثلها يؤمن البشر ، فيهدي الله من يعلم فيه قابلية الهدى بما نصب من الآيات المشاهدات ، فلا يحتاج إلى شيء من المقترحات ، ويضل من يعلم فيه دواعي الضلال ولو جاءته كل آية ، لأنه الذي جبلهم على طبائع الخير والشر { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } [ تبارك : 14 ] فهو كقوله تعالى : { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } [ فاطر : 24 ] وكقوله في هذه السورة { ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب } والآية من الاحتباك : ذكر المنذر أولاً يدل على حذفه ثانياً ، وذكر الهاد ثانياً دال على حذف مثله أولاً . ولما كان ما مضى مترتباً على العلم والقدرة ولا سيما ختم هذه الآية بهاد ، وكان إنكارهم البعث إنكاراً للنشأة الأولى ، وكان سبحانه وتعالى يعلم أن إجابتهم إلى ما اقترحوا غير نافع لهم ، لأنهم متعنتون لا مسترشدون ، شرع سبحانه - بعد الإعراض عن إجابة مقترحاتهم - يقرر من أفعاله المحسوسة لهم المقتضية لاتصافه من العلم والقدرة بما هو كالإعادة سواء إشارة منه تعالى إلى أن إنكار البعث إن كان لاستحالة الإعادة فهي مثل البداءة ، وإن كان لاستحالة تمييز التراب الذي كان منه الحيوان - بعد اختلاطه بغيره وتفرق أجزائه - فتمييز الماء الذي يكون منه الولد من الماء الذي لا يصلح لذلك أعجب ، لأن الماء أشد اختلاطاً وأخفى امتزاجاً ، ومع ذلك فهو يعلمه فقال : { الله } أي المحيط بكل شيء علماً وقدرة { يعلم } أي علماً قديماً في الأزل بما سيوجد وعلماً يتجدد تعلقه بحسب حدوث الحادثات على الاستمرار { ما تحمل } أي الذي تحمله في رحمها { كل أنثى } أي الماء الذي يصلح لأن يكون حملاً { وما تغيض } أي تنقص { الأرحام } من الماء فتنشفه فيضمحل لعدم صلاحيته لأن يكون منه ولد ، وأصل الغيض - كما قال الرماني : ذهاب المائع في العمق الغامض ، وفعله متعد لازم { وما تزداد } أي الأرحام من الماء على الماء الذي قدر تعالى كونه حملاً فيكون توأماً فأكثر في جماع آخر بعد حمل الأول كما صرح بإمكان ذلك ابن سينا وغيره من الأطباء ، وولدت في زماننا أتان حماراً وبغلاً ، وذلك لأن الزيادة ضم شيء إلى المقدار وكثرته شيئاً بعد شيء فيقدر ذلك ، ولا يمكن أحداً زيادته ولا نقصانه ، وذلك كله يستلزم الحكمة فلذا ختمه بقوله : { وكل شيء } أي من هذا وغيره من الآيات المقترحات وغيرها { عنده } أي في قدرته وعلمه { بمقدار * } في كيفيته وكميته لا يتجاوزه ولا تقصر عنه ، لأنه عالم بكيفية كل شيء وكميته على الوجه المفصل المبين ، فامتنع وقوع اللبس في تلك المعلومات وهو قادر على ما يريد منها ، فالآية بيان لقوله تعالى : { الذين كفروا بربهم } من حيث بين فيها تربيته لهم على الوجه الذي هم له مشاهدون وبه معترفون . ولما كان هذا عيباً وكان علمه مستلزماً لعلم الشهادة ، وكان للتصريح مزية لا تخفى ، صرح به على وجه كلي يعم تلك الجزيئات وغيرها فقال : { عالم الغيب } وهو ما غاب عن كل مخلوق { والشهادة } قال الرماني : الغيب : كون الشيء بحيث يخفى عن الحس ، والشهادة : كونه بحيث يظهر له . ولما كان العلم والحكمة لا يتمان إلا بكمال القدرة والعظمة قال : { الكبير } أي الذي يتضاءل عنده كل ما فيه صفات تقتضي الكبر ، قال الإمام أبو الحسن الحرالي : والكبر : ظهور التفاوت في ظاهر وباهر القدر الذي لا يحتاج إلى فكر ، ولذلك كان فطرة للخلق أن الله أكبر ، ولما كان لا ظاهر قدر للخلق لما عليهم من بادي الضروريات والحاجات المعلنة بصغير بالقدر ، ومن حاول منهم أن يكبر بسطوة أو تسلط وفساد زاد صغار قدره بما اكتسب في أعين أرباب البصائر في الدنيا ، ويبدو ذلك منه لعيون جميع الخلق في الأخرى " يحشر المتكبرون يوم القيامة كأمثال الذي يطؤهم الناس بأقدامهم " فلذلك اختصاص معنى أنه لا كبير إلا الله - انتهى . { المتعال * } أي الذي لا يدنو - من أوج علوه في ذات أو صفة أو فعل - عالٍ ، وأخرجه مخرج التفاعل ليكون أدل على المعنى وأبلغ فيه ؛ وقال أبو الحسن الحرالي رحمه الله : والتعالي : فوت التناول والمنال بحكم أو حجة ، وأشعر التفاعل بما يجري من توهم المحتجين في أمره بأوهام حجج داحضة { حجتهم داحضة عند ربهم } [ الشورى : 16 ] فهو تعالى يأذن في الاحتجاج والجدال ثم يتعالى بما له من الحجة البالغة { قل فلله الحجة البالغة } [ الأنعام : 149 ] فهو المتعالي علماً وحكماً وحجة ، وحقيقة المتعالي الذي لا يتعالى إلا هو - انتهى . والحاصل أنه لما وصف نفسه مما تقدم ، أشار إلى أن ذلك على ما تحتمله العقول وأن الحق في وصفه الكبر المطلق والتعالي المطلق ، لأن العقول لا تحتمل أكثر من ذلك .