Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 10-14)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كانت العادة قاضية بتفاوت العلم بالنسبة إلى السر والجهر ، والقدرة بالنسبة إلى المتحفظ بالحرس وغيره ، أتبع ذلك سبحانه بما نفي هذا الاحتمال عنه على وجه الشرح والبيان لاستواء الغيب والشهادة بالنسبة إلى علمه فقال : { سواء منكم } أي في علمه { من أسر القول } أي أخفى معناه في نفسه { ومن جهر به } وفي علمه { و } قدرته { من هو مستخف } أي موجد الخفاء وطالب له أشد طلب { باليل } في أخفى الأوقات فسارب أو كامن فيه ، يظن أن ذلك الاستخفاء يغنيه من القدرة { و } من هو { سارب } أي ذاهب على وجهه الأرض ومتوجه جارٍ في توجهه إلى قصده بسرعة { بالنهار * } متجاهر بسروبه فيه ، فالآية من الاحتباك : ذكر { مستخف } أولاً دال على ضده ثانياً ، وذكر { سارب } ثانياً دال على ضده أو مثله أولاً { له } أي لذلك المستخفي أو السارب - كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما { معقبات } أي أعوان وأنصار يتناوبون في أمره بأن يخلف كل واحد منهم صاحبه ويكون بدلاً منه . ولما كان حفظ جهتي القدام والخلف يستلزم حفظ اليمين والشمال وكان ملأ كل من الجهتين من الحفظة على المخلوق متعذراً ، قال آتياً بالجار : { من بين يديه } أي من قدامه { ومن خلفه } واستأنف بيان فائدة المعقبات فقال : { يحفظونه } أي في زعمه من كل شيء يخشاه { من أمر الله } أي الذي له الإحاطة الكاملة . ولما دل هذا على غاية القدرة ، وجرت عادة المتمكنين من ملوك الأرض بالتعدي على جيرانهم واستلاب ممالكهم والعسف في شأنهم ، زيادة في المكنة وتوسعاً في الملك ، ولا سيما إذا كان ذلك الجار ظاناً مع ضعفه وعجزه أن يحفظه مانه من أخذه ، أخبر تعالى من كأنه سأل عن ذلك أنه غير هذا لغناه عنه ، فقال : { إن الله } أي الذي له الإحاطة والكمال كله { لا يغير ما بقوم } أي خيراً كان أوشراً { حتى يغيروا ما } أي الذي { بأنفسهم } مما كانوا يزينونها به من التحلي بالأعمال الصالحة والتخلي من أخلاق المفسدين ، فإذا غيروا ذلك غير ما بهم إذا أراد وإن كانوا في غاية القوة . ولما كان ملوك الدنيا لا يتمكنون غالباً من جميع مراداتهم لكثرة المعارضين من الأمثال الصالحين للملك ، قال تعالى عاطفاً على ما تقديره : فإذا غيروا ما بأنفسهم أنزل بهم السوء : { وإذا أراد الله } أي الذي له صفات الكمال { بقوم } أي وإن كانوا في غاية القوة { سوءاً فلا مرد له } من أحد سواه ، وقد تقدم لهذه الآية في الأنفال مزيد بيان . ولما كان كل أحد دونه في الرتبة لا إمكان له أن يقوم مقامه بوجه ، قال : { وما لهم } وبين سفول الرتب كلها عن رتبته فقال : { من دون } وأعرق في النفي فقال : { من } ولما كان السياق ظاهراً في أنه لا منفذ لهم مما أراده ، أتى بصيغة فاعل منقوص إشارة إلى نفي أدنى وجوه الولاية فكيف بما فوقها فقال : { وال * } أي من ملجأ يعيذهم ، بأن الفعل معهم من الإنجاء والنصرة ما يفعل القريب مع وليه الأقرب إليه ، ثم أخبر تعالى بأمر هو أدلة ما قبله جامع للعلم والقدرة وهو ألطف من ذلك كله ، معلم بجليل القدرة في أنه إذا أراد سوءاً فلا مرد له ، ودقيق الحكمة لأنه مظهر واحد ترجى منه النعمة وتخشى منه النقمة فقال : { هو } أي وحده { الذي يريكم } أي على سبيل التجديد دائماً { البرق } وهو لمع كعمود النار { خوفاً } أي لأجل إرادة الخوف من قدرته على جعله صواعق مهلكة ، والخوف : انزعاج النفس بتوهم وقوع الضر . ولما لم يكن لهم السبب في إنزال المطر ، لم يعبر بالرجاء وقال : { وطمعاً } أي ولأجل إرادة طمعكم في رحمته بأن يكون غيثاً نافعاً ، ولا بد من هذا التقدير ليكونا فعل فاعل الفعل المعلل ، ويجوز أن يكون المعنى : يريكم ذلك إخافة وإطماعاً فتخافون خوفاً وتطمعون طمعاً ، فتكون الآية من الاحتباك : فعل الإراءة دال على الإخافة والإطماع ، والخوف والطمع دالان على " تخافون وتطمعون " ويجوز أن يكونا حالين من ضمير المخاطبين أي ذوي خوف وطمع { وينشىء } والإنشاء : فعل الشيء من غير سبب مولد { السحاب } وهو غيم ينسحب في السماء ، وهو اسم جنس جمعي ، واحده سحابه { الثقال * } بأنهار الماء محمولة في الهواء على متن الريح ؛ والثقل : الاعتماد على جهة الثقل بكثافة الأجزاء { ويسبح الرعد } أي ينزه عن صفات النقص تنزيهاً ملتبساً { بحمده } أي بوصفه بصفات الكمال ، ويروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الرعد ملك وإن لم يصح أنه ملك فتسبيحه دلالته على أن موجده سبحانه منزه عن النقص محيط بأوصاف الكمال { والملائكة } أي تسبح { من خيفته } قال الرماني : والخيفة مضمنة بالحال ، كقولك : هذه ركبة ، أي حال من الركوب حسنة ، وكذلك هذه خيفة شديدة ، والخوف مصدر غير مضمن بالحال . { ويرسل الصواعق } المحرقة من تلك السحائب المشحونة بالمياه المغرقة ؛ والصاعقة - قال الرازي : نار لطيفة تسقط من السماء بحال هائلة . { فيصيب بها } أي الصواعق { من يشاء } كما أصاب بها أربد بن ربيعة { وهم } أي والحال أنهم مع ذلك الذي تقدم من إحاطة علمه وكمال قدرته { يجادلون } والجدال : فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج { في الله } أي الملك الأعظم بما يؤدي إلى الشك في قدرته وعلمه . ولما كان لا يغني من قصده بالعذاب شيء قال : { وهو شديد المحال * } لأن المحال - ككتاب : الكيد وروم الأمر بالحيل والتدبير والمكر والقدرة والجدال والعذاب والعقاب والعداوة والمعاداة والقوة والشدة والهلاك والإهلاك ، يأتي أعداءه بما يريد من إنزال العذاب بهم من حيث لا يحتسبون ، وكلها صالح هنا حقيقة أو مجازاً ، وقال الرماني : والمحال : الأخذ بالعقاب من قولهم : ما حلت فلاناً - إذا فتلته إلى هلكه - انتهى . ومادة " محل " بجميع تقاليبها تدور على صرف الشيء عن وجهه وعادته وما تقتضيه جبلته ، وذلك يستلزم القدرة والقوة والشدة ، فالحامل يمسك المحمول بقوته عن أن يهوي إلى جهة السفل ، والحملة : الكرة في الحرب ، ويلزم الحمل المشقة ، ومنه تحمل الشيء وحمل عنه أي حلم فهو حمول : ذو حلم ، والحميل - كأمير : الدعي والغريب - كأنهما محمولان لحاجتهما إلى ذلك ، والكفيل ، لأنه حامل لكل مكفول واحتمل لونه - للمفعول : غضب وامتقع - كأن الغضب صرفه عما كان من عادته ، والمحمل - كمحسن : المرأة ينزل لبنها من غير حبل ، لأن ذلك شيء على غير وجهه ، والحمل - محركة : الخروف - لسهولة حمله ، والحليم : من يحبس غيظه بقوة حلمه - أي عقله - عن أن يستخفه الغضب ، والحلم - بالكسر : الأناة والعقل ، والحلم - بالضم وبضمتين : الرؤيا ، لأنها صرف النفس عما هي عليه ، وهو من شأنها من الغفلة ، ومنه الحلم - بالضم - والاحتلام للجماع في النوم ، والاسم الحلم - كعنق ، وذلك يكون غالباً عند فراغ البال عن الهموم ، وإليه يرجع حلم المال - بالضم : سمن ، والصبي وغيره : أقبل شحمه ، أو هو من الحلمة - محركة : اللحمة الناتئة وسط الثدي كالثؤلول - لصرفها لون الثدي وهيئته عما كان عليه ، وشجر السعدان - لأنه مرعى جيد يسمن ، والصغيرة من القردان أو الضخمة - لشبهها بحلمة الثدي ودود يقع في الجلد قبل الدبغ فيأكله ، لأن ذلك يغيره عن هيئته ، والحالوم : ضرب من الأقط ، لأنه لحراقته يغير اللسان ، ودم حلام : هدر ، لأنه خرج عما عليه عادة الدماء ؛ والملح يصرف المملوح عن الفساد ، وأما الماء الملح فمشبه به الطعم ، وكذا الملح - محركاً - للون كالبياض يخالطه سواد ، والملحاء : شجرة سقط ورقها ، شبهت بأرض الملح في عدم الإنبات . ولما عرف الملح بالصلاح شبه به العلم فسمي ملحاً ، وكذا الرضاع والحسن والشحم والسمن والحرمة والذمام وخفقان الطائر بجناحيه يصلح بذلك طيرانه ويتملح به استرواحاً إليه ، وملح الشاة : سمطها ، والملاح - ككتاب : الريح تجري بها السفينة ، وهي أيضاً تصرفها عما يقتضيه حالها من عدم السير ، ومعالجة حياء الناقة منه ، وملحه على ركبته - أي لا وفاء له ، لأن الملح لا يثبت هناك ، أو هو سمين أو حديد في غضبه ، بمعنى أنه لا صلاح له ، وملحه : اغتابه ، شبه بمن يتطعم الملح ليعدل مزاجه ، وكذا الملاح - ككتاب ، وهو هبوب الجنوب عقب الشمال ، وكذا الملاحي - كفرابي وقد يشدد ، وهو عنب أبيض طويل ، ونوع من التين ، ومن الأراك ما فيه بياض وحمرة ، والملح - بضم الميم وفتح اللام من الأحاديث ، وامتلح : خلط كذباً بحق ، والملح - محركة : ورم في عرقوب الفرس ، صرفه عن هيئته المعتادة ، والملاح ككتاب : سنان الرمح ، لتهيئته له بعد الوقوف للنفوذ ، والسترة ، لصرفها البصر عن النفوذ إلى ما وراءها ، وبرد الأرض حين ينزل الغيث ، لأنه يصرف حالها التي كانت عليها إلى أخرى ، والملحة - بالضم : المهابة ، لصرفها المجترىء عن قصده ولأن سببها صرف النفس عن هواها ، والملحاء : الكثيبة العظيمة ، ومنه البركة ، لمنعها الماشي عن حاله في المشي ، ومنه الملحة - بالفتح - للجة البحر ، وملحان : الكانون الثاني لصرفه بقوة برده الزمان عما كان عليه والناس عما كانوا عليه ، والملحاء : لحم في الصلب من الكاهل إلى العجز ، لمنعه من رؤية عظام الصلب ورؤوس الأضلاع ؛ والمحل صرف ما في الزمان عن عادته بعدم المطر والإنبات ورفاهة العيش ، وكذا المحل للكيد والمكر والغبار والشدة والمحال ، لما تقدم من تفسيره ، ومنه ماحله : قاواه ، والمتماحل : الطويل المضطرب الخلق ، لخروجه عن العادة ، وتمحل له : احتال ، والممحل - كمعظم - من اللبن : الآخذ طعم حموضة ، والمحالة : البكرة العظيمة - لصرفها بفتلها الشيء عن وجهه ، والفقرة من فقر البعير - لمشابهتها والخشبة التي يستقر عليها الطيانون - لحملها إياهم ومنعها لهم من السقوط ، والمحل - ككتف : من طرد حتى أعيا ، لأنه صرف عما كان من عادته ، ورأيته متماحلاً : متغير اللون ؛ واللمح : صرف البصر عما كان عليه ، ولمح البرق : لمع بعد كمونه ؛ واللحم من لحمة الثوب - بالضم ، كأنه سد ما حصل بالهزال من فرج ، ومنه : لحم كل شيء : لبه ؛ ولحم الأمر - كمنع : أحكمه ، والصائغ الفضة : لأمها ، وكذا كل صدع ، ولحم - كعلم : نشب في المكان ، كأنه وقع فيما يشبه اللحم فالتصق به فأدخله وشغله ، وهذا لحيم هذا ، أي وفقه وشكله - وهو يرجع إلى لحمة الثوب ، واستلحم الطريق : تبعه أو تبع أوسعه - كأنه جعل نفسه مثل لحمة السدى ، واستلحم الطريق : اتسع ، كأنه طلب ما يلحمه أي يسده ، وحبل ملاحم - بفتح الحاء : شديد الفتل ، لأنه سدت فرجه كما تسد اللحمة فرج الثوب ، ونبي الملحمة - من القتال ، لأنه ضرب اللحم بالسيف ، ومن التأليف كما يكون عن لحمة الثوب ، لأن غاية قتاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعظم خير وألفة ، والتحم الجرح للبرء : التأم - من ذلك ومن اللحم أيضاً لأنه به التأم - والله أعلم . ولما بين تعالى تصديقاً لقوله { وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون } [ يوسف : 105 ] ما له من الآيات التابعة لصفات الكمال التي منها التنزه عما لا يليق بالجلال وأنه شديد المحال ، شرع يبين ضلالهم في اشتراكهم المشار إليه في قوله : { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } بما هو علة لختم ما قبلها من أنه لا كفؤ له ، فقال : { له } أي الله سبحانه { دعوة الحق } إن دعاه أحد سمعه فأجابه - إن شاء - بما يشاء ، وإن دعا هو أحداً دعوة أمر ، بين الصواب بما يكشف الارتياب ، أو دعوة حكم لبى صاغراً وأجاب { والذين يدعون } أي يدعو الكافرون ، وبين سفول رتبتهم بقوله : { من دونه } أي الله { لا يستجيبون } أي لا يوجدون الإجابة { لهم } أي الكافرين { بشيء } والاستجابة : متابعة الداعي فيما دعا إليه بموافقة إرادته { إلا كباسط } أي إلا إجابة كإجابة الماء لباسط { كفيه } تثنيه كف ، وهو موضع القبض باليد ، وأصله من كفه - إذا جمع أطرافه { إلى الماء ليبلغ } أي الماء { فاه } دون أن يصل كفاه إلى الماء - بما يدل عليه التعدية بـ " إلى " ، فما الماء بمجيب دعاءه في بلوغ فيه { وما هو } أي الماء { ببالغه } أي فيه ، فللكافرين بذلك دعوة الباطل كما أن الماء جماد لا يحس بدعوة هذا فلا يجيبه ، فأصنامهم كذلك . ولما كان دعاؤهم منحصراً في الباطل ، قال في موضع " وما دعاؤهم " مظهراً تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف : { وما دعاء الكافرين } أي الساترين لما دلت عليه أنوار عقولهم بمعبوداتهم أو غيرها { إلا في ضلال * } لأنه لا يجد لهم نفعاً ، أما معبوداتهم فلا تضر ولا تنفع ، وأما الله فلا يجيبهم لتضييعهم الأساس .