Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 24-26)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما تقرر بما مضى أن الحق ما قاله الله أو فعله أو أذن فيه ، وأن الباطل ما كان على غير أمره مما ينسب إلى الشيطان أو غيره من قول أو فعل ، وأنه لا يصلح في الحكمة أن ينفي الحق ولا أن يبقى الباطل { إن الله لا يصلح عمل المفسدين } [ يونس : 81 ] ، { ويحق الله الحق بكلماته } ، { ليحق الحق ويبطل الباطل } [ الأنفال : 8 ] ، وقص سبحانه كلام أوليائه الذي هو من كلامه ، فهو أثبت الأشياء وأطيبها وأعظمها ثمرة ، وكلام أعدائه الذي هو من كلام الشيطان ، فهو أبطل الأشياء وأخبثها ، قرب سبحانه ذلك بمثل يتعارفه المخاطبون فقال : { ألم تر } أي يا من لا يفهم عنا هذا المثل حق الفهم سواه ! { كيف ضرب الله } أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً { مثلاً } أي سيره بحيث يعم نفعه ؛ والمثل : قول سائر يشبه فيه حال الثاني بالأول ؛ ثم بينه بقوله : { كلمة طيبة } أي جمعت أنواع الكرم فليس فيها شيء من الخبث ، وتلك الكلمة { كشجرة طيبة } . ولما كانت لا تسر إلا بالثبات ، قال : { أصلها ثابت } أي راسخ في الأرض آمن من الاجتثاث بالرياح ونحوها { وفرعها } عالٍ صاعد مهتز { في } جهة { السماء * } لحسن منبتها وطيب عنصرها ؛ فالآية من الاحتباك : ذكر " ثابت " أولاً دال على عال صاعد ثانياً ، وذكر " السماء " ثانياً دال على الأرض أولاً . ولما ذكر حالها ، ذكر ثمرتها فقال : { تؤتي أكلها } أي ثمرتها بحسن أرضها ودوام ريّها { كل حين } على أحسن ما يكون من الإيتاء ، لأن علوها منعها من عفونات الأرض وقاذورات الأبنية ، فكانت ثمرتها نقية من شوائب الأدناس . ولما كان الشيء لا يكمل إلا بكمال مربيه قال : { بإذن ربها } فهي بحيث لا يستجيز عاقل أن يتسبب في إفسادها ، ومن سعى في ذلك منعه أهل العقول ولو وصلوا إلى بذل النفوس ؛ روى البخاري في التفسير وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : أخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها [ … ] ، تؤتي أكلها كل حين ، قال ابن عمر رضي الله عنهما : فوقع في نفسي أنها النخلة ، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان ، فكرهت أن أتكلم ، فلما لم يقولوا شيئاً قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : هي النخلة ، فلما قمنا قلت لعمر : يا أبتاه ! والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة ، فقال : ما منعك أن تكلم ؟ قال : لم أركم تكلمون فكرهت أن أتكلم ، قال عمر : لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا " . ثم نبه سبحانه على عظم هذا المثل ليقبل على تدبره ليعلم المراد منه فيلزم ، فقال : { ويضرب الله } أي الذي له الإحاطة الكاملة { الأمثال للناس } أي الذين يحتاجون إلى ذلك لاضطراب آرائهم ، لأن في ضربها زيادة إفهام وتصوير للمعاني ، لأن المعاني الصرفة إذا ذكر مناسبها من المحسوسات ارتسمت في الحس والخيال والوهم ، وتصورت فتركت هذه القوى المنازعة فيها ، فيحصل الفهم التام والوصول إلى المطلوب { لعلهم يتذكرون * } أي ليكون حالهم حال من يرجى له غاية التذكر - بما أشار إليه الإظهار ، فهذا مثل كلام الأولياء ، فكلمتهم الطيبة كلمة التوحيد التي لا أطيب منها ، وهي أصل كل سعادة راسخة في قلوبهم ، معرقة في كل عرق منهم أوجب إعراقها أن بسقت فروعها التي هي الأعمال الدينية من أعمال القلوب والجوارح ، فصارت كلما هزت اجتنى الهازّ ثمراتها التي لا نهاية لها ، عالماً بأنها من فتح مولاه لا صنع له فيها بوجه ، بل له سبحانه المن عليه في جميع ذلك وكما أن الشجر لا تتم إلا بعرق راسخ وأصل قائم وفروع عالية ، فكذلك الإيمان لا يتم إلا بمعرفة القلب وقول اللسان وعمل الأركان ، ثم أتبعه مثل حال الأعداء فقال : { ومثل كلمة خبيثة } أي عريقة في الخبث لا طيب فيها { كشجرة خبيثة } . ولما كان من أنفع الأمور إعدامها والراحة من وجودها على أيّ حالة كانت ، بنى للمفعول قوله : { اجتثت } أي استؤصلت بقلع جثتها من أصلها { من فوق الأرض } برأي كل من له رأي ؛ ثم علل ذلك لقوله : { ما لها } وأعرق في النفي بقوله : { من قرار * } أي عند من له أدنى لب ، لأنه لا نفع لها بل وجودها ضار ولو بشغل الأرض ، فكذلك الكلمة الخبيثة الباطلة لا بقاء لها أصلاً وإن علت وقتاً ، لأن حجتها داحضة فجنودها منهزمة .