Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 22-23)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان الشيطان أعظم المستكبرين ، خص بالإفراد بالجواب فقيل : { وقال } أول المتبوعين في الضلال { الشيطان } الذي هو رأس المضلين المستكبرين المقضي ببعده واحتراقه { لما قضي الأمر } بتعين قوم للجنة وقوم للنار ، جواباً لقول الأتباع مذعناً حيث لا ينفع الإذعان ، ومؤمناً حيث فات نفع الإيمان : { إن الله } أي الذي له صفات الكمال { وعدكم وعد الحق } بأن أرسل إليكم رسلاً وأنزل معهم براهين وكتباً أخبركم فيها بأنه ربكم الواحد القهار ، ودعاكم إليه بعد أن أخابتكم الشياطين ، وبشر من أجاب ، وحذر من أبى ، بما هو قادر أتم القدرة ، فكل ما قاله طابقه الواقع - كما ترون - فصدقكم فيه ووفى لكم { ووعدتكم } أنا بما زينت لكم به المعاصي من الوساوس وعد الباطل { فأخلفتكم } فلم أقل شيئاً إلا كان زيغاً ، فاتبعتموني مع كوني عدوكم ، وتركتم ربكم وهو ربكم ووليكم ؛ فالآية من الاحتباك : ذكر { وعد الحق } أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً ، و { أخلفتكم } ثانياً دليلاً على حذف " صدقكم " أولاً . ولما بين غروره ، بين سهولة اغترارهم زيادة في تنديمهم فقال : { وما كان } لي إليكم في ذلك من ذنب لأنه ما كان { لي عليكم } وأبلغ في النفي فقال : { من سلطان } أي تسلط كبير أو صغير بشيء من الأشياء { إلا أن } أي بأن { دعوتكم } بالوسوسة التي كانت سبباً لتقوية دواعيكم إلى الشر { فاستجبتم } أي أوجدتم الإجابة إيجاد من هو طالب لها ، راغب فيها { لي } محكمين الشهوات ، معرضين عن مناهيج العقول ودعاء النصحاء ، ولو حكمتم عقولكم لتبعتم الهداة لما في سبيلهم من النور الداعي إليها وما في سبل غيرهم من الظلام السادّ لها ، والمهالك الزاجرة عنها دنيا وأخرى ، وساقه على صورة الاستثناء - وإن لم يكن دعاءه من السلطان في شيء - لأن السلطان أخص من البرهان إذ معناه برهان يتسلط به على إبطال مذهب الخصم إشارة إلى أنهم تبعوه ولا قدرة له على غير هذا الدعاء الذي لا سلطان فيه ، وتركوا دعاء من أنزل إليهم من كل سلطان مبين ، مع تهديدهم بما هو قادر على عليه وضربهم ببعضه ، وفاعل مثل ذلك لا لوم له على غير نفسه { فلا } أي فاذ قد تقرر هذا تسبب عنه أني أقول لكم : لا { تلوموني ولوموا أنفسكم } لأنكم مؤاخذون بكسبكم ، لأنه كانت لكم قدرة واختيار فاخترتم الشر على الخير ، وعلم منه قطعاً أن كلاًّ منا مشغول عن صاحبه بما جزي به ، فعلم أني { ما أنا بمصرخكم } أي بمغيثكم فيما يخصكم من العذاب ، فآتيكم بما يزيل صراخكم منه { وما أنتم بمصرخي } فيما يخصني منه لتقطع الأسباب ، بما دهى من العذاب ، ثم علل ذلك بقوله : { إني كفرت } مستهيناً { بما أشركتمون } أي باتخاذكم لي شريكاً مع الله . ولما كان إشراكهم لم يستغرق الزمان ، أتى بالجار فقال : { من قبل } لأن ذلك ظلم عظيم ، ثم علل هذه العلة بقوله : { إن الظالمين } أي العريقين في هذا الوصف { لهم عذاب أليم * } مكتوب لكم منهم مقداره ، لا يغني أحد منهم عن الآخر شيئاً ، بل كل مقصور على ما قدر له ، وحكاية هذه المحاورة لتنبيه السامعين على النظر في العواقب والاستعداد لذلك اليوم قبل أن لا يكون إلا الندم وقرع السن وعض اليد . ولما ذكر الظالمين . أتبعه ذكر المؤمنين ، فقال بانياً للمفعول لأن الدخول هو المقصود بالذات : { وأدخل } والإدخال : النقل إلى محيط - هذا أصله { الذين آمنوا } أي أوجدوا الإيمان { وعملوا الصالحات } أي تصديقاً لدعواهم الإيمان { جنات تجري } وبين أن الماء غير عام لجميع أرضها بإدخال الجار فقال : { من تحتها الأنهار } فهي لا تزال ريّاً ، لا يسقط ورقها ولا ثمرها فداخلها لا يبغي بها بدلاً { خالدين فيها } . ولما كانت الإقامة لا تطيب إلا بإذن المالك قال : { بإذن ربهم } الذي أذن لهم - بتربيته وأحسانه - في الخروج من الظلمات إلى النور ، وقرىء " وأدخل " على التكلم فيكون عدل عن أن يقول " بإذني " إلى { بإذن ربهم } للإعلام بالصفة المقتضية للرحمة كما قال تعالى { إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك } [ الكوثر : 1 ] ولم يقل : لنا - سواء ، ومن شكله { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله } [ الفتح : 1 ] فلا تنبغي المسارعة إلى إنكار شي يمكن توجيهه ، بل يتعين إمعان النظر ، فإن الأمر كما قال الإمام أبو الفتح بن جني في كتابه المحتسب في توجيه { لما يهبط من خشية الله } [ البقرة : 74 ] أن كلام العرب لمن عرفه - ومن الذي يعرفه ؟ - ألطف من السحر ، وأنقى ساحى من مشوف الفكر ، وأشد تساقطاً بعضاً على بعض ، وأمسّ تسانداً نفلاً إلى فرض { تحيتهم } أي فيما بينهم وتحية الملائكة لهم ؛ والتحية : التلقي بالكرامة في المخاطبة ، فهي إظهار شرف المخاطب { فيها سلام * } أي عافية وسلامة وبقاء ، وقول من كل منهم للآخر : أدام الله سلامتك ، ونحو هذا من الإخبار بدوام العافية ، كما أن حال أهل الباطل في النار عطب وآلام .