Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 35-37)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما انقضى المأمور به من القول لكافر النعمة وشاكرها وسبب ذلك والدليل عليه ، وبان أنه خالق الموجودات كلها وربها ، فلا يصح أصلاً أن يكون شيء منها شريكاً . أمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يذكرهم بأيام الله عند أبيهم إبراهيم عليه السلام للدلالة على تبديلهم النعمة ظلماً منهم وكفراً ، في أسلوب دال على البعث ، مشير إلى وجوب براءتهم من الأصنام حيث كان محط حالهم فيها تقليد الآباء وهو أعظم آبائهم ، وإلى ما سنه لهم من إقامتهم الصلاة وشكرهم لنعمه بالانفاق وغيره ، فقال ناعياً عليهم - مع المخالفة لصريح العقل وقاطع النقل عقوق أبيهم الأعظم ، عطفاً على { قل لعبادي الذين آمنوا } أو على { وإذ قال موسى لقومه } : { وإذ } أي واذكر لهم مذكراً بأيام الله خبر إبراهيم إذ { قال إبراهيم رب } أي أيها المحسن إليّ بإجابة دعائي في جعل القفر الذي وضعت به ولدي بلداً عظيماً . ولما كان السياق لإخراج الرسل من محالهم ، وكان ذلك مفهماً لأن المحل الذي يقع الإخراج منه بلد يسكن فيه ، واتبعه سبحانه بأن المتعرضين بدلوا نعمة الله - بما أسكن فيه من الأمن بعد جعله له بلداً - بما أحدثوا فيه من الإخافة لخير أهله ، ومن الإنذار لمن أنعم عليهم بكل ما فيه من الخير ، كان الأنسب تعريفه فقال : { اجعل هذا البلد } أي الذي يريدون إخراج الرسول منه { آمناً } أي ذا أمن بأمان أهله ، وكأن هذا الدعاء صدر منه بعد أن سكن الناس مكة وصارت مدينة ، والذي في البقرة كان حيث وضع ابنه مع أمه وهي خالية عن ساكن ، فدعا أن يجعلها الله بلداً ، وأن يجعلها بعد ذلك موصوفة بالأمن ، وهو سكون النفس إلى زوال الضر . ولما دعا بالأمن من فساد الأموال والأبدان ، أتبعه بالدعاء بالأمن من فساد الأديان ، فقال : { واجنبني } أي اصرفني { وبني } أي لصلبي ، وأسقط البنات إشارة إلى الاستقلال ، وإنما هن تابعات دائماً { أن نعبد } أي عبادة مستمرة تكون موجبة للنار { الأصنام * } أي اجعلنا في جانب غير جانب عبادتها ، والصنم : المنحوت على خلقة البشر ، وما كان منحوتاً على غير خلقة البشر فهو وثن - قاله الطبري عن مجاهد ؛ تم بين زيادة الاهتمام بأمر الأصنام بإعادة النداء ، وأسقط الأداة - زيادة في التملق بكونه من أهل القرب والانقطاع إليه سبحانه معللاً لما قبله - في قوله : { رب } بإفراد المضاف إليه ليكون الكلام الواحد على نظام واحد { إنهن أضللن } إسناد مجازي علاقته السببية { كثيراً من الناس فمن } أي فتسبب عن بغضي لهن أن أقول : من { تبعني } من جميع الناس في تجنبها { فإنه مني } أي من حزبي لكونه على طريقتي وديني ، فأتني ما وعدتني فيه من الفوز { ومن عصاني } فضل بها فقد استحق النار ، فإن عذبته فهو عبادك ، وإن غفرت له فأنت لذلك ، لأن لك أن تفعل ما تشاء { فإنك غفور } أي بليغ الستر { رحيم * } أي بليغ الإكرام بعد ستر الذنوب ؛ وأكد للإعلام بزيادة رغبته في العفو لأنه لا ينقص به شيء من عزته سبحانه ولا حكمته - كما أشار إليه دعاء عيسى عليه السلام في المائدة . ولما دعا بدرء المفاسد الناشئة من من نوعي الإنسان والشيطان بأمن البلد وإيمانه ذكر السبب الحامل له على تخصيصه بذلك مستجلباً للمصالح ، فقال : { ربنا } أي يا رب وربَّ من قضيت أنه يتبعني بتربيتك لنا أحسن تربية { إني أسكنت } وكأن الله سبحانه كان قد أخبره أنه يكثر نسله حتى يكونوا كالنجوم ، وذلك بعد البشارة بإسحاق عليه السلام فقال : { من ذريتي } وساقه مؤكداً تنبيهاً على أنه - لكونه على وجه لا يسمح به أحد - لا يكاد يصدق ، وللإعلام بأنه راغب فيه { بواد } هو مكة المشرفة لكونها في فضاء منخفض بين جبال تجري به السيول { غير ذي زرع } . ولما نفى عنه الرفد الدنيوي ، أثبت له الأخروي ، إشارة إلى أن الدارين ضرتان لا تجتمعان ، وكأن هذا الدعاء كان بعد بنائه البيت - كما تقدمت الإشارة إليه أيضاً بتعريف البلد ، فقال : { عند بيتك المحرم } أي الذي حرمت التعرض إليه ومنعته بالهيبة فلم يملكه أحد سواك ، وجُعل له حريم يأمن فيه الوحش والطير ؛ والكسنى : اتخاذ مأوى يسكن إليه متى شاء ، والوادي : سفح الجبل العظيم ، ومنه قيل للأنهار : أودية ، لأن حافاتها كالجبال لها ، والزرع : نبات ينفرش من غير ساق ؛ ثم بين غرضه من إسكانهم هناك فقال : { ربنا } أي أيها المحسن إلينا { ليقيموا الصلاة } ما أسكنتهم في هذا الوادي الموصوف إلا لهذا الغرض المنافي لعبادة غيرك ، ولأن أولى الناس بإقامتها حاضرو البيت المتوجه بها إليه . ولما كان اشتغالهم بالعبادة وكونهم في ذلك الوادي أمرين بعيدين عن أسباب المعاش ، تسبب عنه قوله : { فاجعل أفئدة } أي قلوباً محترقة بالأشواق { من الناس } أي من أفئدة الذين هم أهل للاضطراب ، بكون احتراقها بالشوق مانعاً من اضطرابها { تهوي } أي تقصدهم فتسرع نحوهم برغبة وشوق إسراع من ينزل من حالق ؛ وزاد المعنى وضوحاً وأكده بحرف الغاية الدال على بعد لأن الشيء كلما بعد مدى مرماه اشتد وقعه فقال : { إليهم } ولما دعا لهم بالدين ، دعا لهم بالرزق المتضمن للدعاء لجيرانهم فقال : { وارزقهم } أي على يد من يهوي إليهم { من الثمرات } أي التي أنبتها في بلادهم ؛ وبين العلة الصالحة بقوله : { لعلهم يشكرون * } أي ليكون حالهم حال من يرجى شكرهم لما يرون من نعمك الخارقة للعوائد في ذلك الموضع البعيد عن الفضل لولا عنايتك فيشتغلوا بعبادتك لإغنائك لهم وإحسانك إليهم ، وقد أجاب الله دعوته ؛ فالآية لتذكير قريش بهذه النعم الجليلة عليهم ببركة أبيهم الأعظم الذي نهى عن عبادة الأوثان .