Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 38-40)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما فرغ من الدعاء بالأهم من الإبقاء على الفطرة الأولى المشوقة للعزائم إلى العكوف في دارة الأنس ، ومن الكفاية لهم المعاش ، المنتج للشكر بإنفاق الفضل ، وتبين من ذلك أنهم خالفوا أعظم آبائهم في جميع ما قصده لهم من المصالح ، أتبعه ما يحث على الإخلاص في ذلك وغيره له ولغيره ليكون أنجح للمراد بضمان الإسعاد ولا سيما مع تكرير النداء الدال على مزيد التضرع فقال : { ربنا } أي أيها المحسن إلينا المالك لجميع أمورنا { إنك تعلم ما } أي جميع ما { نخفي وما نعلن } ثم أشار إلى عموم علمه فقال : { وما يخفى على الله } أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً . وبالغ في النفي فقال : { من شيء } من ذلك ولا غيره { في الأرض } ولما كان في سياق المبالغة ، أعاد النافي تأكيداً فقال : { ولا في السماء * } أي فهو غير محتاج إلى التعريف بالدعاء ، فالدعاء إنما هو لإظهار العبودية ، واسم الجنس شامل لما فوق الواحد ، ومن فوائد التعبير بالإفراد الدلالة على أن من كان محيطاً بكل ما في المتقابلين من غير أن يحجبه أحدهما عن الآخر ، كان محيطاً بغيرهما كذلك من غير فرق . ولما تم ما دعا به من النزاهة عن رجاسة الشرك وتبين بتقديمه أن أهم المهمات البراءة منه ، أتبعه الحمد على ما رزق من النعم وما تبع ذلك من الإشارة إلى وجوب الشكر فقال : { الحمد لله } أي المستجمع لصفات الكمال { الذي وهب } والهبة : هبة تمليك من غير عقد ، منّاً منه { لي } حال كوني مستعلياً { على الكبر } ومتمكناً منه على يأس من الولد { إسماعيل } الذي أسكنته هنا { وإسحاق } وهذا يدل على ما تقدم فهمي له من أن هذا الدعاء كان بعد بناء البيت وطمأنينته بإسحاق عليه السلام ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سنه كان عند ولادة إسماعيل عليه السلام تسعاً وتسعين سنة ، وعند ولادة إسحاق عليه السلام كان مائة سنة واثنتي عشرة سنة . ولما كان إتيان الولد له في سن لا يولد فيه لمثله ، وجميع ما دعا به من الخوارق فوجوده لا يكاد يصدق ، أشار إلى ذلك بتأكيد قوله : { إن ربي } أي المحسن إليّ { لسميع الدعاء * } أي من شأنه إجابة الدعاء على الوجه الأبلغ تعريضاً بالأنداد وإشارة إلى ما تضمنه تأسفه على العقم ، فقد تقدم في سورة البقرة عن التوراة أنه لما خلّص ابن أخيه لوطاً من الأسر قال له الله : يا إبراهيم ! أنا أكانفك وأساعدك لأن ثوابك قد جزل ، فقال إبرم : اللهم ربي ! ما الذي تنحلني وأنا خارج من الدنيا بلا نسل ويرثني اليعازر غلامي الدمشقي ؟ فقال له الرب : لا يرثك هذا ، بل ابنك الذي يخرج من صلبك فهو يرثك ، وقال له : انظر إلى السماء وأحص النجوم إن كنت تقدر أن تحصيها ، فكذلك تكون ذريتك ، فآمن إبرم بالله . ولما تم الحمد على النعمة بعد الدعاء بالتخلي من منافي السعادة وختمه بالحمد على إجابة الدعاء ، انتهز الفرصة في إتباعه الدعاء بالتحلي بحلية العبادة التي أخبر أنها قصده بإسكانه من ذريته ثم إقامتها ، إشارة إلى صعوبتها على النفس إلا بمعونة الله فقال : { رب } أي أيها الموجد لي المالك لأمري { اجعلني مقيم الصلاة } أي هذا النوع الدال على غاية الخضوع ، دائم الإقامة لها ، وكأن الله تعالى أعلمه بأنه يكون من ذريته من يكفر فقال أدباً : { ومن ذريتي } . ولما كانت أعظم الأركان بعد الإيمان ، أفراد الضمير للدعاء بها متملقاً لله تعالى بما عليه من النعم التي لم ينعمها على أحد كان في ذلك الزمان غيره ، كما أشار إلى ذلك باسم الرب ، ثم زاد في التضرع بقوله : { ربنا } أي أيها المحسن إلينا ، وجمع الضمير المضاف إليه بالنظر إلى من تبعه من ذريته لأن ما بعده كلام آخر ، أي رب وربَّ مّن وفقته بتربيتك وإحسانك لإقامة الصلاة من ذريتي { وتقبل دعاء * } كله بذلك وغيره ، بأن تجعله مقبولاً جعلَ من كأنه راغب فيه مفتن به .