Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 41-46)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان الإنسان ولو اجتهد كل الاجتهاد - محل العجز الموجب للتقصير المفتقر للستر ، قال مشيراً إلى ذلك : { ربنا } أي أيها المالك لأمورنا المدبر لنا { اغفر لي } ثم أشرك معه أقرب الناس إليه وأحقهم بشكره فقال : { ولوالدي } وقد كان استغفاره لهما قبل أن يعلم أن أباه مات كافراً ، وقد علم من السياق أنه إذا كان وحده أضاف إلى ضميره ، وإذا تقدم ما يحسن جمعه معه جمع إن كان ما بعده مستقلاً ، ثم كل من تبعه في الدين من ذريته وغيرهم فقال : { وللمؤمنين } أي العريقين في الوصف { يوم يقوم } أي يظهر ويتحقق على أعلى وجوهه { الحساب * } . ولما ختم دعاءه بيوم الحساب الموجب ذكره لكل سعادة ونسيانه لكل شقاوة ، ذكر بعض ما يتفق فيه رجوعاً إلى ما مضى من أحوال يوم القيامة على أحسن وجه ، فقال - عاطفاً على قوله { قل لعبادي } وجل المقصد تهديد أهل الظلم بالإشراك وغيره ، وخاطب الرأس الذي لا يمكن ذلك منه ليكون أوقع في قلب غيره - : { ولا تحسبن الله } أي الملك الأعظم الذي هو أحكم الحاكمين . ولما كان اعتقاد ترك الحساب يلزم منه نسبة الحاكم إلى العجز أو السفه أو الغفلة ، وكان قد أثبت قدرته وحكمته في هذه السورة وغيرها نزهةً عن الغفلة لينتبه المنكرون للبعث من غفلتهم فقال : { غافلاً } والغفلة : ذهاب المعنى عن النفس { عما يعمل الظالمون * } الذين بدلوا نعمة الله كفراً ، فكانوا عريقين في الظلم وإن كان مستند ظلمهم شبهاً علمية يقيمونها ، فكأنه قيل : فما الذي يفعل بهم ؟ فقال : { إنما يؤخرهم } أي يؤخر حسابهم على النقير والقطمير سواء عذبوا في الدنيا أو لا { ليوم تشخص } أي تفتح فتكون بحيث لا تطرف { فيه } منهم { الأبصار * } أي حال كونهم { مهطعين } أي مسرعين غاية الإسراع إلى حيث دعوا خوفاً وجزعاً ، مع الإقبال بالبصر نحو الداعي لا يلفتونه إلى غيره { مقنعي رؤوسهم } أي رافعيها وناصبيها ناظرين في ذل وخشوع إلى جهة واحدة ، وهي جهة الداعي ، لا يلتفتون يميناً ولا شمالاً ، وهذا كناية عن أشد الذل والصغار ، ثم أتبعه ما يؤكده فقال مصرحاً بمعنى الشخوص : { لا يرتد إليهم } ولما كانوا في هيئة الأعين في الطرف والسكون قريباً من السواء ، وحد فقال : { طرفهم } بل أعينهم شاخصة دائمة الفتح لا تطرف كالمحتضر لما بأصحابها من الهول { وأفئدتهم } جمع فؤاد ، وهو العضو الذي من شأنه أن يحمى بالغضب ؛ قال في القاموس : والتفؤد : التحرق والتوقد ، ومنه الفؤاد للقلب مذكر ، جمعه أفئدة . { هواء * } أي عدم فارغة لا شيء فيها من الجرأة والأنفة التي يظهرونها الآن كما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه : @ ألا أبلغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء @@ والهواء : الخلاء الذي لم تشغله الأجرام ، والنخب : الجبان ، وكذا الهواء - قاله في القاموس . فأنذرهم أهوال ذلك اليوم فإنه لا يبقى معهم فيه شيء مما هم فيه من الإباء والاستكبار { وأنذر } أي يا محمد { الناس } جميعاً ، ما يحل بهم { يوم يأتيهم العذاب } وينكشف عنهم الغطاء بالموت أو البعث . ولما كانوا عند إتيان العذاب قبل الموت لا ينكسرون بالكلية ، بين أنهم إذ ذاك على غير هذا ، فقال عاطفاً على " يأتيهم " : { فيقول الذين ظلموا } أي أوجدوا هذا الوصف ولو على أدنى الوجوه منهم ومن غيرهم بسبب إتيانه من غير تمهل ، وقد زال عنهم ما يفتخرون به من الأنفة والحمية والشماخة والكبر لما رأوا من الأهوال التي لا قبل لهم بها ولا صبر عليها : { ربنا } أي أيها المحسن إلينا بالخلق والرزق والتربية { أخرنا } أي أمهلنا { إلى أجل قريب } فإنك إن تؤخرنا إليه { نجب دعوتك } أي استدراكاً لما فرطنا فيه ؛ والإجابة : القطع على موافقة الداعي بالإرادة { ونتبع } أي بغاية الرغبة { الرسل } فيقال لهم : إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ، أولم تكونوا تقولون : إن عرى صبركم لا تنحل ، وحد عزائمكم لا يفل ؟ { أولم تكونوا } أي كوناً أنتم فيه في غاية المكنة { أقسمتم } أي جهلاً وسفهاً أو أشراً وبطراً . ولما لم يكن وقت إقسامهم مستغرقاً للزمان قال : { من قبل } وبين الجواب المقسم عليه بقوله - حاكياً معنى قولهم لا لفظه - ليكون صريحاً في المراد من غير احتمال لتعنت لو قيل : ما لنا ؟ : { ما لكم } وأكد النفي فقال : { من زوال } عما أنتم عليه من الكفران وعدم الإذعان للإيمان ، أو من هذه الدار إلى الدار الآخرة ، أو من منازلكم التي أنتم بها ، كناية عن ثبات الأمر وعدم المبالاة بالمخالف كائناً من كان { و } الحال أنكم { سكنتم } أي في الدنيا { في مساكن الذين ظلموا } أي بوضع الأشياء في غير مواضعها كما فعلتم أنتم { أنفسهم } فأحلوا قومهم مثلكم دار البور { وتبين } أي غاية البيان { لكم } بالخبر والمشاهدة . ولما كان حال أحدهم في غاية العجب ، بنه بالاستفهام على أنه أهل لأن يسأل عنه فقال : { كيف فعلنا } أي على عظمتنا { بهم } حين انتقمنا منهم فلم تعتبروا بأحوالهم { وضربنا } أي على ما لنا من العظمة { لكم الأمثال * } المبينة أن سنة الله جرت - ولن تجد لسنة الله تبديلاً - أن الظالمين كما جمعهم اسم الظلم يجمعهم ميسم الهلاك ، فجمعنا لكم بين طريقي الاعتبار : السمع والبصر ، ثم لم تنتفعوا بشيء منهما { و } الحال أنه بان لكم أنهم حين فعلنا بهم ما فعلنا { قد مكروا مكرهم } أي الشديد العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم بحيث لم يبق لهم مكر غيره في تأييد الكفر وإبطال الحق ؛ والمكر : الفتل إلى الضرر على وجه الحيلة { و } الحال أنه { عند الله } أي المحيط علماً وقدرة { مكرهم } هو وحده به عالم من جميع وجوهه وإن دق ، وعلى إبطاله قادر وإن جل { وإن كان مكرهم } من القوة والضخامة { لتزول } أي لأجل أن تزول { منه الجبال * } والتقدير على قراءة فتح اللام الأولى ورفع الثانية : وإن كان بحيث إنه تزول منه الجبال ، والمعنيان متقاربان ، وقيل : " إن " نافية ، واللام لتأكيد النفي ؛ والجبال : الآيات والشرائع ، بل هي أثبت .