Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 67-72)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فلما تم ما دار بينه وبين الرسل مقدماً لما بيّن ، أتبعه البيان عن حال قومه إشارة إلى أن الملائكة إن كانوا بصفات البشر لم يعرفهم الكفرة ، وإن كانوا بصفاتهم أو بإظهار شيء من خوارقهم لم تحتمله قواهم ، فلا نفع لهم في مكاشفتهم في حالة من الحالات ، فسؤالهم الإتيان بهم جهل عظيم ، فقال تعالى : { وجاء أهل المدينة } أي التي كان هذا الأمر فيها - قالوا : وهي سدوم - لإرادة عمل الفاحشة بالأضياف { يستبشرون * } أي يلوح على بشراتهم السرور ، فهم يوجدونه لأنفسهم إيجاد من هو شديد الرغبة في طلبه ، فكان حال لوط عليه السلام أن { قال } لهم : { إن هؤلاء } أي الأقرباء مني { ضيفي } . ولما كان إكرام الضيف إكراماً لمن هو عنده وإهانته إهانته ، سبب عن ذلك ما أشار إليه الكلام فقال : { فلا تفضحون * } في إصابتهم بفاحشة ، وكان ذلك قبل معرفته أنهم ملائكة { واتقوا الله } أي الذي له جميع العظمة { ولا تخزون * } أي بإهانة ضيفي ، فيكون ذلك عاراً عليّ مدى الدهر ، فلم يكفهم ذلك بل { قالوا } بفظاظة ، عاطفين على ما تقديره : ألم تعلم أنا لا نترك هذا الأمر لشيء من الأسباب : { أو لم ننهك } أي من قبل هذا { عن العالمين * } أن تجير علينا أحداً منهم ، فما وصلوا إلى هذا الحد من الوقاحة ، ذكر لهم الحريم ليحملهم ذلك على الحياء ، لأنه دأب من له أدنى مروءة ولا سيما ذكر الأبكار في سياق يكاد يصرح بمراده ، بأن { قال هؤلاء } مشيراً إلى بيته الذي فيه بناته صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن { بناتي إن كنتم } ولا بد { فاعلين * } أي قد عزمتم عزماً ماضياً على هذا الفعل ، إشارة بأداة الشك إلى أن هذا الفعل مما لا ينبغي أن يفعل ، يعني وأنتم عالمون بأني لا أسلم بناتي أبداً ، فعلم من ذلك أن وصولكم إلى أضيافي دون هلاكي محال . ولما ذكر ما ذكر من أمورهم وعظيم فجورهم ، وهم قد فرغ من أمرهم وقضي باستئصالهم ، كان كل من يعلم ذلك قاضياً بأنهم لا عقول لهم ، فأتبع سبحانه ذلك ما يدل عليه بقوله : { لعمرك } أي وحياتك يا كريم الشمائل ، وأكد لأن الحال قاض في ذلك الحين استبعاد ردهم ، ولتحقيق أن ذلك ضلال منهم صرف وتعنت محض ، فقال : { إنهم لفي سكرتهم } أي غوايتهم الجاهلية { يعمهون * } أي يتحيرون ولا يبصرون طريق الرشد ، فلذلك لا يقبلون قول النصوح ، فإن كان المخاطب لوطاً عليه السلام ، كان ضمير الغيبة لقومه ، وإن كان المخاطب نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وهو الظاهر - كان الضمير لقومه ، وكان التقدير أنهم في خبط بعيد عن السنن في طلبهم إتيان الملائكة كما كان قوم لوط عليه السلام يقصدون الالتذاذ بالفاحشة بمن مكن من هلاكهم ، فشتان ما بين القصدين ! وهيهات لما بين الفعلين ! فصار المعنى أن ما قذفوك به أول السورة بهم لابك ، لأن من يطلب إتيان الملائكة - مع جواز أن يكون حاله حال قوم لوط عليه السلام عند إتيانهم - هو المجنون ؛ والعمر - بالفتح : العمر - بالضم ، وهو مدة بقاء الشيء حيّاً ، لكنه لا يقال في القسم إلا بالفتح لخفته مع كثرة دور القسم ، ولذلك حذفوا الذي تقديره : قسمي ، والسكرة : غمور السهو للنفس .