Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 63-66)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كانت حقيقة المنكر ما خرج عن عادة أشكاله ، ولم يكن على طريقة أمثاله ، أضربوا عن قوله ، وكان جوابهم أن { قالوا بل } أي لسنا منكرين لأنا { جئناك } لنفرج عنك { بما } أي بسبب إيقاع ما { كانوا } أي جبلة وطبعاً { فيه يمترون * } بما جرت عادتنا أن نأتي بمثله من العذاب الذي كانوا يشكون فيه شكاً عظيماً ، يحملون نفوسهم عليه ويكذبون به ، والجاهل يوصف بالشك وإن كان مكذباً من جهة ما يعرض له منه ، من حيث إنه لا يرجع إلى ثقة فيما هو عليه { وأتيناك بالحق } الفاصل بينك وبينهم ، الواقع بهم مطابقاً لإخبارنا ؛ والإتيان : الانتقال إلى جهة الشيء ، والذهاب : الانتقال عنه { وإنا لصادقون * } في الإخبار بما يطابق الواقع . ولما أخبروه بوقوع العذاب بهم ، أمروه بما يكون سبباً فيما أمروا به من إنجائه ، فقالوا : { فأسر } فأتو بالفاء لأن ما بعدها مسبب عما قبلها { بأهلك بقطع } أي طائفة { من الليل واتبع } أي كلف نفسك أن تتبع { أدبارهم } لتكون أقربهم إلينا وإلى محل العذاب ، لأنك أثبتهم قلباً وأعرفهم بالله ، والشر من ورائكم ، وقد جرت عادة الكبراء أن يكونوا أدنى جماعتهم إلى الأمر المخوف سماحاً بأنفسهم وتثبيتاً لغيرهم ، وعلماً منهم بأن مداناة ما فيه وجل لا يقرب من أجل ، وضده لا يغني من قدر ، ولا يباعد من ضرر ، ولئلا يشتغل قلبك بمن خالفك ، وليحتشموك فلا يلتفتوا ، أو يتخلف أحد منهم - وغير ذلك من المصالح ؛ والدبر : جهة الخلف وهو ضد القبل { ولا يلتفت } أي أصلاً { منكم أحد } إذ لا فائدة فيه لأن الملتفت غير ثابت ، لأنه إما غير مستيقن لخبرنا أو متوجع لهم ، فمن التفت ناله العذاب ، وذلك أيضاً أجد في الهجرة ، وأسرع في السير ، وأدل على إخراج ما خلفوه من منازلهم وأمتعتهم من قلوبهم ، وعلى أنهم لا يرقون لمن غضب الله عليهم مع أنهم ربما رأوا ما لا تطيقه أنفسهم { وامضوا حيث } وتعبيره بالمضارع يشعر بأنه يكون معهم بعض الملائكة عليهم السلام في قوله : { تؤمرون * } . ولما تقرر بهذا أمر إهلاكهم من غير تصريح ولا تعيين لوقت ، قال تعالى : { وقضينا } أي بما لنا من العظمة ، موحين { إليه } أي خاصة { ذلك الأمر } وأشار إلى تعظيمه بالإشارة إليه بأداة البعد ، ثم فسره بقوله : { أن دابر } أي آخر { هؤلاء } أي الحقيرين عند قدرتنا ، وأشار بصيغة المفعول إلى عظمته سبحانه وسهولة الأمر عنده فقال تعالى : { مقطوع } حال كونهم { مصبحين * } ولا يقطع الدابر حتى يقطع ما دونه ، لأن العدو يكون مستقبلاً لعدوه ، فهو كناية عن الاستئصال بأن آخرهم وأولهم في الأخذ سواء ، لأن الآخذ قادر ، لا كما يفعل بعض الناس مع بعض من أنهم يملون في آخر الوقائع فيفوتهم البعض .