Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 85-87)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان المتعنت ربما قال : ما له يخلقهم ثم يهلكهم وهو عالم حين خلقهم أنهم يكذبون ؟ وكانت هذه الآية ملتفتة - مع ما فيها من ذكر الأرض - إلى تلك التي أتبعها ذكر الخافقين ، استدلالاً على الساعة ، قال على ذلك النمط : { وما خلقنا } أي على عظمتنا { السماوات } أي على ما لها من العلو والسعة { والأرض } على ما بها من المنافع والغرائب { وما بينهما } من هؤلاء المكذبين وعذابهم ، ومن المياه والرياح والسحاب المسبب عنه النبات وغير ذلك { إلا بالحق } أي خلقاً ملتبساً بالحق ، فيتفكر فيه من وفقه الله فيعلم النشأة الآخرة بهذه النشأة الأولى ، أو بسبب الحق من إثبات ثوابت الأمور ونفي مزلزلها ، لتظهر عظمتنا بإنصاف المظلوم من الظالم ، وإثابة الطائع وعقاب العاصي في يوم الفصل - إلى غير ذلك من الحكم كما قال تعالى { ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى } [ النجم : 31 ] فمن أمهلناه في الدنيا أخذنا منه الحق بعد قيام الساعة ، فلا بد من فعل ذلك { وإن الساعة لآتية } لأجل إقامة الحق لا شك في إتيانها لحكم علمها سبحانه فيظهر فيها كل ذلك ، ويمكن أن يكون التقدير : فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ، وما فعلنا ذلك إلا بالأمر من قولنا " كن " وهو الحق { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } أي بالأمر { ألا له الخلق والأمر } [ الأعراف : 54 ] يعني أنه لا مشقة علينا في شيء من ذلك ، وسنعدم ذلك بالحق إذا أردنا قيام الساعة ، وأن الساعة لآتيه ، لأنا قد وعدنا بذلك ، وليس بينكم وبين كونها إلا أن نريد فتكون كما كان غيرها مما أردناه { فاصفح الصفح } أي فأعرض - بسبب تحقق الأخذ بثارك - الإعراض { الجميل * } بالحلم ولإغضاء وسعة الصدر ، في مثل قولهم { ياأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } فإنه لا بد من الأخذ لك منهم بالحق ولو لم يكن لك نصرة إلا في ذلك اليوم لكانت كافية ؛ ثم علل هذا الأمر بقوله : { إن ربك } أي المحسن إليك الآمر لك بهذا { هو } أي وحده { الخلاّق } المتكرر منه هذا الفعل في كل وقت بمجرد الأمر ، فلا عجب في إيجاد ما ينسب إليه من إبداع الساعة أو غيرها ، وهو لذلك عالم بأحوالكم أجمعين وما يكون منها صلاحاً لك على غاية الحكمة ، لأن المصور أعلم بالصورة من ناظرها والمتبصر فيها ، وصانع الشيء أدرى به من مشتريه ، وباني البيت أخبر به من ساكنه ، وهو الذي خلق كل ما تراه منهم فهو فعله فسلم له . ولما كان إحكام المصنوعات لا يتم إلا بالعلم ، قال تعالى : { العليم * } أي البالغ العلم بكل المعلومات ، فلا ترى أفعالهم وأقوالهم إلا منه سبحانه لأنه خالقها ، وقد علمت أنه لا يضيع مثقال ذرة فاعتمد عليه في أخذ حقك ، فإنه نعم المولى ونعم النصير ، ولا يخفي عليه شيء منه ؛ ويدل على ما قلته آية يس { أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاّق العليم } [ يس : 81 ] أو يقال : فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون شيئاً مما أردنا من الحق ، لأنا ما خلقنا عذابهم إلا بالحق كما خلقناهم بالحق ، فلم يمتنع علينا شيء من ذلك { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق } أي بسبب إقامة الحق وإظهار أمرنا في العدل ، ولولا أن سلطنا بعض الناس على بعض لم يظهر لهم منا هذه الصفة غاية الظهور ، فنحن نعجل من الحق الذي خلقنا ذلك بسببه على قيام الساعة - ما شئنا من الابتلاء والانتقام كما فعلنا ممن قصصنا أمرهم ، ونؤخر من ذلك ما بقي إلى قيام الساعة { وإن الساعة لآتية } لا شك فيها ، فلا ندع هناك شيئاً من الحقوق إلا أقمناه { فأصفح الصفح الجميل } فلا بد من الأخذ لك بحقك إما في الدنيا وإما في الآخرة أن أي لأن { ربك هو الخلاّق } أي الفاعل للخلق مرة بعد مرة ، لا تنفذ قدرته ولا تهن كلمته { العليم } التام العلم ، فهو قادر على ذلك عالم بوجه الحكمة فيه في وقته وكيفيته ، فهو يعيد الخلائق في الساعة كما بدأهم ، ويستوفي إذ ذاك جميع الحقوق ويؤتيك في ذلك اليوم ما يقر به عينك . ولما ذكر صفة العلم بصيغة المبالغة ، أتبعها ما آتاه في هذه الدار من مادة العلم بصيغة العظمة ، فقال عطفاً على ما قدرته مما دل عليه السياق : { ولقد آتيناك } مما يدل على علمنا { سبعاً من المثاني } وهي الفاتحة الجامعة على وجازتها جميع معاني القرآن فتثني في النزول فإنها نزلت مرتين ، وتثني في كل ركعة من الصلاة ، وهي ثناء على الله والصالحين من عباده ، وهي مقسومة بين الله وعبده ، وتثني فيه مقاصدها ، ويورد كل معنى من معانيها فيه بطرق مختلفة في إيضاح الدلالة عليه في قوالب الألفاظ وجواهر التراكيب الهادية إليه - وغير ذلك من التثنية { والقرآن العظيم * } أي الحاوي لجميع علوم الأولين والآخرين مما في جميع الكتب السالفة وغيره .