Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 103-107)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما نقض شبهتهم هذه إشارة وعبارة بما فضحهم ، نقض لهم شبهة أخرى بأوضح من ذلك وأفضح فقال تعالى : { ولقد نعلم } أي علماً مستمراً { أنهم يقولون } أي أيضاً قولاً متكرراً لا يزالون يلهجون به { إنما يعلمه بشر } وهم يعلمون أن ذلك سفساف من القول ؛ ثم استأنف الرد عليهم فقال تعالى : { لسان } أي لغة وكلام { الذين يلحدون } أي يميلون أو يشيرون { إليه } بإن علمه إياه ، مائلين عن القصد جائرين عادلين عن الحق ظالمين { أعجمي } أي غير لغة العرب ، وهو مع ذلك ألكن في النادية غير بين ، وهو غلام كان نصرانياً لبعض قريش اختلف في اسمه ، وهذا التركيب وضع في لسان العرب للإبهام والإخفاء ، ومنه عجم الزبيب - لاستتاره ، والعجماء : البهيمة - لأنها لا تقدر على أيضاح ما في نفسها ، وأما أعجمت الكتاب فهو للإزالة . { وهذا } أي القرآن { لسان عربي مبين * } أي هو من شدة بيانه مظهر لغيره أنه ذو بيان عظيم ، فلو أن المعلم عربي للزمهم أن لا يعجزوا عن الإتيان بمثل ما علم ، فكيف وهو أعجمي . فلما بانت بهذا فضيحتهم ، كان كأنه قيل : إن من العجب إقدامهم على مثل هذا العار وهم يدعون النزاهة ؟ فأجاب بقوله تعالى : { إن الذين لا يؤمنون } أي يصدقون كل تصديق معترفين { بآيات الله } أي الذي له العظمة كلها { لا يهديهم الله } أي الملك الأعلى الذي له الغنى المطلق ، بل يضلهم عن القصد ، فلذلك يأتون بمثل هذه الخرافات فأبشر لمن بالغ في العناد ، بسد باب الفهم والسداد . ولما كان ربما توهم أنه لكونه هو المضل لا يتوجه اللوم عليهم نفى ذلك بقوله : { ولهم عذاب أليم * } أي بذلك ، لمباشرتهم له مع حجب المراد عنهم وخلق القدرة لهم ، إجراء على عوائد بعض الخلق مع بعض . ولما زيف شبههم ، أثبت لهم ما قذفوه به وهو بريء منه مقصوراً عليهم ، فقال تعالى : { إنما يفتري } أي يتعمد { الكذب الذين لا يؤمنون } أي لا يتجدد منهم الإيمان { بآيات الله } أي الذي له الكمال كله ، فإن ردهم لما قام الدليل على أنه حق وعجزوا عنه تعمد منهم للكذب ؛ ثم قصر الكذب عليهم فقال : { وأولئك } أي البعداء البغضاء { هم } أي خاصة { الكاذبون * } أي العريقون في الكذب ظاهراً وباطناً . ولما ذكر الذين لا يؤمنون مطلقاً ، أتبعهم صنفاً منهم هم أشدهم كفراً فقال تعالى : { من } أي أي مخلوق وقع له أنه { كفر بالله } أي الذي له صفات الكمال ، بأن قال أو عمل ما يدل على الكفر ، ولما كان الكفر كله ضاراً وإن قصر زمنه ، أثبت الجار فقال تعالى : { ومن بعد إيمانه } بالفعل أو بالقوة ، لما قام على الإيمان من الأدلة التي أوصلته إلى حد لا يلبس فصار استكباره عن الإيمان ارتداداً عنه وجوب الشرط دل ما قبله وما بعده على أنه : فهو الكاذب ، أو فعليه غضب من الله { إلا من أكره } أي وقع إكراهه على قول كلمة الكفر { وقلبه } أي والحال أن قلبه { مطمئن بالإيمان } فلا شيء عليه ، وأجمعوا - مع إباحة ذلك له - أنه لا يجب عليه التكلم بالكفر ، بل إن ثبت كان ذلك أرفع درجة ، والآية " نزلت في عمار بن ياسر رضي الله عنه أكرهوه فتابعهم وهو كاره ، فأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه كفر ، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : كلا ! إن عماراً ملىء إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يمسح عينيه ويقول : إن عادوا فعد لهم بمثل ما قلت " { ولكن من شرح } أي فتح فتحاً صار يرشح به { بالكفر صدراً } أي منه أو من غيره بالتسبب فيه لأن حقيقة الإيمان والكفر يتعلق بالقلب دون اللسان ، وإنما اللسان معبر وترجمان معرف بما في القلب لتوقع الأحكام الظاهرة { فعليهم } لرضاهم به { غضب } أي غضب ؛ ثم بين جهة عظمه بكونه { من الله } أي الملك الأعظم { ولهم } أي بظواهرهم وبواطنهم { عذاب عظيم * } لارتدادهم على أعقابهم . ولما كان من يرجع إلى الظلمات بعد خروجه منها إلى النور جديراً بالتعجب منه ، كان كأنه قيل : لم يفعلون ، أو لم يفعل بهم ذلك ؟ فقال تعالى : { ذلك } الارتداد أو الوعيد العظيم { بأنهم } أي بسبب أنهم { استحبوا } أي أحبوا حباً عظيماً { الحياة الدنيا } أي الدنيئة الحاضرة الفانية ، فآثروها { على الآخرة } الباقية الفاخرة لأنهم رأوا ما فيه المؤمن من الضيق والكافر من السعة { و } بسبب { أن الله } أي الملك الذي له الغنى الأكبر { لا يهدي القوم الكافرين * } الذين علم استمرارهم عليه ، بل يخذلهم ويسلط الشيطان عليهم يحتالهم عن دينهم .