Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 108-110)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان استمرارهم على الكفر أعجب من ارتدادهم ، أتبعه سببه فقال تعالى : { أولئك } أي البعداء البغضاء { الذين طبع } أي ختم ختماً هو كفيل بالعطب { الله } أي الملك الذي لا أمر لأحد معه { على قلوبهم } ولما كان التفاوت في السمع نادراً ، وحده فقال تعالى : { وسمعهم وأبصارهم } فصاروا - لعدم انتفاعهم بهذه المشاعر - كأنهم لا يفهمون ولا يسمعون ولا يبصرون { وأولئك } أي الأباعد من كل خير { هم الغافلون * } أي الكاملو الغفلة ؛ ثم أتبع ذلك جزاءهم عليه فقال تعالى : { لا جرم } أي لا شك { أنهم في الآخرة هم } أي خاصة { الخاسرون * } أي أكمل خسارة لأنهم خسروا رأس المال وهو نفوسهم ، فلم يكن لهم مرجع يرجعون إليه . ولما قدم الفاتن والمفتون ، أتبع ذلك ذكر حكمهما على القراءتين فقال تعالى : بحرف التراخي إشارة إلى تقاصر رتبتهما عن رتبة من لم يفعل ذلك : { ثم إن ربك } أي المحسن إليك بالعفو عن أمتك وتخفيف الآصار عنهم في قبول توبة من ارتد بلسانه أو قلبه { للذين هاجروا } أهل الكفر بالنزوح من بلادهم توبة إلى الله تعالى مما كانوا فيه . ولما كان سبحانه يقبل اليسير من العمل في أي وقت كان ، أشار إلى ذلك بالجار فقال تعالى مبيناً أن الفتنة بالأذى - وإن كان بالغاً - غير قادحة في الهجرة وما تبعها ، فيفيد ذلك في الهجرة بدونها من باب الأولى { من بعد ما فتنوا } بالبناء للمجهول - على قراءة الجماعة ، لأن المضر هو الفتنة مطلقاً ، وللفاعل على قراءة ابن عامر ، أي ظلموا بأن فتنوا من آمن بالله حين كانوا كفاراً ، أو أعطوا الفتنة من أنفسهم ففتنوها بأن أطاعوا في كلمة الكفر ، أو في الرجوع مع من ردهم إلى بلاد الكفر بعد الهجرة من بعد إيمانهم { ثم جاهدوا } أي أوقعوا جهاد الكفار مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توبة إلى الله تعالى { وصبروا } على ذلك إلى أن ماتوا عليه { إن ربك } أي المحسن إليك بتسخير من هذه صفاتهم لك . ولما كان له سبحانه أن يغفر الذنوب كلها ما عدا الشرك ، وأن يعذب عليها كلها وعلى بعضها ، وأن يقبل الصالح كله ، وأن يرد بعضه ، أشار إلى ذلك بالجار فقال تعالى : { من بعدها } أي هذه الأفعال الصالحة الواقعة بعد تلك الفاسدة وهي الفتنة { لغفور } أي بليغ المحو للذنوب { رحيم * } أي بليغ الإكرام فهو يغفر لهم ويرحمهم .