Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 15-17)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما ذكر الأغوار ، الهابطة الضابطة للبحار ، أتبعها الأنجاد الشداد ، التي هي كالأوتاد ، تذكيراً بما فيها من النعم فقال : { وألقى في الأرض } أي وضع فيها وضعاً ، كأنه قذفه فيها قذفاً ، جبالاً { رواسي } مماسة لها ومزينة لنواحيها ، كراهة { أن تميد } أي تميل مضطربة يميناً وشمالاً ، أي فيحصل لكم الميد ، وهو دوار يعتري راكب البحر { بكم } فهي ثابتة لأجل ذلك الإلقاء ، ثابتة مع اقتضائها بالكرية التحرك . ولما ذكر الأوهاد ، وأتبعها الأوتاد ، تلاها بما تفجره غالباً منها ، عاطفاً على { رواسي } لما تضمنه العامل من معنى " جعل " فقال : { وأنهاراً } وأدل دليل على ثبات الأرض ما سبقها من ذكر البحار ، ولحقها من الحديث عن الأنهار ، فإنها لو تحركت ولو بمقدار شعرة في كل يوم لأغرقت البحارُ من إلى جانب الانخفاض ، وتعاكست مجاري الأنهار ، فعادت منافعها أشد المضار ، ولو زادت البحار ، بما تصب فيها الأنهار ، على مر الليل وكر النهار ، لأغرقت الأرض ، ولكنه تعالى دبر الأمر بحكمته تدبيراً تعجز عن الاطلاع على كنهه أفكار الحكماء ، بأن سلط حرارة الشمس على الأرض في جميع مدة الصيف وبعض غيره من الفصول ، فسرت في أغوارها ، وحميت في أعماقها في الشتاء ، فأسخنت مياه البحار وغيرها فتصاعدت منها بخارات كما يتصاعد من القدر المغلي بقدر ما صبت فيها الأنهار ، فانعقدت تلك البخارات في الجو مياهاً لما بردت ، فنزل منها المطر ، فأحيا الأرض بعد موتها ، وتخلل أعماقها منه ما شاء الله ، فأمد الأنهار ، ولذلك تزيد بزيادة المطر وتنقص بنقصه ، وهكذا في كل عام ، فأوجب ذلك بقاء البحر على حاله من غير زيادة ، فسبحان المدبر الحكيم العزيز العليم ! ولما ذكر ذلك ، أتبعه ما يتوصل به إلى منافع كل منه فقال تعالى : { وسبلاً } . ولما كانت الجبال والبحار والأنهار أدلة على السبل الحسية والمعنوية ، قال تعالى : { لعلكم تهتدون * } أي يحصل الاهتداء فتهتدوا إلى مقاصدكم . ولما كانت الأدلة في الأرض غير محصورة فيها ، قال : { وعلامات } أي من الجبال وغيرها ، جمع علامة وهي صورة يعلم بها المعنى من خط ، أو لفظ أو إشارة أو هيئة ، وقد تكون علامة وضعية ، وقد تكون برهانية . ولما كانت الدلالة بالنجم أنفع الدلالات وأعمها وأوضحها براً وبحراً ليلاً ونهاراً ، نبه على عظمها بالالتفات إلى مقام الغيبة لإفهام العموم لئلا يظن أن المخاطب مخصوص ، وأن الأمر لا يتعداه ، فقال تعالى : { وبالنجم هم } أي أهل الأرض كلهم ، وأولى الناس بذلك أول المخاطبين ، وهم قريش ثم العرب كلها ، لفرط معرفتهم بالنجوم { يهتدون * } وقدم الجار تنبيهاً على أن دلالة غيره بالنسبة إليه سافلة . ولما لم يبق - بذكر الدلائل على الوحدانية على الوجه الأكمل ، والترتيب الأحسن ، والنظم الأبلغ - شبهة في أن الخالق إنما هو الله ، لما ثبت من وحدانيته ، وتمام علمه وقدرته ، وكمال حكمته ، لجعله تلك الدلائل نعماً عامة ، ومنناً تامة ، مع اتضاح العجز في كل ما يدعون فيه الإلهية من دونه ، واتضاح أنه سبحانه في جميع صنعه مختار ، للمفاوتة في الوجود والكيفيات بين ما لا مقتضى للتفاوت فيه غير الاختيار ، فثبت بذلك أنه قادر على الإًّتيان بما يريد . قال مسبباً عن ذلك : { أفمن يخلق } أي يجدد ذلك حيث أراد ومتى أراد فلا يمكن عجزه بوجه لتمكن شركته { كمن } شركته ممكنة ، فهو أصل في ذلك بسبب أنه { لا يخلق } أي لا يقع ذلك منه وقتاً ما من الأصنام وغيرها ، في العجز عن الإتيان بما يقوله ؛ المستلزم لأن يكون ممكناً مخلوقاً ، ولو كان التشبيه معكوساً كما قيل لم يفد ما أفاد هذا التقدير من الإبلاغ في ذمهم بإنزال الأعلى عن درجته ، وعبر بـ " من " لأنهم سموها آلهة ، وأنهى أمرها أن تكون عاقلة ، فإذا انتفى عنها وصف الإلهية معه لعدم القدرة على شيء انتفى بدونه من باب الأولى . ولما سبب عن هذه الأدلة إنكار تسويتهم الخالق بغيره في العجز ، سبب عن هذا الإنكار إنكار تذكرهم ، حثاً لهم على التذكر المفيد لترك الشرك فقال : { أفلا تذكرون * } بما تشاهدونه من ذلك ولو من بعض الوجوه - بما أفاده الإدغام - لتذكروا ما يحق اعتقاده .