Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 18-21)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كانت المقدورات لا تحصر ، وأكثرها نعم العباد مذكرة لهم بخالقهم ، قال تعالى ممتناً عليهم بإحسانه من غير سبب منهم : { وإن تعدوا } أي كلكم { نعمة الله } أي إنعام الملك الذي لا رب غيره ، عليكم وإن كان في واحدة فإن شعبها تفوت الحصر { لا تحصوها } أي لا تضبطوا عددها ولا تبلغه طاقتكم مع كفرها وإعراضكم جملة عن شكرها ، فلو شكرتم لزادكم من فضله . ولما كانوا مستحقين لسلب النعم بالإعراض عن التذكير ، والعمى عن التبصر ، أشار إلى سبب إدرارها ، فقال تعالى : { إن الله } أي الذي له صفات الكمال بجميع صفات الإكرام والانتقام { لغفور رحيم * } فلذلك هو يدر عليكم نعمه وأنتم منهمكون فيما يوجب نقمه . ولما جرت العادة بأن المكفور إحسانه يبادر إلى قطعه عند علمه بالكفر ، فكان ربما توهم متوهم أن سبب مواترة الإحسان عدم العلم بالكفران ، أو عدم العلم بكفران لا يدخل تحت المغفرة ، قال مهدداً مبرزاً للضمير بالاسم الأعظم الذي بنيت عليه السورة للفصل بالفرق بين الخالق وغيره ولئلا يتوهم تقيد التهديد بحيثية المغفرة إيماء إلى أن ذلك نتيجة ما مضى : { والله } أي الذي له الإحاطة الكاملة بجميع صفات الإكرام والانتقام { يعلم } أي على الإطلاق { ما تسرون } أي كله . ولما كان الإسرار ربما حمل على حالة الخلوة ، فلم يكن علمه دالاً على الإعلان ، قال تعالى : { وما تعلنون * } ليعلم مقدار المضاعفة لموجبات الشكر وقباحة الكفر ، وأما الأصنام فلا تعلم شيئاً فلا أسفه ممن عبدها . ولما أثبت لنفسه تعالى كمال القدرة وتمام العلم وأنه المنفرد بالخلق ، شرع يقيم الأدلة على بعد ما يشركونه به من الإلهية بسلب تلك الصفات فقال تعالى : { والذين يدعون } أي دعاء عبادة { من دون الله } أي الذي له جميع صفات الكمال { لا يخلقون شيئاً } ولما كان ربما ادعى مدع في شيء أنه لا يخلق ولا يخلق ، قال : { وهم يخلقون * } . ولما كان من المخلوقات الميت والحي ، وكان الميت أبعد شيء عن صفة الإله ، قال نافياً عنها الحياة - بعد أن نفى القدرة والعلم - المستلزم لأن يكون عبدتها أشرف منها المستلزم لأنهم بخضوعهم لها في غاية السفه : { أموات } ولما كان الوصف قد يطلق على غير الملتبس به مجازاً عن عدم نفعه بضده وإن كان قائماً به عريقاً فيه قال : { غير أحياء } مبيناً أن المراد بذلك حقيقة سلب الحياة على ضد ما عليه الله { ألا له الخلق } من كونه حياً لا يموت ، ولعله اقتصر على وصفهم - مع أنهم موات - بأنهم أموات لأن ذلك مع كونه كافياً في المقصود من السياق - وهو إبعادهم عن الإلهية - يكون صالحاً لكل مخلوق ادعى فيه الإلهية وإن اتصف بالحياة ، لأن حياته زائلة يعقبها الموت ، ومن كان كذلك كان بعيداً عن صفة الإلهية . ولما كانوا - مع علمهم بأن الأصنام حجارة لا حياة لها - يخاطبون من أجوافها بألسنة الشياطين - كما هو مذكور في السير وغيرها من الكتب المصنفة في هواتف الجان ، فصاروا يظنون أن لها علماً بهذا الاعتبار ، ولذلك كانوا يظنون أنها تضر وتنفع ، احتيج إلى نفي العلم عنها ، ولما كانوا يخبرون على ألسنتها ببعض ما يسترقونه من السمع ، فيكون كما أخبروا ، لم ينف عنها مطلق العلم ، بل نفي ما لا علم لأحد غير الله به ، لأنهم لا يخبرون عنه بخبر إلا بان كذبه ، فقال تعالى عادّاً للبعث عداد المتفق عليه : { وما يشعرون } أي في هذا الحال كما هو مدلول ما { أيان } أي أيّ حين { يبعثون * } فنفى عنهم مطلق الشعور الذي هو أعم من العلم ، فينتفي كل ما هو أخص منه .