Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 27-28)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما بين سبحانه وتعالى حال المكرة المتمردين عليه في الدنيا ، أخذ يذكر حالهم في الآخرة تقريراً للآخرة وبياناً لأن عذابهم غير مقصور على الدنيوي ، فقال تعالى : { ثم يوم القيامة يخزيهم } أي الله تعالى الذي فعل بهم في الدنيا ما تقدم ، خزياً يشهده جميع الخلائق الوقوف في ذلك اليوم ، فيحصل لهم من الذل - جزاء على تكبرهم - ما يجل عن الوصف ، وعطفه بـ " ثم " لاستبعادهم له ولما له من الهول والعظمة التي يستصغر لها كل هول { ويقول } أي لهم في ذلك الجمع تبكيتاً وتوبيخاً : { أين شركاءي } على ما كنتم تزعمون ، وأضاف سبحانه إلى نفسه المقدس لأنه أقطع في توبيخهم وأدل على تناهي الغضب { الذين كنتم } أي كوناً لا تنفكون عنه { تشاقون فيهم } أوليائي ، فتكونون بمخالفتهم في شق غير شقهم ، فتخضعون لما لا ينبغي الخضوع له ، وتتكبرون على من لا ينبغي الإعراض عنه ، ما لهم لا يحضرونكم ويدفعون عنكم في هذا اليوم ؟ وقرىء بكسر النون لأن مشاققة المأمور مشاققة الآمر . ولما كان المقام للجلال والعظمة المستلزم لزيادة الهيبة التي يلزم عنها غالباً خرس المخزي عن جوابه لو كان له جواب ، وكان من أجل المقاصد في تعذيبهم العدل بتفريح الأولياء وإشماتهم بهم ، جزاء لما كانوا يعملون بهم في الدنيا ، وكانت الشماتة أعلى محبوب للشامت وأعظم مرهوب للمشموت فيه ، وأعظم مسلّ للمظلوم ، دل على سكوتهم رغباً عن المبادرة بالجواب بتأخير الخبر عنه وتقديم الخبر عن شماتة أعدائهم فيهم في سياق الجواب عن سؤال من قال : هل علم بذلك المؤمنون ؟ فقيل : { قال الذين } ولما كان العلم شرفاً للعالم مطلقاً ، بني للمفعول قوله : { أوتوا العلم } أي انتفعوا به في سلوك سبيل النجاة من الأنبياء عليهم السلام ومن أطاعهم من أممهم ، إشارة إلى أن الهالك يصح سلب العلم عنه وإن كان أعلم الناس ، وعدل عن أن يقول : أعداؤهم أو المؤمنون ونحوه ، إجلالاً لهم بوصفهم بالعلم الذي هو أشرف الصفات لكونه منشأ كل فضيلة ، وتعرضاً بأن الحامل للكفار على الاستكبار الجهل الذي هو سبب كل رذيلة { إن الخزي } أي البلاء المذل { اليوم } أي يوم الفصل الذي يكون للفائز فيه العاقبة المأمونة { والسوء } أي كل ما يسوء { على الكافرين * } أي العريقين في الكفر الذين تكبروا في غير موضع التكبر ، لا على غيرهم ؛ ثم رغبهم في التوبة بقوله : { الذين تتوفّاهم } بالفوقية في قراءة الجمهور لأن الجمع مؤنث ، وبالتحتية في قراءة حمزة لأن المجموع غير مؤنث ، وكان وفاتهم على وجهين : وجه خفيف - بما أشار إليه التأنيث لخفة كفر صاحبه ، وآخر ثقيل شديد لشدة كفر صاحبه ، ولم يحذف شيء من التاءين للإشارة إلى نقصان حالهم لأنه لا يمكن خيرها لموتهم على الكفر بخلاف ما تقدم في تارك الهجرة في النساء { الملائكة } أي المؤكلون بالموت ، حال كونهم { ظالمي أنفسهم } بوضعها من الاستكبار على الملك الجبار غير موضعها . فلما تم ذلك على هذا الوجه البديع ، والأسلوب الرفيع المنيع ، ابتدأ الخبر عن جوابهم على وجه معلم بحالهم فقال : { فألقوا } أي من أنفسهم عقب قول الأولياء وبسبب سؤال ذي الكبرياء { السلم } أي المقادة والخضوع بدل ذلك التكبر والعلو قائلين ارتكاباً للكذب من غير احتشام : { ما كنا نعمل } وأعرقوا في النفي فقالوا : { من سوء } فكأنه قيل : إن هذا لبهتان عظيم في ذلك اليوم الجليل ، فماذا قيل لهم ؟ فقيل : { بلى } قد عملتم أعظم السوء ؛ ثم علل تكذيبهم بقوله : { إن الله } أي المحيط بكل شيء { عليم } أي بالغ العلم من كل وجه { بما كنتم } أي جبلة وطبعاً { تعملون * } أي من الضلال والإضلال ، فلا يسعكم الإنكار ، أفما آن لكم أن تنزعوا عن الجهل فيما يضركم ولا ينفعكم ويخفضكم ولا يرفعكم !