Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 33-35)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أخبر تعالى عن أحوال الكفار السائلين في نزول الملائكة بعد أن وهىّ شبههم ، وأخبر عن توفي الملائكة لهم ولأضدادهم المؤمنين ، مشيراً بذلك إلى أن سنته جرت بأنهم لا ينزلون إلا لإنزال الروح من أمره على من يختصه لذلك أو لأمر فيصل لا مهلة فيه ، قال منكراً عليهم : { هل ينظرون } أي هؤلاء الكفار في تقاعسهم عن تصديق الرسل في الإخبار بما أنزل ربهم ، وجرد الفعل إشارة إلى قرب ما ينتظرونه { إلا أن تأتيهم } أي بأمر الله { الملائكة } وهم لا يأتونهم إلا بمثل ما أتوا به من قبلهم ممن قصصنا أمرهم من الظالمين إن لم يتوبوا { أو يأتي أمر ربك } أي المحسن إليك المدير لأمرك بأمر يفصل النزاع من غير واسطة ملك أو غيره . ولما كان هذا أمراً مفزعاً ، كان موجباً لمن له فهم أن يقول : هل فعل هذا أحد غير هؤلاء ؟ فقيل : نعم ! { كذلك } أي مثل هذا الفعل البعيد لبشاعته عن مناهج العقلاء ، مكراً في تدبير الأذى ، واعتقاداً وقولاً { فعل الذين } ولما كان الفاعلون مثل أفعالهم في التكذيب لم يستغرقوا الزمان ، أدخل الجار فقال تعالى : { من قبلهم وما } أي والحال أنه ما { ظلمهم الله } أي الذي له الكمال كله في تقديره ذلك عليهم ، لأنه المالك المطلق التصرف والملك الذي لا يسأل عما يفعل { ولكن كانوا } أي جبلة وطبعاً { أنفسهم } أي خاصة { يظلمون * } فاستحقوا العقاب لقيام الحجة عليهم على السنن الذي جرت به عوائدكم فيمن باشر سوء من غير أن يكره عليه إكراهاً ظاهراً ، وهذا بعينه هو العلة في إرسال الرسل ، ونصب الشرئع والملل { فأصابهم } أي فتسبب عن ظلمهم لأنفسهم أن أصابهم { سيئات } أي عقوبات أو جزاء سيئات { ما عملوا وحاق } أي أحاط ضابطة { بهم } من العذاب والمرسل به من الملائكة { ما كانوا به } أي خاصة { يستهزؤن * } تكبراً عن قبول الحق . ومادة حاق واوية ويائية - بتراكيبها الست : حوق ، حقو ، قحو ، قوح ، وقح ، حيق - تدور على الإحاطة ، ويلزمها صلابة المحيط ولين المحاط به : حاق به الشيء - إذا نزل به فأحاط ، والحيق : ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله ، وحاق فيه السيف : حاك أي عمل - من التسمية باسم الجزء ، ولأنه في الأغلب يكون في عمله الموت المحيط بالأجل ، وحاق بهم الأمر : لزمهم ووجب عليهم ونزل بهم ، والحيقة : شجرة كالشيح يؤكل بها التمر - كأنه يحيط بالتمرة ، وحايقه : حسده وأبغضه - لإحاطة ذلك . والحوق - بالضم : ما أحاط بالكمرة من حروفها ، وبالضم والفتح معاً : استدارة في الذكر ، والحوق - بالفتح فقط : الإحاطة ، والأحوق والمحوق - كمعظم : الكمرة - كأنها مختصة بذلك لكبرها ، ومنه فيشلة حوقاء : عظيمة - كأنها لعظمها هي التي ظهر حرفها دون غيرها ، وأرض محوقة - بضم الحاء : قليلة النبت لقلة المطر - كأنه تشبه بالكمرة في ملاستها ، وتركت النخلة حوقاء - إذا أشعل في الكرانيف - لاستدارة النار بها أو لشبهها بعد حريق السعف بالذكر أو رأسه ، والحوقة بالفتح : الجماعة الممخرقة - لأن الجماعة لها قوة الاستدارة ، والممخرق إن كان من الكذب فمن لازمه العوج ، وإن كان من المخراق - وهو المنديل الذي يلف للعب به - فاللعب به على هيئة الاستدارة ، وحوق عليه تحويقاً : عوج عليه الكلام ، والحوق - بالفتح أيضاً : الكنس والدلك والتمليس لأن كلاًّ منها ترد فيه اليد إلى قريب من مكانها فيشبه الإحاطة ولو بالتعويج . والحقو : الكشح ، وهو ما بين عظم رأس الورك إلى الضلع الخلف لأنه موضع إحاطة الإزار ، والإزار نفسه حقو لأنه آلته أو الحقو معقد الإزار ، والحقو : موضع غليظ مرتفع عن السيل - من الصلابة والاستدارة لأن السيل يحيط به أو يكاد ، ومن السهم : موضع الريش لأنه يشبه الحقو في استدارته وغلظ بعض ودقة بعض ، وفي إحاطة الريش به ، ومن الثنية : جانباها - من الإحاطة أو مطلق العوج ، والحقوة : وجع في البطن من أكل اللحم - للحوق وجعه الحقو . والأقحوان : نبت يستدير به زهرة ، وأقاحي الأمر : تباشيره - لأنها تحيط به غالباً ، وقحاً المال : أخذه - لما يلزمه من الإحاطة ، والمقحاة : المجرفة - لأنها تحيط بالمجروف . ومن اللين : قاح الجرح يقوح : صارت فيه مدة خالصة لا يخالطها دم كقاح يقيح - واوية ويائية ، ولما يلزمه من الاستدارة غالباً ، وقوّح الجرح : انتبر - إما من الموضع الغليظ المرتفع عن السيل ، وإما من استدارته ، وقاح البيت : كنسه كقوّحه ، والقاحة : الساحة - لاستدارتها غالباً ، وأقاح : صمم على المنع بعد السؤال - إما من لإزالة - أي أزال اللين - وإما من الصلابة . ومن الصلابة : الوقاح - للحافر الصلب ، وهو من الاستدارة أيضاً ، ورجل وقاح الوجه : قليل الحياء - منه ، والموقح - كمعظم : المجرب ، وتوقيح الحوض : إصلاحه بالمدر والصفائح - للاستدارة والصلابة . ولما تم ما هو عجب من مقالهم ومآلهم ، في سوء أحوالهم ، وختم بتهديدهم ، عطف على قوله { وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم } موجباً آخر للتهديد ، معجباً من حالهم فيه ، فقال : { وقال الذين أشركوا } أي الراسخ منهم في هذا الوصف والتابع له ، على سبيل الاعتراض على من يدعوهم إلى التوحيد من نبي وغيره ، محتجين بالقدر عناداً منهم ، ومعترضين على من لا يسأل عما يفعل بأنه - لقدرته على كل شيء - غير محتاج إلى بعث الرسل ، فإرسالهم عبث - تعالى الله الحكيم عن قولهم ، فهو قول من يطلب العلة في أحكامه تعالى وفي أفعاله ، وهو قول باطل ، لأنه سبحانه الفعال لما يريد سواء أطلع العباد على حكمته أم لا : { لو شاء الله } أي الملك الأعظم المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ، عدم عبادتنا لغيره { ما عبدنا } . ولما كانت الرتب كلها متقاصرة عن رتبته وكانت متفاوته ، وكان ما يعبدونه من الأصنام في أدناها رتبة ، أدخلوا الجار فقالوا : { من دونه } وأعرقوا في النفي فقالوا : { من شيء } أي من الأشياء { نحن ولا ءاباؤنا } من قبلنا ! ولما ذكروا الأصل أتبعوه الفرع فقالوا : { ولا حرمنا } أي على أنفسنا { من دونه } أي دون أمره { من شيء } لأن ما يشاء لا يتخلف على زعمكم ، لكنه لم يشأ العدم ، فقد شاء وجود ما نحن عليه ، فنحن نتبع ما شاءه لا نتغير عنه ، لأنه لا يشاء إلا ما هو حق ، وضل عن الأشقياء - بكلمتهم هذه الحق التي أرادوا بها الباطل - أن مدار السعادة والشقاوة إنما هو موافقة الأمر لا موافقة الإرادة ، فما كان من الفعل والكف على وفق الأمر سعد فاعله ، وما خالفه قامت به الحجة على فاعله على ما جرت به عوائد الناس فشقي . فلما انتهك ستر هذه المقالة المموهة ، وكان كأنه قيل استبعاداً لها : هل قالها غيرهم ؟ فقيل : نعم ! { كذلك } أي مثل هذا البعيد من السداد ، والقول الخارج عن الهداية والرشاد ، وهو الاعتراض على ربهم في إرسال الرسل ، مانعين لجواز الإرسال بهذه الشبهة الضعيفة ، فإنه تعالى يريد إظهار ثمرة الملك بالحكم على ما يتعارفه العباد من إقامة الحجة بالأفعال الاختيارية وإن كانت بقضائه ، لأن ذلك مستور عن العباد { فعل } أي كذب بدليل الأنعام { الذين } ودل على عدم الاستغراق للزمان بقوله : { من قبلهم } وكان تكذيباً ، لأن قولهم اقتضى أن يكون ما هم عليه مما يرضاه الله ، والرسل يقولون : لا يرضاه ، ولا يرضى إلا ما أخبروا بأن صاحبه مثاب عليه أو غير معاقب ، فكان ذلك سبباً للإنكار عليهم بقوله : { فهل } أي فما { على الرسل } أي الذين لا رسل في الحقيقة غيرهم ، وهم الذين أرسلهم الله لدعاء العباد خلفاً عن سلف ؛ ولما كان الاستفهام بمعنى النفي - كما تقدم - إلا أنه صور بصورته ليكون كدعوى الشيء بدليلها فقال : { إلا البلاغ المبين * } وقد بلغوكم وأوضحوا لكم ، فصار وبال العصيان خاصاً بكم .