Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 51-53)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان التوحيد أعظم المأمورات ، وكان العصيان فيه أعظم العصيان ، وكان سبحانه قد أكثر التخويف من عصيانه ، أبلغ الأمر إلى نهايته بالإخبار بأن الملائكة تخافه ، وكان الملائكة من أعظم الموحدين ، كما كانوا من أعظم الساجدين ، من أهل السماوات والأرضين ، وكانت هذه الآيات من أعظم أدلة التوحيد ، أتبعها - عطفاً على { وأنزل إليك الذكر } ليتظافر على ذلك أدلة العقل والنقل وتسليكاً بأحوال الملائكة - قوله تعالى : { وقال الله } فعبر لأجل تعظيم المقام بالاسم الأعظم الخاص الذي بنيت عليه السورة : { لا تتخذوا } أي لا تكلفوا فطركم الأولى السليمة المجبولة على معرفة أن الإله واحد إلى أن تأخذ في اعتقادها { إلهين } ويجوز أن يكون معطوفاً على ما علم من المقدمات المذكورة أول السورة إلى قوله : { وما يشعرون أيان يبعثون } من النتيجة وهي { إلهكم إله واحد } لاحتمال أن يقول متعنت : إنه لم يأمرنا بذلك وإن دلت عليه الأدلة ، ويجوز وهو أقرب - أن يعطف على قوله : { وقال الذين أشركوا } تبكيتاً لهم بأنهم احتجوا بحكمه ، ولم يبادروا إلى امتثال أمره . ولم كان قد فهم المراد من التثنية ، وكان ربما قال المتعنت : إن المنهي عنه تكثير الأسماء ، قال مؤكداً ومحققاً : { اثنين } تنبيهاً على أن الألوهية لأنه موضع لإمكان التنازع الملزوم للعجز المنافي لتلك الرتبة مطلق العدد ينافي المنيفة الشماء ، وفي ذلك أيضاً - مع كون معبوداتهم كانت كثيرة - إشارة إلى أن ما يسمى آلهة - وإن زاد عدده - يرجع بالحقيقة إلى اثنين : خالق ومخلوق ، ومن المعلوم لكل ذي لب أن المخلوق غير صالح للألوهية ، فانحصر الأمر في الخالق ، وإن لم يكن فيه الخالق كان منقسماً لا محالة ، وأقل ما ينقسم إلى اثنين : وباب الاتخاذ إذا كان مفعوله نكرة ، اكتفى بواحد كما تقول : اتخذت بيتاً ، واتخذت زوجة - ونحو ذلك ، ثم علل ذلك النهي بما اقتضاه السياق من الوحدانية فقال تعالى : { إنما هو } أي الإله المفهوم من لفظ { إلهين } الذي لا يستحق غيره أن يطلق عليه هذا الضمير إلا مجازاً ، لأنه لا يطلق إطلاقاً حقيقياً إلا على ما وجدوه من ذاته { إله } أي يستحق هذا الوصف على الإطلاق . ولما كان السياق مفهماً للوحدانية من النهي عن التثنية ، وكان ربما تعنت متعنت بأن المراد إثبات الإله الدال على الجنس ، قال رافعاً لكل شبهة : { واحد } أي لا يمكن أن يثني بوجه ولا أن يجزأ لغناء المطلق عن كل شيء واحتياج كل شيء إليه ، فكونوا ممن يسجد له طوعاً ولا تكونوا ممن لا يسجد له إلا كرهاً . ولما كان أسلوب الغيبة لا يعين الإله في المتكلم ، التفت إلى أسلوب التلكم فقال تعالى : { فإياي } أي ذلك الواحد أنا وحدي لا شريك لي ، فمن لم يوحدني أوقعت به بقوتي ما لا يطيقه لعجزه . ولما كانت الوحدانية مما لا يخفى على عاقل ، وكانت مركوزة في كل فطرة بدليل الاضطراب عند المحن ، والشدائد والفتن ، وكانت الرهبة - كما مضى عن الحرالي في البقرة - خاصة بالخوف مما خالف العاصي فيه العلم ، عبر بها فقال تعالى : { فارهبون * } مختصاً بذلك ولا تخافوا شيئاً غيري من صنم ولا غيره ، فإنه ليس لشيء من ذلك قدرة ، وإن أودعته فإنه لا يتمكن من إنفاذها ، فالأمر كله إليّ وحدي . ولما كان أسلوب الغيبة من الحاضر دالاً على التردي بحجاب الكبر المؤذن بشدة البطش وسرعة الانتقام وبعد المقام ، رجع إليه فقال تعالى : { وله } فأعاد الضمير على الله الاسم العلم الجامع لجميع الأسماء الحسنى { ما في السَّماوات } . ولما كان الأمر قد تأكد وتأطد ، وظهر المراد منه غاية الظهور ، لم يحتج إلى تأكيده بإعاداة النافي ، فقال تعالى : { والأرض } أي مما تعبدونه وغيره ، فكيف يتصور أن يكون شيء من ذلك إلهاً وهو ملكه ، مع كونه محتاجاً إلى الزمان والمكان وغيرهما { وله الدين } أي الخضوع والتذلل من كل ما فيهما ومن فيهما بالطوع والكره ، بإنفاذ القضاء والقدر ، بالصحة والسقم ، والغنى والفقر ، والحياة والموت ، والإيجاد والإعدام ، والإذلال والإعزاز ، والإقبال والإعراض - كما بين آنفاً ، وله الدينونة بالمجازاة { واصباً } أي دائماً ثابتاً عاماً لا كالملوك الذين تنقطع ممالكهم مع خصوصها ، والمعبودات التي تنقطع عبادتها في وقت من الأوقات فتصير كاسدة بعد أن كانت رابحة وإن طال المدى ، مع خصوصها بناس دون غيرهم ، ولا يخلو يوم من الأيام لملك غيره من جري أمور على غير مراده وإن عظم سلطانه ، وعلا شأنه ، وكثرت أعوانه ، فكيف يتصور من له أدنى بصر أن يكون غيره إلهاً ، وقد تقدم في { إن ربي على صراط مستقيم } [ هود : 56 ] في هود ما ينفع استحضاره هنا . ولما تقرر هذا الدليل على هذه الصفة ، وكان من مفهومات الدين الجزاء الناظر إلى الأفعال الواقية مما يضر ، تسبب عنه الإنكار الشديد على من يلتفت بشيء من أفعاله إلى غيره بعد علمه بأنه دائم لا يزول ، وأن كل ما سواه زائل ، فقال معبراً بالتقوى التي هي نتيجة الرهبة : { أفغير الله } أي الذي له العظمة كلها { تتقون * } وأتبع ذلك ما يوجب تعظيم الإنكار عليهم ، فقال مبيناً أنه لا ينبغي أن يتعلق خوف ولا رجاء إلا به : { وما بكم } أي التبس بكم أيها الناس عامة مؤمنكم وكافركم { من نعمة } أي جليلة أو حقيرة { فمن الله } أي المحيط بكل شيء وحده لا من غيره . ولما كان إخلاصهم له - مع ادعائهم ألوهية غيره - أمراً مستبعداً ، عبر بأداة التراخي والبعد في قوله تعالى : { ثم إذا مسكم } أي أدنى مس { الضر } بزوال نعمة مما أنعم به عليكم { فإليه } أي وحده { تجأرون * } أي تعرفون أصواتكم بالاستعانة لما ركز في فطركم الأولية السليمة من أنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه .