Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 54-58)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان الرجوع إلى الإشراك بعد الإخلاص مستبعداً أيضاً لاستهجانهم سرعة الاستحالة ، قال تعالى : { ثم إذا كشف } سبحانه عما تشركون { الضر } أي الذي مسكم { عنكم } ونبه على مسارعة الإنسان في الكفران فقال تعالى : { إذا فريق } أي جماعة هم أهل فرقة وضلال { منكم } أيها العباد ! { بربهم } الذي تفرد بالإنعام عليهم { يشركون * } أي يوقعون الإشراك به بعبادة غيره تغيراً منهم عما كانوا عليه عند الاستغاثة به في الشدة ، فكان منطبقاً عليهم ما ضربوا المثل بكراهته بقولهم : @ وإذا تكون كريهة أُدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب @@ وهذا أجهل الجهل . ولما كان هذا ملزوماً بجحد النعمة ، وكان من شأن العاقل البصير بالأمور - كما يدعونه لأنفسهم - أن يغفل عن شيء من لوازم ما يقدم عليه ، قال : { ليكفروا } أي يوقعوا التغطية لأدلة التوحيد التي دلتهم عليها غرائز عقولهم { بما ءاتينهم } أي من النعمة ، تنبيهاً على أنهم ما أقدموا على ذلك الشرك إلا لهذا الغرض إحلالاً لهم محل العقلاء البصراء الذين يزعمون أنهم أعلاهم ، ورفعاً لهم عن أحوال من يقدم على ما لا يعلم عاقبته ، ولا خزي أعظم من هذا ، لأنه أنتج أن الجنون خير من عقل يكون هذا مآله ، فهو من باب التهكم { فتمتعوا } أي فتسبب عن هذا أن يُقبل على هذا الفريق إقبال عالم قادر عليه قائلاً : تمتعوا { فسوف } أي فإن تمتعكم على هذا الحال سبب لأن يقال لكم تهديداً : سوف { تعلمون * } غب تمتعكم ، فهو إقبال الغضب والتهديد بسوء المنقلب ، وحذف المتهدد به أبلغ وأهول لذهاب النفس في تعيينه كل مذهب . ولما هددهم بإشراكهم المستلزم لكفر النعمة ، أتبعه عجباً آخر من أمرهم فقال عاطفاً على قوله تعالى { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } : { ويجعلون } أي على سبيل التكرير { لما لا يعلمون } مما يعبدونه من الأصنام وغيرها لكونه في حيز العدم في نفسه وعدماً محضاً بما وصفوه به كما قال تعالى { أم تنبئونه بما لا يعلم } [ الرعد : 33 ] { نصيباً مما رزقناهم } بما لنا من العظمة ، من الحرث والأنعام وغير ذلك ، تقرباً إليها كما مضى شرحه في الأنعام ، ولك أن تعطفه - وهو أقرب - على { يشركون } فيكون داخلاً في حيز " إذا " أي فاجأوا مقابلة نعمته في الإنجاء بالإشراك والتقرب برزقه إلى ما الجهل به خير من العلم به ، لأنه عدم لأنه لا قدرة له ولا نفع في المقام الذي أقاموه فيه ؛ ثم التفت إليهم التفاتاً مؤذناً بما يستحق على هذا الفعل من الغضب فقال تعالى : { تالله } أي الملك الأعظم { لتسئلن } يوم الجمع { عما كنتم } أي كوناً هو في جبلاتكم { تفترون * } أي تتعمدون في الدنيا من هذا الكذب ، سؤال توبيخ ، وهو الذي لا جواب لصاحبه إلا بما فيه فضيحته . ولما بين سفههم في صرفهم مما آتاهم إلى ما هو في عداد العدم الذي لا يعلم ، بين لهم سفهاً هو أعظم من ذلك بجعلهم لمالك الملك وملكه أحقر ما يعدونه مما أوجده لهم ، لافتقارهم إليه وغناه عنه على وجه التوالد المستحيل عليه مع كراهته لأنفسهم ، فصار ذلك أعجب العجب ، فقال تعالى : { يجعلون لله } أي الذي لا معلوم على الحقيقة سواه لاستجماعه لصفات الجلال والإكرام . ولما كان المراد تقريعهم ، وكانت الأنوثة ربما أطلقت على كرائم الأشجار ، نص على المراد بقوله : { البنات } فلا أعجب منهم حيث يجعلون الوجود للمعدوم المجهول ، ويجعلون العدم للموجود المعلوم ؛ ثم نزه نفسه عن ذلك معجباً من وقوعه من عاقل بقوله تعالى : { سبحانه } . ولما ذكر ما جعلوا له مع الغنى المطلق ، بين ما نسبوا لأنفسهم مع لزوم الحاجة والضعف فقال : { ولهم ما يشتهون * } من البنين ، وذلك في جملة اسمية مدلولها الثبات ، ليكون منادياً عليهم بالفضيحة ، لأنهم لا يبقون لأبنائهم ولا يبقى أبناؤهم لهم ، وقد يكونون أعدى أعدائهم ؛ ثم بين حالهم إذا حصل لهم نوع ما جعلوه له سبحانه فقال تعالى : { وإذا } أي جعلوا كذا والحال أنه إذا { بشر أحدهم } ولما تعين وزال المحذور ، جمع بين الخساستين كما بين آخر الصافات فقال تعالى : { بالأنثى } أي قابل هذه البشرى التي تستحق السرور بحصول نسمة تكون سبباً لزيادة هذا النوع ، وقد تكون سبب سعادته ، دالة على عظمة الله - بضد ما تستحق مما لا يفيده شيئاً بأن { ظل وجهه } وكنى عن العبوس والتكدر والغبرة بما يفوز فيه من الغيظ بقوله تعالى : { مسوداً } أي من الغم والكراهة ، ولعله اختير لفظ " ظل " الذي معناه العمل نهاراً وإن كان المراد العموم في النهار وغيره دلالة على شهرة هذا الوصف شهرة ما يشاهد نهاراً { وهو كظيم * } ممتلىء غيظاً على المرأة ولا ذنب لها بوجه ، والبشارة في أصل اللغة : الخبر الذي يغير البشرة من حزن أو سرور ، ثم خص في عرف اللغة بالسرور ، ولا تكون إلا بالخبر الأول ، ولعله عبر عنه بهذا اللفظ تنبيهاً على تعكيسهم للأمور في جعلهم وسرورهم وحزنهم وغير ذلك من أمرهم .