Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 80-81)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما ذكرهم سبحانه بنعمة الإدراك بعد ابتداء الخلق ، وأتبعه ما منّ به على الطير من الارتفاع الحامي لها من الحر ، أتبعه ما يسكنون إليه فيظلهم ويجمعهم لأنه أهم الأشياء للحيوان ، فقال تعالى : { والله } أي الذي له الحكمة البالغة والقدرة الشاملة { جعل لكم } أي أيها الغافلون { من بيوتكم } أصل البيت المأوى ليلاً ثم اتسع فيه { سكناً } هو مصدر بمعنى مفعول ، ولم يسلط عليكم فيها الحشرات والوحوش كما سلطكم عليهم ؛ ثم أتبع ما يخص الحضر ما يصلح له وللسفر بما ميزهم به عن الطير وغيرها من سائر الحيوانات ، فقال تعالى : { وجعل لكم } أي إنعاماً عليكم { من جلود الأنعام } التي سلطكم عليها . ولما كانت الخيام ، التي من جلود الأنعام ، في ظلها الظليل تقارب بيوت القرى ، جمعها جمعاً فقال تعالى : { بيوتاً } فإنهم قالوا : إن هذا الجمع بالمسكن أخص ، والأبيات بالشعر أخص { تستخفونها } أي تطالبون بالاصطناع خفها فتجدونها كذلك { يوم ظعنكم } أي وقت ارتحالكم ، وعبر به لأنه في النهار أكثر { ويوم إقامتكم } ثم أتبعه ما به كمال السكن فقال تعالى : { ومن أصوافها } أي الضأن منها { وأوبارها } وهي للإبل كالصوف للغنم { وأشعارها } وهي ما كان من المعز ونحوه من المساكن والملابس والمفارش والأخبية وغيرها { أثاثاً } أي متاعاً من متاع البيت كثيراً ، من قولهم : شهر أثيث أي كثير ، وأث النبت . إذا كثر { ومتاعاً } تتمتعون به { إلى حين * } أي وقت غير معين بحسب كل إنسان في فقد ذلك ، وأعرض عن ذكر الحرير والكتان والقطن لأنها لم تكن من صناعتهم ، وإشارة إلى الاقتصاد وعدم الإسراف . ولما ذكر ما يخصهم ، أتبعه ما يشاركون فيه سائر الحيوانات فقال : { والله } أي الذي له الجلال والإكرام { جعل لكم } أي من غير حاجة منه سبحانه { مما خلق ظلالاً } من الأشجار والجبال وغيرها { وجعل لكم } أي مع غناه المطلق { من الجبال أكناناً } جمع كن وهو ما يستكن به - أي يستتر - من الكهوف ونحوها ، ولو كان الخالق غير مختار لكانت على سنن واحد لا ظلال ولا أكنان ؛ ثم أتبع ذلك ما هداهم إليه عوضاً مما جعله لسائر الحيوان فقال : { وجعل لكم } أي مَنّاً منه عليكم { سرابيل } أي ثياباً { تقيكم الحر } وهي كل ما لبس من قميص وغيره - كما قال الزجاج . ولما كانت السرابيل نوعاً واحداً ، لم يكرر " جعل " فقال تعالى : { وسرابيل } أي دروعاً ومغافر وغيرها { تقيكم بأسكم } أضافه إليهم إفهاماً لأنه الحرب ، وذلك كما جعل لبقية الحيوان - من الأصواف ونحوها والأنياب والأظفار ونحوها - ما هو نحو ذلك يمنع من الحر والبرد ، ومن سلاح العدو ، ولم يذكر سبحانه هنا وقاية البرد لتقدمها في قوله تعالى { لكم فيها دفء } [ النحل : 5 ] . ولما تم ذلك كان كأنه قيل : نبهنا سبحانه بهذا الكلام على تمام نعمة الإيجاد ، فهل بعدها من نعمة ؟ فقال : نعم ! { كذلك } أي كما أتم نعمة الإيجاد عليكم هذا الإتمام العظيم بهذه الأمور ونبهكم عليها { يتم نعمته عليكم } في الدنيا والدين بالهداية والبيان لطريق النجاة والمنافع ، والتنبيه على دقائق ذلك بعد جلائله { لعلكم تسلمون * } أي ليكون حالكم - بما ترون من كثرة إحسانه بما لا يقدر عليه غيره مع وضوح الأمر - حال من يرجى منه إسلام قياده لربه ، فلا يسكن ولا يتحرك إلا في طاعته .