Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 66-69)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما ذكر أنه الوكيل الذي لا كافي غيره في حفظه ، لاختصاصه بشمول علمه وتمام قدرته ، أتبعه بعض أفعاله الدالة على ذلك فقال تعالى ، عوداً إلى دلائل التوحيد الذي هو المقصود الأعظم بأحوال البحر الذي يخلصون فيه ، في أسلوب الخطاب استعطافاً لهم إلى المتاب : { ربكم } أي المحسن إليكم ، هو { الذي يزجي } أي يسوق ويدفع وينفذ { لكم } أي لمنفعتكم { الفلك } التي حملكم فيها مع أبيكم نوح عليه السلام { في البحر لتبتغوا } أي تطلبوا طلباً عظيماً بذلك أنواع المنافع التي يتعذر أو يتعسر الوصول إليها في البر { من فضله } ثم علل فعله ذلك بقوله تعالى : { إنه } أي فعل ذلك لكم لأنه { كان } أي أزلاً وأبداً { بكم } أي أيها المؤمنون خاصة { رحيماً * } أي مكرماً بالتوفيق إلى فعل ما يرضيه في المتجر وغيره ، لا لشيء غير ذلك ، أو يكون ذلك خطاباً لجميع النوع فيكون المعنى : خصكم به من بين الحيوانات . ولما كان المراد المؤمنين خاصة وإن كان خطاباً للمجموع ، خص المشركين كذلك فقال : { وإذا } أي فإذا نعمكم بأنواع الخير كنتم على إشراككم به سبحانه ، وإذا { مسكم } ولم يقل : أمسكم - بالإسناد إلى نفسه ، تأديباً لنا في مخاطبته بنسبة الخير دون الشر إليه ، مع اعتقاده أن الكل فعله ، وتنبيهاً على أن الشر مما ينبغي التبرؤ منه والبعد عنه { الضر في البحر } من هيج الماء واغتلامه لعصوف الريح وطمو الأمواج { ضل } أي ذهب وبطل عن ذكركم وخواطركم { من تدعون } من الموجودات كلها { إلا إياه } وحده ، فأخلصتم له الدعاء علماً منكم أنه لا ينجيكم سواه { فلما نجّاكم } من الغرق وأوصلكم بالتدريج { إلى البر أعرضتم } عن الإخلاص له ورجعتم إلى الإشراك { وكان الإنسان } أي هذا النوع { كفوراً * } أي بليغ التغطية لما حقه أن يشهر ، فأظهر في موضع الإضمار تنبيهاً على أن هذا الوصف لا يخصهم ، بل يعم هذا النوع لطبعه على النقائص إلا من أخلصه الله له . ولما كان التقدير : أعرضتم بعد إذ أنجاكم فكفرتم بذلك وكان الكفر وصفاً لكم لازماً ، فتسبب عن ذلك أنكم أمنتم ، أي فعلتم بذلك فعل الآمن ، أنكر عليهم هذا الأمر لكونه من أجهل الجهل فقال تعالى : { أفأمنتم } أي أنجوتم من البحر فأمنتم بعد خروجكم منه { أن نخسف } أي بما لنا من العظمة { بكم } ودل على شدة إسراعهم بالكفر عند وصولهم إلى أول الساحل بقوله تعالى : { جانب البر } أي فنغيبكم فيه في أيّ جانب كان منه ، لأن قدرتنا على التغييب في التراب في جميع الجوانب كقدرتنا على التغييب في الماء سواء ، فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله في جميع الجوانب { أو } أمنتم إن غلظت أكبادكم عن تأمل مثل هذا أن { يرسل عليكم } من جهة الفوق شيئاً من أمرنا { حاصباً } أي يرمي بالحصباء ، أي بالحصى الصغار - قاله الرازي في اللوامع ، وقال الرماني : حجارة يحصب بها ، أي يرمي بها ، حصبه - إذا رماه رمياً متتابعاً - انتهى . يرميكم ذلك الحاصب في وجوهكم أو فوق رؤوسكم رمياً يهلك مثله كما وقع لقوم لوط أنا أرسلنا عليهم حاصباً ، وقيل : الحاصب : الريح ، ولم يقل : حاصبة لأنه وصف لزمها ، ولم يكن لها ، مذكر تنتقل إليه في حال فكان بمنزلة حائض { ثم لا تجدوا } أيها الناس { لكم } وأطلق ليعم فقال تعالى : { وكيلاً * } ينجيكم من ذلك ولا من غيره كما لم تجدوا في البحر وكيلاً غيره { أم أمنتم } إن جاوزت بكم الغباوة حدها فلم تجوزوا ذلك { أن يعيدكم فيه } أي البحر بما لنا من العظمة التي تضطركم إلى ذلك فتقركم عليه وإن كرهتم { تارة أخرى } بأسباب تضطركم إلى ذلك { فنرسل عليكم } أي بما لنا من صفة الجلال { قاصفاً } وهو الكاسر بشدة { من الريح } كما عهدتم أمثاله يا من وقفت أفكارهم مع المحسوسات فرضوا بذلك أن يكونوا كالبهائم لا يفهمون إلا الجزئيات المشاهدات { فيغرقكم } أي في البحر الذي أعدناكم فيه ، لعظمتنا { بما كفرتم } كما يفعل أحدكم إذا ظفر بمن كفر إحسانه { ثم لا تجدوا لكم } وإن أمعنتم في الطلب ، وطالت أزمانكم في إتقان السبب . ولما كان إطلاق النفي في ختام الآية الماضية - وإن كان لإرادة التعميم - يحتمل أن يدعي تقييده بما يخالف المراد ، وكان المقصود هنا التخويف بسطوته سبحانه تارة بالخسف وتارة بغيره ، قيد بما عين المراد ، وقدم قوله تعالى : { علينا } دلالة على باهر العظمة { به } أي بما فعلنا بكم { تبيعاً * } أي مطالباً يطالبنا به .