Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 86-93)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما شرح إرادتهم الفتنة عما جاءهم من العلم بتبديل المنزل ، وإخراج المرسل ، وما تبع ذلك حتى ختم بتجهيلهم إذ سألوا تعنتاً عن الروح الحسي ، وكان الأنفع لهم سؤالهم استفادة وتفهماً عن دقائق الروح المعنوي الذي أعظم الله شرفهم به بإنزاله إليهم على لسان رجل منهم هو أشرفهم مجداً ، وأطهرهم نفساً ، وأعظمهم مولداً ، وأزكاهم عنصراً ، وأعلاهم همة ، وختم بتقليل علمهم إشارة إلى أنهم لا يفهمون إلا أن يفهمهموه سبحانه وهو أعلم بما يفهمونه وما لا يفهمونه ، قال عاطفاً على { وإن كادوا ليفتنونك } تنبيهاً لهم على أنه لو شاء لذهب بسبب هذا العلم القليل الذي وهبهموه ، فعمهم الجهل كما كانوا ، وعلى أنه لم يكفهم ترك السؤال عما يعنيهم حتى سألوا عما لا يعنيهم ، وأرادوا تبديل ما ينفعهم ويعنيهم بما يبيدهم ويفنيهم ، فضلوا قولاً وفعلاً : { ولئن شئنا } ومشيئتنا لا يتعاظمها شيء ، ولامه موطئة للقسم ، وأجاب عن القسم بما أغنى عن جواب الشرط فقال تعالى : { لنذهبن } أي بما لنا من العظمة ذهاباً محققاً { بالذي أوحينا } أي بما لنا من العظمة { إليك } مما أرادوا الفتنة فيه من القرآن على أن فيه من العلم ما يغنيهم - لو أقبلوا على تفهمه - عن شيء من الأشياء فلا تبقى عندك نحن ولا وحينا ، ولإفادة هذا لم يقل : لأذهبنا . { ثم } أي بعد الذهاب به { لا تجد لك } ولما كان السياق هنا للروح الذي هو الوحي ، فكانت العناية به أشد ، قدم قوله : { به } ولما كان السياق لمن يأخذ ما يريد طوعاً وكرهاً ، قال تعالى : { علينا } أي بما لنا من العظمة التي لا تعارض { وكيلاً * } يأتيك به أو بشيء منه . ولما كان لا ملجأ منه سبحانه إلا إليه ، قال تعالى : { إلا } أي لكن تجد { رحمة } مبتدئة وكائنة { من ربك } أي المحسن إليك بأن أوجدك ورباك ، ولم يقطع إحسانه قط عنك ، يعيد بها إليك ويأتيك بما يقوم مقامه ، وعبر عن أداة الانقطاع بأداة الاتصال إشارة إلى أن رحمته سبحانه له - التي اقتضتها صفة إحسانه إليه لعظمها - كالوكيل الذي يتصرف بالغبطة على كل حال . ولما كان في إنزاله إليه ثم إبقائه لديه من النعمة عليه وعلى أمته ما لا يحصى ، نبه على ذلك بقوله تعالى مستأنفاً مؤكداً لأن كون الرحمة هكذا من أغرب الغريب ، فهو بحيث لا يكاد يصدق ، وهو مما يتلذذ بذكره { إن فضله كان } أي كوناً ثابتاً { عليك } أي خاصة { كبيراً * } أي بالغ الكبر ، وقد ورد أنه يذهب بالقرآن في آخر الزمان ، يسري بما في المصاحف وبما في القلوب ، وقد أفهمت ذلك هذه الآية لأن كلام الملوك يفهم أصل الشيء ولو كان في سياق الشرط . ولما كان بمعرض أن يقولوا : إن ذهب عليك من شيء فائت بمثله من عند نفسك ومما اكتسبته منه من الأساطير ، أمره أن يجيبهم عن هذا بقوله دلالة على مضمون ما قبله : { قل } . ولما أريد هنا المماثلة في كل التفصيل إلى جميع السور في المعاني الصادقة ، والنظوم الرائقة ، كما دل عليه التعبير بالقرآن ، زاد في التحدي قيد الاجتماع من الثقلين وصرف الهمم للتظاهر والتعاون والتظافر بخلاف ما مضى في السور السابقة ، فقال تعالى مؤكداً باللام الموطئة للقسم لادعائهم أنهم لو شاؤوا أتوا بمثله ، والجواب حينئذ للقسم ، وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم : { لئن اجتمعت الإنس } الذين تعرفونهم وتعرفون ما أتوا من البلاغة والحكمة والذين لا تعرفونهم ، وقدمهم لسهولة اجتماعهم بهم ولأنهم عندهم الأصل في البلاغة { والجن } الذين يأتون كهانكم ويشجعون لهم ويعلمونهم ببعض المغيبات عنهم ، وترك الملائكة لأنهم لا عهد لهم بشيء من كلامهم { على أن يأتوا } أي يجددوا إيتاءً ما في وقت ما في حال اجتماعهم { بمثل هذا القرآن } أي جميعه على ما هو عليه من التفصيل ، وخصه بالإشارة تنبيهاً على أن ما يقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الله وحي من الله ، ليس فيه شيء من عند نفسه ، وأن المراد في هذا السياق المتحدى به الذي اسمه القرآن خاصة { لا يأتون } . ولما كانت هذه السورة مكية ، فكان أكثر ما يمكن في هذه الآية أن يكون آخر المكي فيختص التحدي به ، وكان المظهر إذا أعيد مضمراً أمكن فيه الخصوص ، وكان المراد إنما هو الشمول ، ومتى أريد الشمول استؤنف له إحاطة باستئناف إظهار محيط كما يأتي عن الحرالي في أواخر سورة الكهف ، لم يقل هنا " به " لذلك ، ولئلا يظن أنه يعود على القرآن لا على مثله ، بل أظهر فقال دالاً على أن المراد جميع المكي والمدني : { بمثله } أي لا مع التقيد بمعانيه الحقة الحكيمة حتى يأتوا بكلام في أعلى طبقات البلاغة ، مبيناً لأحسن المعاني بأوضح المباني ، ولا مع الانفكاك عنها إلى معانٍ مفتراة ؛ ثم أوضح أن المراد الحكم لعجزهم مجتمعين ومنفردين متظاهرين وغير متظاهرين فقال تعالى : { ولو } ولما كان المكلفون مجبولين على المخالفة وتنافي الأغراض قال تعالى : { كان } أي جبلة وطبعاً على خلاف العادة { بعضهم لبعض ظهيراً * } أي معيناً بضم أقوى ما فيه إلى أقوى ما في صاحبه ، وقد تقدم في السور المذكور فيها التحدي ما يتم هذا المعنى . ولما تمت هذه الجمل على هذا الوجه الجميل ، والوصف الجليل ، نبه على ذلك سبحانه بقوله عطفاً على نحو : صرفنا هذه الأمثال كما ترون على أعلى منهاج وأبلغ سياق في أبدع انتظام : { ولقد صرفنا } أي رددنا وكررنا تكريراً كثيراً بما لنا من العظمة ، ولما كان مبنى السورة على بيان العناية بالناس الذين اتقوا والذين هم محسنون ، اقتضى المقام لمزيد الاهتمام تقديم قوله تعالى : { للناس } أي الذين هم ناس { في هذا القرءان } الهادي للتي هي أقوم { من كل مثل } أي من كل ما هو في غرابته وسيره في أقطار الأرض وبلاغته ووضوحه ورشاقته كالمثل الذي يجب الاعتبار به ؛ والتصريف : تصيير المعنى دائراً في الجهات المختلفة بالإضافة والصفة والصلة ونحو ذلك { فأبى } أي فتسبب عن ذلك الذي هو سبب للشفاء والشكر والهدى ، تصديقاً لقولنا { ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } أنه أبى { أكثر الناس } وهم من هم في صورة الناس وقد سلبوا معانيهم . ولما كان " أبى " متأولاً بمعنى النفي ، فكان المعنى : فلم يرضوا مع الكبر والشماخة ، استقبله بأداة الاستثناء فقال تعالى : { إلا كفوراً * } لما لهم من الاضطراب . ولما كان هذا أمراً معجباً ، عجب منهم تعجيباً آخر ، عاطفاً له على { ويسئلونك } إن كان المراد بالناس في قوله { فأبى أكثر الناس } الكل ، وعلى " فأبى " إن كان المراد بهم قريشاً فقال تعالى : { وقالوا } أي كفار قريش ومن والاهم تعنتاً بعد ما لزمهم من الحجة ببيان عجزهم عن المعارضة ولغير ذلك فعل المبهوت المحجوج المعاند ، مؤكدين لما لزمهم من الحجة التي صاروا بها في حيز من يؤمن قطعاً من غير توقف : { لن نؤمن } أي نصدق بما تقول مذعنين { لك حتى تفجر } أي تفجيراً عظيماً { لنا } أي أجمعين { من الأرض ينبوعاً * } أي عيناً لا ينضب ماءها { أو تكون لك } أي أنت وحدك { جنة من نخيل و } أشجار { عنب } عبر عنه بالثمرة لأن الانتفاع منه بغيرها قليل { فتفجر } أي بعظمة زائدة { الأنهار } الجارية { خلالها تفجيراً * } وهو تشقيق عما يجري من ماء أو ضياء أو نحوهما ؛ فالفجر : شق الظلام من عمود الصبح ، والفجور : شق جلباب الحياء بما يخرج إلى الفساد { أو تسقط السماء } أي نفسها { كما زعمت } فيما تتوعدنا به { علينا كسفاً } أي قطعاً جمع كسفه وهي القطعة ، ويجوز أن يكون المراد بذلك الحاصب الآتي من جهة العلو وغيره مما توعدوا به في نحو قوله { أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم } [ الأنعام : 65 ] وتسمية ذلك سماء كتسمية المطر بل والنبات سماء : @ إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا @@ { أو تأتي } معك { بالله } أي الملك الأعظم { والملائكة قبيلاً * } أي إتياناً عياناً ومقابلة ينظر إليه لا يخفى على أحد منا شيء منه ، وكان أصله الاجتماع الذي يلزم منه المواجهة بالإقبال من قبائل الرأس الجامعة { أو يكون لك } أي خاصاً بك { بيت من زخرف } أي ذهب كامل الحسن والزينة { أو ترقى } أي تصعد { في السماء } درجة درجة ونحن ننظر إليك صاعداً { ولن نؤمن } أي نصدق مذعنين { لرقيك } أي أصلاً { حتى تنزل } وحققوا معنى كونه { من السماء } بقولهم : { علينا كتاباً } ومعنى كونه ، { في رق } أو نحو قولهم : { نقرؤه } يأمرنا فيه باتباعك . فلما تم تعنتهم فكان لسان الحال طالباً من الله تعالى الجواب عنه ، أمره الله تعالى بجوابهم بقوله : { قل سبحان ربي } أي تنزه عن أن يكون له شريك في ملكه يطلب منه ما لا يطلب إلا من الإله ، فهو تنزيه لله وتعجيب منه لوضوح عنادهم بطلبهم ما لا قدرة عليه إلا للإله ممن لا قدرة له على شيء منه إلا بإذن الله ، ولم يدّع قط أنه قادر على شيء منه ، فحسن الاستفهام جداً في قوله تعالى : { هل كنت إلا بشراً } لا يقدر على غير ما يقدر عليه البشر { رسولاً * } كما كان من قبلي من الرسل ، لا أتعدى ما أمرت به من التبليغ ، فلا آتي بشيء إلا بإذن الله ، ولم أقل : إني إله ، حتى يطلب مني ما يطلب من الإله ورتبوا أنفسهم هذا الترتيب لأنهم حصروا حاله في دعوى أن يكون عظيماً بالرسالة أو غيرها ليتبعه الناس ، فإن كان الأول كان مقبول القول عند مرسله ، وحينئذ فإما أن يسأله في نفع عام بالينبوع ، أو خاص به بالجنة إن بخل بالعام ، أو ضر بالكشف أو يسأله في الإتيان مع جنده لأن يصدقه ، وإن كانت عظمته بغير ذلك فإما أن يكون ملكاً ليكون له البيت المذكور بما جرت العادة أن يكون تابعاً له ، أو يكون ممن يجتمع بالملك الذي أرسله فيرقى على ما قالوا .