Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 29-31)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما رغبه في أوليائه ، وزهده في أعدائه ، ترضية بقدره بعد أن قص الحق من قصة أهل الكهف للمتعنتين ، علمه ما يقول لهم على وجه يعمهم ويعم غيرهم ويعم القصة وغيرها فقال تعالى مهدداً ومتوعداً - كما نقل عن علي رضي الله عنه وكذا عن غيره : { وقل } أي لهم ولغيرهم : هذا الذي جئتكم به من هذا الوحي العربي العري عن العوج ، الظاهر الإعجاز ، الباهر الحجج { الحق } كائناً { من ربكم } المحسن إليكم في أمر أهل الكهف وغيرهم من صبر نفسي مع المؤمنين ، والإعراض عمن سواهم وغير ذلك ، لا ما قلتموه في أمرهم ، ويجوز أن يكون الحق مبتدأ { فمن شاء } أي منكم ومن غيركم { فليؤمن } بهذا الذي قصصناه فيهم وفي غيرهم ، فهو مقبول مرغوب فيه وإن كان فقيراً زريّ الهيئة ولم ينفع إلا نفسه { ومن شاء } منكم ومن غيركم { فليكفر } فهو أهل لأن يعرض عنه ولا يلتفت إليه وإن كان أغنى الناس وأحسنهم هيئة ، وإن تعاظمت هيبته لما اشتد من أذاه ، وأفرط من ظلمه ، وسنشفي قلوب المؤمنين في الدارين بالانتقام منه ، والآية دالة على أن كلاًّ من الكفر والإيمان موقوف على المشيئة بخلق الله تعالى ، لأن الفعل الاختياري يمتنع حصوله بدون القصد إليه وذلك القصد إن كان بقصد آخر يتقدمه لزم أن يكون كل قصد مسبوقاً بقصد آخر إلى غير النهاية وهو محال ، فوجب أن تنتهي تلك القصود إلى قصد يخلقه الله في العبد على سبيل الضرورة يجب به الفعل ، فإلإنسان مضطر في صورة مختار ، فلا دليل للمعتزلة في هذه الآية . ولما هدد السامعين بما حاصله : ليختر كل امرىء لنفسه ما يجده غداً عند الله تعالى ، اتبع هذا التهديد تفصيلاً لما أعد للفريقين من الوعد والوعيد لفاً ونشراً مشوشاً - بما يليق بهذا الأسلوب المشير إلى أنه لا كفوء له من نون العظمة فقال تعالى : { إنا اعتدنا } أي هيأنا بما لنا من العظمة تهيئة قريبة جداً ، وأحضرنا على وجه ضخم شديد تام التقدير { للظالمين } أي لمن لم يؤمن ، ولكنه وصف إشارة إلى تعليق الحكم به { ناراً } جعلناها معدة لهم { أحاط بهم } كلهم { سرادقها } أي حائطها الذي يدار حولها كما يدار الحظير حول الخيمة من جميع الجوانب . ولما كان المحرور شديد الطلب للماء قال تعالى : { وإن يستغيثوا } من حر النار فيطلبوا الغيث - وهو ماء المطر - والغوث بإحضاره لهم ؛ وشاكل استغاثتهم تهكماً بهم فقال تعالى : { يغاثوا بماء } ليس كالماء الذي قدمنا الإشارة إلى أنا نحيي به الأرض بعد صيرورتها صعيداً جرزاً ، بل { كالمهل } وهو القطران الرقيق وما ذاب في صفر أو حديد والزيت أو درديّه - قاله في القاموس . وشبهه به من أجل تناهي الحر مع كونه ثخيناً ، وبين وجه الشبه بقوله تعالى : { يشوي الوجوه } أي إذا قرب إلى الفم فكيف بالفم والجوف ! ثم وصل بذلك ذمه فقال تعالى : { بئس الشراب } أي هو ، فإنه أسود منتن غليظ حار ، وعطف عليه ذم النار المعدة لهم فقال تعالى : { وساءت مرتفقاً * } أي منزلاً يعد للارتفاق ، فكأنه قيل : فما لمن آمن ؟ فقال تعالى : { إن الذين ءامنوا } ولما كان الإيمان هو الإذعان للأوامر ، عطف عليه ما يحقق ذلك فقال تعالى : { وعملوا الصالحات } ثم عظم جزاءهم بقوله تعالى : { إنا لا نضيع } أي بوجه من الوجوه لما يقتضيه عظمتنا { أجر من أحسن عملاً * } مشيراً بإظهار ضميرهم إلى أنهم استحقوا بذلك الوصف بالإحسان ، فكأنه قيل : فما لهم ؟ فقال مفصلاً لما أجمل من وعدهم : { أولئك } أي العالو الرتبة { لهم جنات عدن } أي إقامة ، فكأنه قيل : ما لهم فيها ؟ فقيل : { تجري من تحتهم } أي تحت منازلهم { الأنهار } فكأنه قيل : ثم ماذا ؟ فقيل : { يحلون فيها } وبنى الفعل للمجهول لأن القصد وجود التحلية ، وهي لعزتها إنما يؤتى بها من الغيب فضلاً من الله تعالى . ولما كان الله أعظم من كل شيء ، فكانت نعمه لا يحصى نوع منها ، قال تعالى مبعضاً : { من أساور } جمع أسورة جمع سوار ، كما يلبس ذلك ملوك الدنيا من جبابرة الكفرة في بعض الأقاليم كأهل فارس . ولما كان لمقصودها نظر إلى التفضيل والفعل بالاختيار على الإطلاق ، وقع الترغيب في طاعته بما هو أعلى من الفضة فقال مبعضاً أيضاً : { من ذهب } أي ذهب هو في غاية العظمة . ولما كان اللباس جزاء العمل وكان موجوداً عندهم ، أسند الفعل إليهم فقال تعالى : { ويلبسون ثياباً خضراً } ثم وصفها بقوله تعالى : { من سندس } وهو ما رقّ من الديباج { وإستبرق } وهو ما غلظ منه ؛ ثم استأنف الوصف عن حال جلوسهم فيها بأنه جلوس الملوك المتمكنين من النعيم فقال تعالى : { متكئين فيها } أي لأنهم في غاية الراحة { على الأرائك } أي الأسرع عليها الحجل ، ثم مدح هذا فقال تعالى : { نعم الثواب } أي هو لو لم يكن لها وصف غير ما سمعتم فكيف ولها من الأوصاف ما لا يعلمه حق علمه إلا الله تعالى ! وإلى ذلك أشار بقوله تعالى : { وحسنت } أي الجنة كلها ، وميز ذلك بقوله تعالى : { مرتفقاً * } .