Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 32-37)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان إنما محط حال المشركين العاجل ، وكان قد تقدم قولهم { أو يكون لك جنة من نخيل وعنب } [ الإسراء : 91 ] الآية ، وقوله تعالى : { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها } [ الكهف : 7 ] الآية ، وقوله تعالى : في حق فقراء المؤمنين الذين تقذروهم { ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا } [ الكهف : 28 ] الآية واستمر إلى أن ختم بأن جنات المؤمنين عظيم حسنها من جهة الارتفاق ، عطف على قوله تعالى { وقل الحق من ربكم } [ الكهف : 29 ] قوله تعالى كاشفاً بضرب المثل أن ما فيه الكفار من الارتفاق العاجل ليس أهلاً لأن يفتخر به لأنه إلى زوال : { واضرب لهم } أي لهؤلاء الضعفاء والمتجبرين الذين يستكبرون على المؤمنين ، ويطلبون طردهم لضعفهم وفقرهم : { مثلاً } لما آتاهم الله من زينة الحياة الدنيا ، فاعتمدوا عليهم وركنوا إليه ولم يشكروا من آتاهم إياه عليه ، بل أداهم إلى الافتقار والتكبر على من زوى ذلك عنه إكراماً له وصيانة عنه { رجلين } فكأنه قيل : فما مثلهما ؟ فقيل : { جعلنا } أي بما لنا من العظمة { لأحدهما } وهو المجعول مثلاً لهم { جنتين } أي بساتين يستر ما فيهما من الأشجار من يدخلهما على أي وضع من الأوضاع كانتا ، ومن جملة الأوضاع أن تكون إحداهما من السهل والأخرى في الجبل ، ليبعد عموم عاهة لهما لأنها إما من برد أو حر { من أعناب } لأنها من أشجار البلاد الباردة وتصبر على الحر ، وهي فاكهة وقوت بالعنب والزبيب والخل وغيرها { وحففناهما } أي حططناهما بعظمتنا { بنخل } لأنها من أشجار البلاد الحارة ، وتصبر على البرد ، وربما منعت عن الأعناب بعض أسباب العاهات ، وثمرها فاكهة بالبسر والرطب وقوت بالتمر والخل فكأن النخل كالإكليل من وراء العنب ، وهو مما يؤثره الدهاقين لأنه في غاية البهجة والمنفعة { وجعلنا بينهما } أي أرضي الجنتين { زرعاً * } لبعد شمول الآفة للكل ، لأن زمان الزرع ومكانه غير زمان أثمار الشجر المقدم ومكانه ، وذلك هو العمدة في القوت ، فكانت الجنتان أرضاً جامعة لخير الفواكه وأفضل الأقوات ، وعمارتهما متواصلة متشابكة لم يتوسطها ما يقطعها ويفصل بينها ، مع سعة الأطراف ، وتباعد الأكناف ، وحسن الهيئات والأوصاف . ولما كان الشجر قد يكون فاسداً من جهة أرضه ، نفى ذلك بقوله تعالى ؛ جواباً لمن كأنه قال : ما حال أرضهما المنتج لزكاء ثمرهما ؟ : { كلتا } أي كل واحدة من { الجنتين } المذكورتين { ءاتت أكلها } أي ما يطلب منها ويؤكل من ثمر وحب ، كاملاً غير منسوب شيء منهما إلى نقص ولا رداءة ، وهو معنى : { ولم تظلم } أي تنقص حساً ولا معنى كمن يضع الشيء في غير موضعه { منه شيئاً } . ولما كان الشجر ربما أضر بدوامه قلة السقي قال تعالى : { وفجرنا } أي تفجيراً يناسب عظمتنا { خلالهما نهراً * } أي يمتد فيتشعب فيكون كالأنهار لتدوم طراوة الأرض ويستغني عن المطر عند القحط ؛ ثم زاد في ضخامة هذا الرجل فبين أن له غير هاتين الجنتين والزرع بقوله تعالى : { وكان له } أي صاحب الجنتين { ثمر } أي مال مثمر غير ما تقدم كثير ، ذو أنواع ليكون متمكناً من العمارة بالأعوان والآلات وجميع ما يريد { فقال } أي هذا الكافر { لصاحبه } أي المسلم المجعول مثلاً لفقراء المؤمنين { وهو } أي صاحب الجنان { يحاوره } أي يراجعه الكلام ، من حار يحور - إذا رجع افتخاراً عليه وتقبيحاً لحاله بالنسبة إليه ، والمسلم يحاوره بالوعظ وتقبيح الركون إلى الدنيا : { أنا أكثر منك مالاً } لما ترى من جناني وثماري { وأعز نفراً * } أي ناساً يقومون معي في المهمات ، وينفرون عند الضرورات ، لأن ذلك لازم لكثرة المال { ودخل جنته } وحد لإرادة الجنس ودلالة على ما أفاده الكلام من أنهما لاتصالهما كالجنة الواحدة ، وإشارة إلى أنه لا جنة له غيرها لأنه لا حظ له في الآخرة { وهو } أي والحال أنه { ظالم لنفسه } بالاعتماد على ماله والإعراض عن ربه ؛ ثم استأنف بيان ظلمه بقوله : { قال } لما استولى عليه من طول أمله وشدة حرصه وتمادي غفلته واطراحه للنظر في العواقب بطول المهلة وسبوغ النعمة : { ما أظن أن تبيد } أي تهلك هلاكاً ظاهراً مستولياً { هذه أبداً * } ثم زاد في الطغيان والبطر بقصر النظر على الحاضر فقال : { وما أظن الساعة قائمة } استلذاذاً بما هو فيه وإخلاداً إليه واعتماداً عليه . ولما كان الإنسان مجبولاً على غلبة الرجاء عليه ، فإذا حصل له من دواعي الغنى وطول الراحة وبلوغ المأمول والاستدراج بالظفر بالسؤال ما يربيه ، ويثبت أصوله ويقويه ، اضمحل الخوف فلم يزل يتضاءل حتى لا يتلاشى فكان عدماً ، فقال تعالى حاكياً عن هذا الكافر ما أثمر له الرجاء من أمانه من سوء ما يأتي به القدر مقسماً : { ولئن رددت } أي ردني راد { إلى ربي } المحسن إلي في هذه الدار ، في السعة على تقدير قيامها الذي يستعمل في فرضه أداة الشك { لأجدن خيراً منها } أي هذه الجنة ؛ وقرأ ابن كثير وابن عامر بالتثنية للجنتين { منقلباً * } أي من جهة الانقلاب وزمانه ومكانه ، لأنه ما أعطاني ذلك إلا باستحقاقي ، وهو وصف لي غير منفك في الدارين ، وإن لم يقولوا نحو هذا بألسنة مقالهم فإن ألسنة أحوالهم ناطقة به ، فكأنه قيل : إن هذا لفي عداد البهائم حيث قصر النظر على الجزئيات ، ولم يجوز أن يكون التمويل استدراجاً ، فما قال له الآخر ؟ فقيل : { قال له صاحبه وهو } أي والحال إن ذلك الصاحب { يحاوره } منكراً عليه : { أكفرت } . ولما كان كفره بإنكار البعث ، دل عليه بقوله تعالى : { بالذي خلقك من تراب } بخلق أصلك { ثم من نطفة } متولدة من أغذية أصلها تراب { ثم سواك } بعد أن أولدك وطورك في أطوار النشأة { رجلاً * } حيث نفيت إعادته لمن ابتدأ خلقهم على هذا الوجه تكذيباً للرسل واستقصاراً للقدرة ، ولم تثبت لها في الإعادة ما ثبت لها بعلمك في الابتداء ، ثم لم تجوزها بعد القطع بالنفي إلا على سبيل الفرض بأداة الشك ، وهي من دعائم أصول الدين الذي لا يقتنع فيه إلا بالقطع ، ونسبته إلى العبث الذي لا يرضاه عاقل إذ جعلت غاية هذا الخلق البديع في هذا التطوير العظيم الموت الذي لو كان غاية كما زعمت - لفوّت على المطيع الثواب ، وعلى العاصي العقاب .