Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 75-79)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كانت هذه ثانية { قال } الخضر عليه السلام : { ألم أقل } وزاد قوله : { لك إنك } يا موسى { لن تستطيع معي } أي خاصة { صبراً * قال } موسى عليه السلام حياء منه لما أفاق بتذكر مما حصل من فرط الوجد لأمر الله فذكر أنه ما تبعه إلا بأمر الله : { إن سألتك عن شيء بعدها } يا أخي ! وأعلم بشدة ندمه على الإنكار بقوله : { فلا تصاحبني } بل فارقني ؛ ثم علل ذلك بقوله { قد بلغت } وأشار إلى أن ما وقع منه من الإخلال بالشرط من أعظم الخوارق التي اضطر إليها فقال : { من لدني عذراً * } باعتراضي مرتين واحتمالك لي فيهما . وقد أخبرني الله بحسن حالك في غزارة علمك { فانطلقا } بعد قتله { حتى إذا أتيا أهل قرية } عبر عنها هنا بالقرية دون المدينة لأنه أدل على الذم ، لأن مادة قرا تدور على الجمع الذي يلزمه الإمساك كما تقدم في آخر سورة يوسف عليه السلام ؛ ثم وصفها ليبين أن لها مدخلاً في لؤم أهلها بقوله تعالى : { استطعما } وأظهر ولم يضمر في قوله : { أهلها } لأن الاستطعام لبعض من أتوه ، أوكل من الإتيان والاستطعام لبعض ولكنه غير متحد ، وهذا هو الظاهر ، لأنه هو الموافق للعادة . قال الإمام أبو الحسن الحرالي في كتابه مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل : ولتكرار الأسماء بالإظهار والإضمار بيان سنين الأفهام في القرآن : اعلم أن لوقوع الإظهار والإضمار في بيان القرآن وجهين : أحدهما يتقدم فيه الإظهار وهو خطاب المؤمنين بآيات الآفاق وعلى نحوه هو خطاب الخلق بعضهم لبعض لا يضمرون إلا بعد أن يظهروا ، والثاني يتقدم فيه الإضمار وهو خطاب الموقنين بآية الأنفس ، ولم يصل إليه تخاطب الخلق . فإذا كان البيان عن إحاطة ، تقدم الإضمار { قل هو الله أحد } وإذا كان عن اختصاص ، تقدم الإظهار { الله الصمد } وإذا رد عليه بيان على حدة أضمر { لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد } أي هذا الذي عم بأحديته وخص بصمديته ، وإذا أحاط البيان بعد اختصاص استؤنف له إحاطة باستئناف إظهار محيط أو بإضمار ، أو بجمع المضمر والمظهر { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم } [ الحجرات : 1 ] { إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدىء ويعيد } [ البروج : 12 ] { هو الله لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة } [ الحشر : 22 ] والتفطن لما اختص به بيان القرآن عن بيان الإنسان من هذا النحو من مفاتيح أبواب الفهم ، ومن نحوه { أتيا أهل قرية استطعما أهلها } استأنف للمستطعمين إظهاراً غير إظهار المأتيين - انتهى . وجعل السبكي الإتيان للبعض ، والاستطعام للكل ، لأنه أشد ذماً لأهل القرية وأدل على شر طبعها ، ومن قال بالأول مؤيد بقول الشافعي في كتاب الرسالة في باب ما نزل من الكتاب عاماً يراد به العام ويدخلها الخصوص وهو بعد البيان الخامس في قول الله عز وجل { حتى إذا أتيا قرية استطعما أهلها } : وفي هذه الآية أدل دلالة على أنه لم يستطعما كل أهل القرية وفيها خصوص - انتهى ، وبيان ذلك أن نكرة إذا أعيدت كانت الثانية غير الأولى ، وإذا أعيدت معرفة كانت عيناً في الأغلب . ولما أسند الإتيان إلى أهل القرية كان ظاهره تناول الجميع ، فلو قيل : استطعماهم لكان المراد بالضمير عين المأتيين ، فلما عدل عنه - مع أنه أخصر - إلى الظاهر ولا سيما إن جعلناه نكرة كان غير الأولى وإلا لم يكن للعدول فائدة ، وقد كان الظاهر أن الأول للجميع فكان الثاني للبعض ، وإلا لم يكن غيره ولا كان للعدول فائدة . { فأبوا } أي فتسبب عن استطعامهما أن أبى المستطعمون من أهل القرية { أن يضيفوهما } أي ينزلوهما ويطعموهما فانصرفا عنهم { فوجدا فيها } أي القرية ، ولم يقل : فيهم ، إيذاناً بأن المراد وصف القرية بسوء الطبع { جداراً } مشرفاً على السقوط ، وكذا قال مستعيراً لما لا يعقل صفة ما يعقل : { يريد أن ينقض } أي يسقط سريعاً فمسحه الخضر بيده { فأقامه } . ولما انقضى وصف القرية وما تسبب عنه أجاب " إذا " بقوله : { قال } أي له موسى عليه السلام : { لو شئت لتخذت } لكوننا لم يصل إلينا منهم شيء { عليه } أي على إقامة الجدار { أجراً * } نأكل به ، فلم يعترض عليه في هذه المرة لعدم ما ينكر فيها ، وإنما ساق ما يترتب عليها من ثمرتها مساق العرض والمشورة غير أنه يتضمن السؤال { قال } الخضر عليه السلام : { هذا } أي الوقت أو السؤال . ولما كان ذلك سبب الفراق أو محله ، سماه به مبالغة فقال : { فراق بيني وبينك } يا موسى بعد أن كان البينان بيناً واحداً لاتصالهما فلا بين ، فهو في الحقيقة فوق ما كان متصلاً من بينهما ، أو فراق التقاول الذي كان بيننا ، أي الفراق الذي سببه السؤال ، وإذا نزل على الاحتباك ازداد ظهوراً ، تقديره : فراق بيني وبينك كما أخبرت ، وفراق بينك من بيني كما شرطت ، وقد أثبتت هذه العبارة الفراق على أبلغ وجه ، وذلك أنه إذا وقع فراق بيني من بينك بحائل يحول بينهما فقد وقع منك بطريق الأولى ، وحقيقته أن البين هو الفراغ المنبسط الفاصل بين الشيئين وهو موزع بينهما ، فبين كل منهما من منتصف ذلك الفراغ إليه ، فإذا دخل في ذلك الفراغ شيء فصل بينهما ، وصار بين كل منهما ينسب إليه ، لأنه صار بين ما ينسب إلى كل منهما من البينين ، وحينئذ يكون بينهما مباينة ، أي أن بين كل منهما غير بين الآخر ومن قال : إن معنى " هذا فراق بيننا " زوال الفصل ووجود الوصل ، كذبه أن معنى " هذا اتصال بيننا " المواصلة ، فلو كان هذا معنى ذاك أيضاً لاتحد معنى ما يدل على الوصل بمعنى ما يدل على الفصل ، وقد نبه الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام - كما في تفسير الأصبهاني وغيره - بما فعل الخضر عليه السلام على ما وقع له هو من مثله سواء بسواء ، فنبهه - بخرق السفينة الذي ظاهره هلك وباطنه نجاة من يد الغاصب - على التابوت الذي أطبق عليه وألقي في اليم خوفاً عليه من فرعون الغاصب فكان ظاهره هلكاً وباطنه نجاة ، وبقتل الغلام على أنه كان معصوم الحركة في نفس الأمر في قتله القبطي وإن لم يكن إذ ذاك يعلمه لكونه لم ينبأ ، وبأقامة الجدار من غير أجر على سقيه لبنات شعيب عليهم السلام من غير أجر مع احتياجه لذلك . ولما كان من المعلوم شدة استشراف موسى عليه السلام إلى الوقوف في باطن هذه الأمور ، قال مجيباً له عن هذا السؤال : { سأنبئك } يا موسى بوعد لا خلف فيه إنباء عظيماً { بتأويل } أي بترجيع { ما لم تستطع عليه صبراً * } لمخالفته عندك الحكمة إلى الحكمة وهو أن عند تعارض الضررين يجب ارتكاب الأدنى لدفع الأقوى بشرط التحقق ، وأثبت تاء الاستفعال هنا وفيما قبله إعلاماً بأنه ما نفى إلا القدرة البليغة على الصبر ، إشارة إلى صعوبة ما حمل موسى من ذلك ، لا مطلق القدرة على الصبر { أما السفينة } التي أحسن إلينا أهلها فخرقتها { فكانت لمساكين } وهو دليل للشافعي على أن الفقير أسوأ حالاً من المسكين ، لأن هؤلاء يملكون سفينة { يعملون في البحر } ليستعينوا بذلك على معاشهم . ولما كان التعييب من فعله ، أسنده إليه خاصة ، تأدباً مع الله تعالى فقال : { فأردت أن أعيبها } فإن تفويت منفعتها بذلك ساعة من نهار وتكليف أهلها لوحاً يسدونها به أخف ضرراً من تفويتهم منفعتها أخذاً ورأساً بأخذ الملك لها ، ولم أرد إغراق أهلها كما هو المتبادر إلى الفهم ؛ ثم عطف على ذلك علة فعله فقال : { وكان وراءهم } أي أمامهم ، ولعله عبر بلفظ ( وراء ) كناية عن الإحاطة بنفوذ الأمر في كل وجهة وارتهم و واروها ، وفسره الحرالي في سورة البقرة بأنه وراءهم في غيبته عن علمهم وإن كان أمامهم في وجهتهم ، لأنه فسر الوراء بما لا يناله الحس ولا العلم حيثما كان من المكان ، قال : فربما اجتمع أن يكون الشيء ، وراء من حيث إنه لا يعلم ، ويكون أماماً في المكان . { ملك يأخذ } في ذلك الوقت { كل سفينة } ليس فيها عيب { غصباً } من أصحابها ولم يكن عند أصحابها علم به .