Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 68-74)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان المقام صعباً جداً لأنه بالنسبة إلى أوامر الله تعالى ، بينه على وجه أبلغ من نفي الأخص ، وهو الصبر البليغ ، بالتعجيب من مطلق الصبر معتذراً عن موسى في الإنكار ، وعن نفسه في الفعل ، بأن ذلك بالنسبة إلى الظاهر والباطن ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فكيف تتبعني الاتباع البليغ : { وكيف تصبر } يا موسى { على ما لم تحط به خبراً * } أي من جهة العلم به ظاهراً وباطناً ، فأشار بالإحاطة إلى أنه كان يجوز أن يكون على صواب ، ولكن تجويزاً لا يسقط عنه وجوب الأمر ، ويجوز أن يكون هذا تعليلاً لما قبله ، فيكون الصبر الثاني هو الأول ، والمعنى أنك لا تستطيع الصبر الذي أريده لأنك لا تعرف فعلي على ما هو عليه فتراه فاسداً { قال } أي موسى عليه السلام ، آتياً بنهاية التواضع لمن هو أعلم منه ، إرشاداً لما ينبغي في طلب العلم رجاء تسهيل الله له والنفع به : { ستجدني } فأكد الوعد بالسين ؛ ثم أخبر عنه سبحانه أنه قوى تأكيده بالتبرك بذكر الله تعالى لعلمه بصعوبة الأمر على الوجه الذي تقدم الحث عليه في هذه السورة في قوله تعالى { ولا تقولن لشيء إني فاعل } الآية ليعلم أنه منهاج الأنبياء وسبيل الرسل ، فقال تعالى : { إن شاء الله } أي الذي له صفات الكمال { صابراً } على ما يجوز الصبر عليه ؛ ثم زاد التأكيد بقوله عطفاً بالواو على " صابراً " لبيان التمكن في كل من الوصفين : { ولا أعصي } أي وغير عاص { لك أمراً * } تأمرني به غير مخالف لظاهر أمر الله { قال } أي الخضر عليه السلام : { فإن اتبعتني } يا موسى اتباعاً بليغاً { فلا تسألني عن شيء } أقوله أو أفعله { حتى أحدث لك } خاصة { منه ذكراً * } يبين لك وجه صوابه ، فإني لا أقدم على شيء إلا وهو صواب جائز في نفس الأمر وإن كان ظاهره غير ذلك . ولما تشارطا وتراضيا على الشرط سبب قوله تعالى : { فانطلقا } أي موسى والخضر عليهما السلام على الساحل ، يطلبان سفينة يركبان فيها واستمرا { حتى إذا ركبا في السفينة } وأجاب الشرط بقوله تعالى : { خرقها } وعرفها لإرشاد السياق بذكر مجمع البحرين إلى أن انطلاقهما كان لطلب سفينة ، فكانت لذلك كأنها مستحضرة في الذهن ، ولم يقرن " خرق " بالفاء لأنه لم يكن مسبباً عن الركوب ولا كان في أول أحيانه ؛ ثم استأنف قوله تعالى : { قال } أي موسى عليه السلام ، منكراً لذلك لما في ظاهره من الفساد بإتلاف المال المفضي إلى فساد أكبر منه بإهلاك النفوس ، ناسياً لما عقد على نفسه لما دهمه مما عنده من الله - وهو الإله العظيم - من العهد الوثيق المكرر في جميع أسفار التوراة بعد إثباته في لوحي الشهادة في العشر كلمات التي نسبتها من التوراة كنسبة الفاتحة من القرآن بالأمر القطعي أنه لا يقر على منكر ، ومن المقرر أن النهي واجب على الفور ، على أنه لا يقر على منكر ، ومن المقرر أن النهي واجب على الفور ، على أنه لو لم ينس لم يترك الإنكار ، كما فعل عند قتل الغلام ، لأن مثل ذلك غير داخل في الوعد ، لأن المستثنى شرعاً كالمستثنى وضعاً ، ففي الأولى نسي الشرط ، وفي الثانية نسي - لما دهمه من فظاعة القتل الذي لم يعلم فيه من الله أمراً - أنه ينبغي تقليده لثناء الله تعالى عليه : { أخرقتها } وبين عذره في الإنكار بما في غاية الخرق من الفظاعة فقال : { لتغرق أهلها } والله ! { لقد جئت شيئاً إمراً } أي عظيماً منكراً عجيباً شديداً { قال } أي الخضر عليه السلام : { ألم أقل إنك } يا موسى ! { لن تستطيع معي صبراً * } فذكره بما قال له عند الشرط { قال } موسى : { لا تؤاخذني } يا خضر { بما نسيت } من ذلك الاشتراط { ولا ترهقني } أي تلحقني بما لا أطيقه وتعجلني عن مرادي باتباعك على وجه القهر ناسباً لي إلى السفه والخفة وركوب الشر { من أمري عسراً * } بالمؤاخذة على النسيان ، فكل منهما صادق فيما قال ، موف بحسب ما عنده ، أما موسى عليه السلام فلأنه ما خطر له قط أن يعاهد على أن لا ينهى عما يعتقده منكراً ، وأما الخضر فإنه عقد على ما في نفس الأمر لأنه لا يقدم على منكر ، ومع ذلك فما نفي إلا الصبر البليغ الذي دل عليه بزيادة تاء الاستفعال ، وقد حصل ما يطلق عليه صبر . لأنه لما ذكره كف عنه لما تذكر بثناء الله عليه أنه لا يفعل باطلاً ، ولم يحصل الصبر البليغ الذي في نفس الخضر بالكسوت في أول الأمر وآخره { فانطلقا } بعد نزولهما من السفينة وسلامتها من الغرق والغصب { حتى إذا لقيا غلاماً } لم يبلغ الحلم وهو في غاية القوة { فقتله } حين لقيه - كما دلت عليه الفاء العاطفة على الشرط . ثم أجاب الشرط بقوله مشعراً بأن شروعه في الإنكار في هذه أسرع : { قال } أي موسى عليه السلام : { أقتلت } يا خضر { نفساً زكية } بكونها على الفطرة الأولى من غير أن تدنس بخطيئة توجب القتل { بغير نفس } قتلتها ليكون قتلك لها قوداً ؛ وهذا يدل على أنه كان بالغاً حتى إذا قتل قتيلاً أمكن قتله به إلا أن يكون شرعهم لا يشترط البلوغ ؛ ثم استأنف قوله : { لقد جئت } في قتلك إياها { شيئاً } وصرح بالإنكار في قوله : { نكراً * } لأنه مباشرة . والخرق تسبب لا يلزم منه الغرق .