Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 9-12)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان هذا من العجائب التي تضاءل عندها العجائب ، والغرائب التي تخضع لديها الغرائب ، وإن صارت مألوفة بكثرة التكرار ، والتجلي على الأبصار ، هذا إلى ما له من الآيات التي تزيد على العد ، ولا يحصر بحد ، من خلق السماوات والأرض ، واختلاف الليل والنهار ، وتسخير الشمس والقمر والكواكب - وغير ذلك ، حقر آية أصحاب الكهف - وإن كانت من أعجب العجب - لاضمحلالها في جنب ذلك ، لأن الشيء إذا كان كذلك كثر ألفه فلم يعد عجباً ، فنبه على ذلك بقوله تعالى عطفاً على ما تقديره : أعلمت أن هذا وغيره من عجائب قدرتنا ؟ : { أم حسبت } على ما لك من العقل الرزين والرأي الرصين { أن أصحاب الكهف } أي الغار الواسع المنقور في الجبل كالبيت { والرقيم } أي القرية أو الجبل { كانوا } هم فقط { من ءاياتنا عجباً * } على ما لزم من تهويل السائلين من الكفرة من اليهود والعرب ، والواقع أنهم - وإن كانوا من العجائب - ليسوا بعجب بالنسبة إلى كثرة آياتنا ، وبالنسبة إلى هذا العجب النباتي الذي أعرضتم عنه بإلفكم له من كثرة تكرره فيكم ، فإنه سبحانه أخرج نبات الأرض على تباين أجناسه ، واختلاف ألوانه وأنواعه ، وتضاد طبائعه ، من مادة واحدة ، يهتز بالينبوع ، يبهج الناظرين ويروق المتأملين ، ثم يوقفه ثم يرده باليبس والتفرق إلى التراب فيختلط به حتى لا يميزه عن بقية التراب ، ثم يرسل الماء فيختلط بالتراب فيجمعه أخضر يانعاً يهتز بالنمو على أحسن ما كان ، وهكذا كل سنة ، فهذا بلا شك أعجب حالاً ممن حفظت أجسامهم مدة عن التغير ثم ردت أرواحهم فيها ، وقد كان في سالف الدهر يعمر بعض الناس أكثر من مقدار ما لبثوا ، وهذا الكهف - قيل : هو في جبال بمدينة طرسوس وهو المشهور ، وقال أبو حيان : قيل : هو في الروم ، وقيل : في الشام ، وقيل : في الأندلس ، قال : في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة ، وأكثرهم قد انجرد لحمه ، وبعضهم متماسك وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من عرف شأنهم ، ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف ، ونقل عن ابن عطية قال : دخلت إليهم سنة أربع وخمسمائة فرأيتهم بهذه الحالة وعليهم مسجد وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم ، وهو في فلاة من الأرض ، وبأعلى حضرة غرناطة مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة يقال لها مدينة دقيوس ، ونقل أبو حيان عن أبيه أنه حين كان بالأندلس كان الناس يزورون هذا الكهف ويذكرون أنهم يغلطون في عدتهم إذا عدوهم وأن معهم كلباً ، قال : وأما ما ذكرت من مدينة دقيوس التي بقبلي غرناطة ، فقد مررت عليها مراراً لا تحصى ، قال : ويترجح كون أصحاب الكهف بالأندلس - انتهى ملخصاً . قلت : وفيه نظر ، والذي يرجح المشهور ما نقل البغوي وغيره عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : غزونا مع معاوية بحر الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف فإن معاوية لم يصل إلى بلاد الأندلس والله أعلم . ولما صغر أمرهم بالنسبة إلى جليل آياته وعظيم بيناته وغريب مصنوعاته ، لخص قصتهم التي عدوها عجباً وتركوا الاستبصار على وحدانية الواحد القهار بما هو العجب العجيب ، والنبأ الغريب ، فقال تعالى : { إذ أوى } أي كانوا على هذه الصفة حين أووا ، ولكنه أبرز الضمير لبيان أنهم شبان ليسوا بكثيري العدد فليست لهم أسنان استفادوا بها من التجارب والتعلم ما اهتدوا إليه من الدين والدنيا ، ولا كثرة حفظوا بها ممن يؤذيهم أيقاظاً ورقوداً فقال تعالى : { الفتية } وهو أصحاب الكهف المسؤول عنهم ، والشبان أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ { إلى الكهف } المقارب لقريتهم المشهور ببلدتهم فراراً بدينهم كما أويت أنت والصديق إلى غار ثور فراراً بدينكما { فقالوا } عقب استقرارهم فيه : { ربنا ءاتنا } ولما كانت الموجودات - كما مضى عن الحرالي في آل عمران - على ثلاث رتب : حكميات جارية على قوانين العادات ، وعنديات خارقة للمطردات ولدنيات مستغرقة في الأمور الخارقات ، طلبوا أعلاها فقالوا : { من لدنك } أي من مستبطن الأمور التي عندك ومستغربها { رحمة } أي إكراماً تكرمنا به كما يفعل الراحم بالمرحوم { وهيىء لنا } أي جميعاً لا تخيب منا أحداً { من أمرنا رشداً * } أي وجهاً ترشدنا فيه إلى الخلاص في الدارين ، لا جرم صارت قصتهم على حسب ما أجابهم ربهم بديعة الشأن فردة في الزمان ، يتحدث بها في سائر البلدان ، في كل حين وأوان . ولما أجابهم سبحانه ، عبر عن ذلك بقوله تعالى : { فضربنا } أي عقب هذا القول وبسببه { على ءاذانهم } أي سددناها وأمسكناها عن السمع ، وكان أصله ؛ ضربنا عليها حجاباً بنوم ثقيل لا تزعج منه الأصوات ، لأن من كان مستيقظاً أو نائماً نوماً خفيفاً وسمعه صحيح سمع الأصوات { في الكهف } أي المعهود . ولما كانت مدة لبثهم نكرة بما كان لأهل ذلك الزمان من الشرك ، عبر بما يدل على النكرة فقال تعالى : { سنين } : ولما كان ربما ظن أنه ذكر السنين للمبالغة لأجل بعد هذا النوم عن العادة ، حقق الأمر بأن قال مبدلاً منها معرفاً لأن المراد بجمع القلة هنا الكثرة : { عدداً } أي متكاثرة ؛ قال الزجاج كل شيء مما يعد إذا ذكر فيه العدد ووصف أريد كثرته لأنه إذا قل فهم مقدار عدده بدون التقدير فلم يحتج إلى أن يعد . { ثم بعثناهم } أي نبهناهم من ذلك النوم { لنعلم } علماً مشاهداً لغيرنا كما كنا نعلم غيباً ما جهله من يسأل فيقول : { أي الحزبين } هم أو من عثر عليهم من أهل زمانهم { أحصى } أي حسب وضبط { لما } أي لأجل علم ما { لبثوا أمداً * } أي وقع إحصاءه لمدة لبثهم فإنهم هم أحصوا لبثهم فقالوا : لبثنا يوماً أو بعض يوم ، ثم تبرؤوا من علم ذلك وردوه إلى عالمه وأهل البلد ، أحصوا ذلك بضرب النقد الذي وجد معهم أو غير ذلك من القرائن التي دلتهم عليه ، ولكنهم وإن صادق قولهم ما في نفس الأمر أو قريباً منه فعلى سبيل الظن والتقريب ، لا القطع والتحديد ، بقوله تعالى { قل الله أعلم بما لبثوا } [ الكهف : 26 ] فإذا علم بجهل كل من الحزبين بأمرهم أن الله هو المختص بعلم ذلك ، علم أنه المحيط بصفات الكمال ، وأنه لم يتخذ ولداً ، ولا له شريك في الملك ، وأنه أكبر من كل ما يقع في الوهم .