Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 13-15)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان الكلام على اختلاف وقع في مدتهم ، وكان الحزبان معاً هم ومن خالفهم متقاربين في الجهل بإحصائه على سبيل القطع وكان اليهود الذين أمروا قريشاً بالسؤال عن أمرهم تشكيكاً في الدين لا يعلمون أمرهم على الحقيقة ، نبه على ذلك بقوله - جواباً لمن كأنه قال : أيهما أحصاه ؟ : { نحن } أو يقال : ولما أخبر الله سبحانه عن مسألة قريش الثانية ، وهي قصة أهل الكهف ، مجملاً لها بعض الإجمال بعد إجمال الجواب عن المسألة الأولى ، وهي الروح ، كان السامع جديراً بأن تستشرف نفسه إلى بيان أكثر من ذلك فيضيق صدره خشية الاقتصار على ما وقع من ذلك من الأخبار ، فقال جواباً لمن كأنه قال : اسأل الإيضاح وبيان الحق من خلاف الحزبين : نحن { نقص } أي نخبر إخباراً تابعاً لآثارهم قدماً فقدماً { عليك } على وجه التفصيل { نبأهم بالحق } أي خبرهم العظيم وليس أحد غيرنا إلا قصاً ملتبساً بباطل : زيادة أو نقص ، فكأنه قيل : ما كان نبأهم ؟ فقال تعالى : { إنهم فتية } أي شبان { ءامنوا بربهم } المحسن إليهم الناظر في مصالحهم الذي تفرد بخلقهم ورزقهم ، وهداهم بما وهب لهم في أصل الفطرة من العقول الجيدة النافعة . ولما دل على الإحسان باسم الرب ، وكان في فعله معهم من باهر القدرة ما لا يخفى ، التفت إلى مقام العظمة فقال تعالى عاطفاً على ما تقديره : فاهتدوا بإيمانهم : { وزدناهم } بعد أن آمنوا { هدى } بما قذفنا في قلوبهم من المعارف ، وشرحنا لهم صدورهم من المواهب التي حملتهم على ارتكاب المعاطب ، والزهد في الدنيا والانقطاع إليه { وربطنا } بما لنا من العظمة { على قلوبهم } أي قويناها ، فصار ما فيها من القوى مجتمعاً غير مبدد ، فكانت حالهم في الجلوة كحالهم في الخلوة { إذ قاموا } لله تعالى حق القيام في ذلك الجيل الكافرين بين يدي طاغيتهم دقيانوس { فقالوا } مخالفين لهم : { ربنا } الذي يستحق أن نفرده بالعبادة لتفرده بتدبيرنا ، هو { رب السماوات والأرض } أي موجدهما ومدبرهما { لن ندعوا من دونه إلهاً * } بعد أن ثبت عجز كل من سواه ، والله { لقد قلنا إذاً } أي إذا دعونا من دونه غيره { شططاً } أي قولاً ذا بعد مفرط عن الحق جداً ؛ ثم شرعوا يستدلون على كونه شططاً بأنه لا دليل عليه ، ويجوز أن يكونوا لما قالوا ذلك عرض لهم الشيطان بشبهة التقليد فقالوا مجيبين عنها : { هؤلاء } وأن يكونوا قالوا ذلك للملك إنقاذاً له من شرك الجهل ، وبين المشار إليهم بقولهم : { قومنا } أي وإن كانوا أسن منا وأقوى وأجل في الدنيا { اتخذوا } أي مخالفين مع منهاج العقل داعي الفطرة الأولى { من دونه ءالهة } أشركوهم معه لشبهة واهية استغواهم بها الشيطان ؛ ثم استأنفوا على طريق التخصيص ما ينبه على أنهم من حين عبادتهم إلى الآن لم يأتوا على ذلك بدليل ، فقالوا منبهين على فساد التقليد في أصول الدين وأنه لا مقنع فيه بدون القطع : { لولا } أي هلا { يأتون } الآن . ولما كانوا بعبادتهم لهم قد أحلوهم محل العلماء ، قال تعالى : { عليهم } أي على عبادتهم إياهم ، وحققوا ما أرادوا من الاستعلاء بقولهم : { بسلطان } أي دليل قاهر { بين } مثل ما نأتي نحن على تفرد معبودنا بالأدلة الظاهرة ، والبراهين الباهرة ، فإن مثل هذا الأمر لا يقنع فيه بدون ذلك ، وقد جمعنا الأدلة كلها في الاستدلال على تفرد الله باستحقاقه للعبادة بأنه تفرد بخلق الوجود ، فتسبب عن عجزهم عن دليل أنهم أظلم الظالمين لافتعالهم الكذب عن ملك الملوك ومالك الملك ، فلذلك قالوا : { فمن أظلم ممن افترى } أي تعمد { على الله } أي الملك الأعظم { كذباً * } فالآية دالة على فساد التقليد في الوحدانية .